"شيطنة" الديمقراطية

على مدى قرن كامل من الزمان، لم يطرح الإسلام السياسى سوى مصطلحين أساسيين هما "الديمقراطية" و"الإصلاح"، وبعد كل هذه العقود، تكشف للجميع أن الإسلام السياسى لم يستطع أن يحقق أدنى شكل من أشكال الديمقراطية أو ينفذ أفكاراً - أو حتى ملامح - لأقل مشروع من الإصلاح.
عبر عقود طويلة تنوعت الألفاظ والمصطلحات المستخدمة فى خطاب جماعات الإسلام السياسى، بدءاً من "الصحوة" و"الجهاد" وحتى "النهضة" وكلها ألفاظ تحفيزية هدفها إثارة الجماهير فقط، لكن فى واقعها هى بعيدة تماماً عن كل ذلك، فالديمقراطية استخدمت لـ"شيطنة" الفكرة السياسية، بينما استخدم الإصلاح لترويج "الأكاذيب" وبيع الأوهام .
تلك هى الحقيقة التى لا يجب أن نغفلها، فما أسهل الكلام وما أصعب التنفيذ، والأخطر من كل ذلك أن الجماعة، التى قامت على الغش والخداع ونقد التحالفات وخيانة الأصدقاء، لم تستطع أن تتنازل عن "شيطنه الديمقراطية والإصلاح" معاً، فالديمقراطية بالنسبة لهم هى أداة للوصول وليست منهج للتنفيذ.
إذا كانت السياسة -كما نعرفها- هي فن الممكن، فإن جماعة الإخوان حولت السياسة إلى فن "الانتهازية المطلقة".
تاريخهم حافل بتحالفات غريبة تبدأ بالابتسامات وتنتهي بالغدر والخناجر والطعنات. أحد أبرز هذه النماذج هو تحالفهم مع الاشتراكيين وتحديداً حزب مصر الفتاة الاشتراكى بقيادة أحمد حسين فى أربعينيات القرن الماضي، ثم تكرار نفس السيناريو مع غالبية الفصائل السياسية لاحقًا فى محطات متنوعة تحت زعم "الهدف الديمقراطى".
لقد استخدموا الآخرين كـ"سلالم" للصعود، ثم ركلوهم عند الوصول إلى الهدف!
في الأربعينيات، كان حزب مصر الفتاة أحد المنابر السياسية ذى التوجهات الاشتراكية القومية، خصمًا أيديولوجيًا للإخوان، لكن المصالح السياسية جمعتهما في تحالف غريب ومريب، تمثل ظاهرياً في العداء المشترك للملك فاروق والنخبة الحاكمة. وتصاعد شعبية أحمد حسين لدى الشباب والعمال، إضافة للرغبة المشتركة لكل منهما في إضعاف حزب الوفد كمنافس رئيسي لكليهما.
أحمد حسين روج لمشروع إصلاحي تنموي تحت عنوان "مشروع القرش" وهو بالمناسبة مشروع وهمي لا يستند إلى دراسة اقتصادية، بينما سعى الإخوان إلى السيطرة على التجارة الداخلية بتأسيس شركاتهم الخاصة المخصصة لدعم التنظيم، ولا مانع حتى من مشاركة اليهود أنفسهم!
بمجرد أن قويت شوكة الإخوان واكتسبوا النفوذ، وجهوا ضرباتهم إلى "الديمقراطية"، وطالبوا بإنهاء الحياة الحزبية، ورحيل رموزها من المشهد العام، وأنه لا أمل في مصر دون وجود مشروع إسلامي بعيد كل البعد عن الصراعات السياسية، وكان توابع ذلك أن انقلبوا على حزب مصر الفتاة ووصفوه بـ"المنحل أخلاقيًا"، واستخدموا خطابًا دينيًا لتحريض الجماهير ضد الاشتراكيين، واتهامهم بالإلحاد!.. وفي النهاية، تحول أحمد حسين - أحد أبرز حلفاء المرحلة - إلى أحد أبرز منتقدى الإخوان، ووصفهم بـ"الانتهازيين الدينيين" ، الذين يستغلون الفكرة الدينية فى الوصول إلى أهدافهم السياسية المشبوهة!
ظل تحالف الإخوان والاشتراكيين تحت زعم "الديمقراطية"، نموذجاً فى "الانقلاب السياسى" والتعاون الرخيص .. الذى سرعان ما ينتهى !
Sherifaref2020@Gmail.com
Trending Plus