مأساة العمال الفلسطينيين على مائدة مؤتمر العمل الدولى فى جنيف.. 83% تراجعا فى الناتج المحلى لـ غزة.. و155 ألف عامل فقدوا وظائفهم.. وخسائر اقتصادية تقدر بـ53 مليار دولار والأسعار الاستهلاكية ترتفع 53.7%

◄ لأول مرة... فلسطين تستعد للمشاركة بالمؤتمر بوفد ثلاثي بعد اعتمادها عضوا مراقبًا

◄ تقرير صادم لمنظمة العمل الدولية يكشف مأساة العمالة الفلسطينية وانهيار سوق العمل تحت وطأة الاحتلال والحرب

◄ رواتب منخفضة بنسبة 70% وتدمير 80% من المرافق الحيوية وانهيار القطاع الصحي

◄ المنظمة تشير إلى الخطة المصرية لإعادة الإعمار.. وتكشف: توفر 200 ألف فرصة عمل جديدة

كشف تقرير منظمة العمل الدولية السنوي، الذي سيُطرح خلال الدورة 113 من مؤتمر العمل الدولي المزمع عقده في جنيف (2-13 يونيو 2025)، عن وضع كارثي غير مسبوق لسوق العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل، موثقا للمرة الأولى الأرقام النهائية للخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الحرب التى اندلعت في أكتوبر 2023.

أبرز التقرير المأساة الإنسانية التي يعيشها العمال الفلسطينيون، حيث أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني حتى نهاية مارس 2025، بينهم آلاف من العمال، مع نزوح قسري لنحو 1.9 مليون شخص يمثلون 90% من سكان غزة، معظمهم نزحوا أكثر من مرة.

وتعرض العاملون في القطاعات الحيوية لاستهداف مباشر، إذ وثّق التقرير مقتل 1000 عامل في القطاع الصحي وأكثر من 200 صحفي، فيما خرجت نحو 280 مؤسسة تابعة للأمم المتحدة عن الخدمة.

ورصد التقرير انهياراً غير مسبوق في الاقتصاد الفلسطيني، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي في غزة انخفاضاً بنسبة 83% مقارنة بعام 2022، لتتقلص مساهمة القطاع في الاقتصاد الفلسطيني إلى 3% فقط، فيما انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 17%..

وكان قطاع البناء الأكثر تضرراً في غزة بانكماش هائل بلغ 98%، مع تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة 27.8% ليصل إلى 2087 دولاراً فقط، وارتفاع مؤشر الأسعار الاستهلاكية بنسبة 53.7% عام 2024 نتيجة ندرة السلع، مقابل تراجع عدد الشاحنات المحملة الداخلة إلى غزة بنسبة 67% مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب.

أوضح التقرير أن نحو 155 ألف عامل فلسطيني في الضفة الغربية فقدوا وظائفهم، من بينهم 140 ألفاً كانوا يعملون داخل إسرائيل والمستوطنات، مع تسجيل خسارة سنوية في الأجور بلغت 3 مليارات دولار للعمال الفلسطينيين.
وأشار التقرير إلى أن القيود الإسرائيلية على الحركة والعمل أسفرت عن انتهاكات جسيمة لحقوق العمال، بما في ذلك العمل دون تصاريح، وغياب الحماية من إصابات العمل، والتمييز في الأجور داخل إسرائيل والمستوطنات.

ووثق التقرير معاناة آلاف العمال الفلسطينيين الذين يضطرون للمخاطرة بحياتهم لعبور الجدار الفاصل دون تصاريح بحثاً عن لقمة العيش، وقدر التقرير الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب بأكثر من 53 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وذلك خلال أول 10 سنوات من الإعمار.

وكشف التقرير أن الإيرادات الضريبية للسلطة الفلسطينية تراجعت بنسبة 19%، وأن إسرائيل اقتطعت 3 مليارات شيكل من إيرادات التخليص الجمركي، مما اضطر السلطة الفلسطينية إلى تقليص رواتب موظفي القطاع العام بنسبة تتراوح بين 60% و70%..

