مندوب العراق بالجامعة العربية لـ"اليوم السابع".. بغداد تعود لقلب المشهد العربى.. التنمية بوابتنا للمستقبل وسبيل الخلاص للمنطقة.. شراكتنا مع مصر نموذج يُحتذى به فى العلاقات.. والعاصمة الإدارية خطوة نحو المستقبل


في لحظة تاريخية فارقة، تستضيف العاصمة العراقية بغداد قمتين متزامنتين؛ القمة العربية في دورتها العادية، والقمة التنموية العربية الخامسة.. لحظة تتجاوز في دلالاتها الشكل الرسمي للحدث، لتكون شهادة حية على عودة العراق إلى المشهد العربي كلاعب أساسي في صياغة مستقبل الإقليم.
في هذا السياق، أجرى "اليوم السابع" حوارًا مع الدكتور قحطان طه خلف، مندوب العراق الدائم لدى جامعة الدول العربية وسفيرها في القاهرة، الذي تحدث بإسهاب عن الاستعدادات السياسية والتنموية، وتوجهات الحكومة العراقية، والعلاقات المتنامية مع القاهرة، إلى جانب رؤيته لواقع العمل العربي المشترك وآفاقه في ظل تحديات غير مسبوقة.
بداية، ما الذي تمثله استضافة بغداد لقمتين عربيتين في وقت واحد؟
استضافة بغداد للقمتين في وقت واحد، وفي هذه المرحلة الحساسة من التاريخ العربي، هو أمر له رمزية كبيرة. نحن لا نتحدث فقط عن حدث بروتوكولي، بل عن رسائل سياسية وتنموية واضحة. العراق اليوم ليس كما كان بالأمس، لقد تجاوزنا الكثير من التحديات التي أنهكت الدولة لعقود، والفضل في ذلك يعود إلى الرؤية الواضحة التي تتبناها الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، والتي ترتكز على التنمية وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
القمة السياسية تضع العراق في قلب القرار العربي مجددًا، بينما تعكس القمة التنموية رؤية حديثة لمسار جديد تتقاطع فيه المصالح السياسية مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. وهذا الجمع بين القمتين يُجسد العراق كمنصة حقيقية للحوار والتكامل.
ما دلالات انعقاد القمة العربية في ظل تصعيد غير مسبوق في المنطقة؟
القمة العربية المقبلة تُعقد في ظروف استثنائية للغاية. هناك اعتداءات متواصلة من الكيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، خصوصًا في غزة، إلى جانب الانتهاكات في الضفة الغربية، والعدوان الذي طال الأراضي السورية واللبنانية. كل ذلك يحدث في ظل صمت دولي مريب، وتخاذل واضح في تطبيق القرارات الأممية.
هذه الأوضاع جعلت من القمة العادية قمة استثنائية بالفعل، لأن الشعوب العربية تنتظر موقفًا موحدًا، وقرارات حاسمة، تتجاوز البيانات الإنشائية. العراق يرى أن هذه مسؤولية تاريخية، لذلك نحن نعمل بجد لضمان أن تكون مخرجات القمة على مستوى الحدث والدم العربي المسفوك.
ماذا عن أجندة القمة؟ وهل من مؤشرات حول القرارات المتوقعة؟
العمل جارٍ الآن على بلورة حزمة من مشروعات القرارات، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ثم الملفات الساخنة في ليبيا، السودان، واليمن. نحن نؤمن أن هذه القضايا مترابطة، ولا يمكن التعامل معها بشكل جزئي، بل ضمن رؤية شاملة تعزز التضامن العربي.
العراق سيقدم في القمة طرحًا يرتكز على شراكة سياسية وتنموية وأمنية، تأخذ في الاعتبار المصالح العليا للأمة، وترسخ مبدأ السيادة، وتدفع باتجاه استقلال القرار العربي بعيدًا عن الهيمنة أو الإملاءات الخارجية.
لننتقل إلى القمة التنموية، كيف تراها في ضوء واقع الاقتصاد العربي؟
القمة التنموية تمثل أداة فاعلة لصياغة مستقبل اقتصادي عربي مختلف. التنمية في هذه المرحلة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة وجودية. التجربة العراقية نفسها تعكس ذلك، فبعد سنوات من الحروب والعقوبات والإرهاب، لم نجد طريقًا للنهوض سوى من خلال التنمية الشاملة.
الحكومة العراقية تستثمر في البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والطاقة، والتكنولوجيا. والأهم من ذلك أنها تعمل على خلق بيئة أعمال جاذبة، قائمة على الشفافية والكفاءة. نحن نرى أن الاقتصاد هو المدخل لتجاوز الخلافات السياسية، وبناء الشراكات المستدامة.
هل هناك مشاركة عراقية فاعلة في صياغة مشاريع قرارات القمة التنموية؟
نعم، العراق قدّم بالفعل عددًا من مشروعات القرارات خلال الاجتماعات التحضيرية، تركز على تعزيز التكامل الاقتصادي العربي، وتحقيق الأمن الغذائي، ودعم التحول الرقمي، إلى جانب مقترحات بشأن الربط الكهربائي والنقل والطاقة المتجددة. هذه كلها ملفات ذات أولوية عالية لدينا، ونؤمن أنها إذا ما نُفذت ستؤدي إلى وحدة حقيقية تتجاوز الشعارات.
ما تقييمكم لمستوى التعاون الاقتصادي بين العراق ومصر؟
العلاقات بين بغداد والقاهرة تشهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وهي نموذج لما يجب أن تكون عليه العلاقات العربية. الشركات المصرية، سواء الحكومية أو الخاصة، تلعب دورًا مهمًا في إعادة إعمار العراق. طريق المطار الجديد، الذي يربط مطار بغداد الدولي بالعاصمة، تم تنفيذه بأيادٍ مصرية. وهذا المشروع ليس مجرد طريق، بل واجهة حضارية جديدة للبلاد.
هناك أيضًا مشاريع سكنية، ومدينة “الورد” التي افتتحها السيد رئيس الوزراء قبل أيام، وهي مستوحاة من تجربة المدن الجديدة في مصر. نعمل الآن على مشروع ضخم يتمثل في بناء عاصمة إدارية جديدة، وقد تم الاتفاق مع شركات مصرية رائدة لتولي مسؤولية التنفيذ. هذا المشروع وحده كفيل بتغيير وجه الدولة العراقية إداريًا وتنظيميًا وتنمويًا
إلى أي مدى ترى أن هذه المشروعات المشتركة تمثل رؤية استراتيجية؟
بكل تأكيد. نحن لا نبحث عن صفقات وقتية، بل عن رؤية استراتيجية طويلة المدى. هناك توافق حقيقي بين مصر والعراق في ملف التنمية، يقوم على فكرة التكامل لا التنافس. فمصر تمتلك الخبرة، والعراق يمتلك الفرص والإمكانات. وهذا التعاون يمكن أن يكون نواة لتكتل اقتصادي عربي حقيقي، إذا ما انضمت إليه باقي الدول العربية
في الختام، ما الرسالة التي تودون توجيهها للعالم العربي من قلب بغداد؟
الرسالة واضحة: بغداد تعود.. لا كعاصمة عراقية فحسب، بل كقلب نابض للعالم العربي. العراق لم يسقط، بل نهض من تحت الرماد، واليوم يمد يده لأشقائه، داعيًا إلى شراكة تقوم على المصالح المشتركة، والسيادة، والتنمية، والكرامة. آن الأوان أن نوحّد الصفوف، ونتجاوز الصراعات الصغيرة لنواجه التحديات الكبرى معًا.
Trending Plus