أفرد التقرير فصلاً خاصاً لمعاناة العمال السوريين في الجولان المحتل، حيث يواجهون تهميشاً اقتصادياً شديداً، وغياباً لخدمات الحماية الاجتماعية والصحية، وانعداماً لفرص التدريب والتوظيف الرسمي، مع غياب الفرص المتكافئة في سوق العمل، وسط سياسات الاحتلال التي تهدف إلى طمس الهوية السورية للمنطقة.
وأكد التقرير أن السلطة الفلسطينية والقادة الإقليميين والدوليين رفضوا رفضاً قاطعاً مقترحات إعادة توطين الفلسطينيين من غزة في بلدان ثالثة، مشدداً على أن مبادرة السلام العربية لعام 2002، وفي جوهرها حل الدولتين، لا تزال تمثل الأساس للسعي نحو حل سلمي للنزاع.

وأشار التقرير إلى البيان الختامي للقمة العربية غير العادية بشأن قضية فلسطين التي عُقدت في 4 مارس 2025، فى مصر، والذي رفض أي شكل من أشكال تهجير الفلسطينيين من أرضهم، تماشياً مع إعلان البحرين الصادر في 21 مايو 2024، مؤكداً أن غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية.
واستعرض التقرير بالتفصيل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية، والتي تقدم مقترحاً لإعادة البناء على مرحلتين خلال فترة خمس سنوات ونصف، مع توقعات باستحداث أكثر من 200 ألف وظيفة في قطاع البناء وإعادة الإعمار.

ووفقاً للتقرير، تنص الخطة على تشكيل لجنة إدارة لغزة مؤلفة من التكنوقراط لتتولى الحكم خلال الأشهر الستة الأولى، على أن تنتقل السلطة بعدها إلى السلطة الفلسطينية. كما تدعو الخطة، التي حظيت بإقرار الأمين العام للأمم المتحدة، إلى وجود دولي لحفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة.توصيات منظمة العمل الدولية: صندوق دولي للتشغيل والإعمار.

دعت منظمة العمل الدولية إلى إنشاء صندوق دولي لدعم التشغيل، وتفعيل برامج التعليم المهني، ودمج الاقتصاد الفلسطيني في الأسواق الإقليمية، مع التأكيد على ضرورة: إعادة تفعيل سوق العمل عبر برامج تشغيل طارئة، وتمكين النقابات وتعزيز الحوار الاجتماعى، ودعم ريادة الأعمال الصغيرة، خاصة بين النساء والشباب، ودمج حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية فى سياسات التشغيل بعد الحرب.

أكد التقرير فى خلاصته أن أى محاولة لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني يجب أن تبدأ بحل سياسي مستدام، قائم على حل الدولتين، وضمان حقوق الفلسطينيين العمالية والاجتماعية والاقتصادية، مشدداً على أن الاحتلال وسياسات الحصار تظل المعيق الأكبر أمام أي خطة تنموية قابلة للتحقق.

ومن المنتظر أن يثير هذا التقرير جدلاً واسعاً خلال جلسات المؤتمر، حيث سيناقش ممثلو الحكومات والعمال وأصحاب العمل من مختلف أنحاء العالم هذه النتائج الكارثية، وسبل الاستجابة لها بشكل عاجل وفعال.

يأتى ذلك بعد اعتماد مجلس إدارة منظمة العمل الدولية القرار رقم 352، نوفمبر 2024، والذي يقضي بانتقال صفة فلسطين داخل المنظمة من "حركة تحرر وطني" إلى "دولة مراقبة". ويمثل هذا القرار اعترافًا جديدًا بالمكانة القانونية والسياسية لفلسطين ضمن المنظمات الدولية.

جاء هذا القرار خلال اجتماع المجلس المخصص لفلسطين – مجموعة العمال، بمشاركة شاهر سعد، الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين ورئيس الاتحاد العربي للنقابات، إلى جانب ممثلين عن الاتحادات النقابية العربية والدولية، وأكد شاهر سعد أن القرار سيتم اعتماده رسميا خلال مؤتمر العمل الدولي في يونيو 2025، ما يتيح لفلسطين المشاركة الكاملة في كافة هياكل منظمة العمل الدولية، تمهيدا للوصول إلى العضوية المشاركة مستقبلا.

كما أوضح أن عام 2025 سيشهد مشاركة فلسطين لأول مرة بوفد ثلاثي رسمي يمثل الحكومة، والعمال، وأرباب العمل، على غرار ما هو معمول به في الدول الأعضاء، ما يعزز من قدرة فلسطين على الدفاع عن حقوق عمالها وتمثيلهم في المحافل الدولية.
وقد حظي القرار بترحيب واسع وتصفيق حار من غالبية الدول الأعضاء، فيما اعترضت عليه فقط دولة الاحتلال الإسرائيلي.