معادلات داعش والقاعدة فى تحولات الكم والكيف بخرائط الإقليم

التحولات فى السياسة الإقليمية والدولية، لا تحدث فجأة، تراكم للتغييرات الكمية الصغيرة ينتج تحولا كيفيا، يبدو مفاجئا لكنه أقرب لتأثير نقاط ماء دقيقة تنساب ببطء على صخرة تنهار فجأة، والغليان ينتج من تراكم الحرارة بالتسخين، وحدث قبل سنوات تظهر نتائجه الآن.
طبيعة السياسة، أن تتغير العلاقات والمواقف تبعا للمصالح، وانقلابات تحول العداء والصراع إلى تحالف، هناك دائما سيناريوهات لإعادة تقسيم أو إخلاء أراض لمد خطوط الغاز، أو استقبال لاجئين من هنا أو هناك، للالتفاف على رفض مخططات التهجير، السيناريو يشارك فيه الرئيس السورى الذى رصدت الولايات المتحدة قبل 10 سنوات مكافأة 10 ملايين دولار للقبض على أبومحمد الجولانى وهو قائد تنظيم النصرة.
«الشرع» صعد للرئاسة بعد تغيير معادلة، والإطاحة بالأسد الذى عجز عن قراءة الواقع، فسقط بالتراكم الكمى، لتبدأ سوريا جزءا من إعادة رسم خرائط المنطقة، ويستقبل الاقتصاد الأمريكى آلاف المليارات، ويبرم اتفاقات مع الصين تغلق حرب الرسوم، فى هدنة مؤقتة، وفى انتظار تدخل الرئيس الأمريكى ليرد جزءا من مقابل ما حصل عليه الاقتصاد الأمريكى.
المشهد بالمنطقة نتاج سنوات من التفاعل، بدت فيه بعض التيارات والتنظيمات ضمن سياق التغيير، بينما كانت أطرافا فى حروب بالوكالة، وتمهيد لما يجرى الآن على المسرح، تغييرات فى مصائر التنظيمات والجماعات التى نشأت على ضفاف الفوضى، منذ ما بعد الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003.
كانت بذرة داعش بعد سقوط بغداد، وقرار الحاكم الأمريكى للعراق بول بريمر بحل الجيش العراقى، التقى عسكريون محترفون مع تنظيم القاعدة، صعد أبومصعب الزرقاوى، الأردنى القادم من أفغانستان، حتى قتل عام 2006، لتبدأ مرحلة إعادة بناء تنظيم داعش، بقيادة أبوبكر البغدادى، وهو ضابط عراقى سابق دخل سجون الاحتلال الأمريكى وهرب فى عملية مرتبة مع ضباط سابقين، لتبدأ مرحلة إعادة بناء ما أطلق عليه الصحفى الألمانى كريستوفر رويتر «أكبر تنظيم استخباراتى فى العصر الحديث»، وفى كتابه «السلطة السوداء» اعتمد على وثائق نشرتها ديرشبيجل الألمانية عثر عليها فى منزل سمير عبد محمد الخليفاوى وشهرته «حجى بكر» ضابط عراقى سابق ينسب له التخطيط لإنشاء داعش، سافر من العراق إلى شمال سوريا فى حماية حلف الناتو، وبعد مقتله بمنزله عام 2014، عثر على وثائق خطط داعش وهدف انتزاع جزء من العراق وسوريا لإعلان دولة منفصلة، وهو ما تم 2012، حتى إعلان قيام الدولة الإسلامية، بقيادة أبوبكر البغدادى الذى ظهر يخطب فى جامع النورى الكبير بمدينة الموصل وأعلنها عاصمة للخلافة، وبايعته تنظيمات صغيرة، وكانت هذه أول وآخر مرة يظهر فيها.
ظهرت علاقات داعش بشركات ومؤسسات مالية أوروبية وأمريكية، الأمر الذى مثل تطورا جديدا فى موقف التنظيمات التى لم تكن بعيدة عن المؤسسات والأنظمة الإقليمية، بعد حملة دعائية حول التغيير فى سوريا، كانت نقطة انطلاق لحرب أهلية بدأت بما سمى «الجيش السورى الحر»، الذى اختفى ليفسح المجال لداعش والقاعدة، التى حصلت على ممرات وتمويلات من دول إقليمية، وجندت مقاتلين من دول عربية وأوروبية، وصعد حتى 2017، حيث بدأت تلاحقه الهزائم، بل إن الجولانى دخل فى صراع مع البغدادى، ما بعد إعلان داعش.
وبدأ داعش فى التقلص، لتبدأ عملية «إعادة تدوير الإرهاب فى المنطقة وإخفاء الأدلة»، مع عودة الحديث عن حل سياسى، فى وجود الأسد، وسارعت تنظيمات مثل النصرة بتغيير اسمها الى «أحرار الشام» ومعها تنظيمات غيرت الأسماء وظهرت علنا، بهدف الدخول ضمن أى تسويات سياسية، ترامنا مع إعادة توزيع وتسكين أعضاء داعش غير المعروفين وتصفية واختفاء للقيادات البارزة والمعروفة، ونقل بعضهم إلى ليبيا أو إلى دول أفريقية.
من أبريل 2003، لم تتوقف التفاعلات التى تظهر فى مشاهد لقاءات وتحالفات، فى الشكل والمضمون، هى فى الواقع التعبير الكيفى عن تراكمات وتفاعلات كمية على مدى عقود أوصلته إلى نقطة الغليان، وتفتيت الصخرة تحت إلحاح قطرات الماء.
بالطبع فإن الاعتراف بالسلطة فى سوريا، والشرع، وإسقاط العقوبات وتحرير الأرصدة، كلها جزء من اتفاقات، قد تصل إلى خطوط مخططات التهجير، أو الاستيعاب، لكن هذا أيضا يعتمد على نتيجة تفاعلات قد تسير فى خطوط مستقيمة أو متعرجة، حيث يصبح الماضى الغامض قابلا لإعادة الإخراج والمونتاج، فى مشهد جديد، وهو ما يمكن توقعه مع كل عمل أو حدث، مثل 7 أكتوبر2023، أو 2 أغسطس 1990، والتى تتفاعل لتنتج صورا ومشاهد وصفقات، بعيدا عن نقاط الانطلاق.

مقال أكرم القصاص
داعش
القاعدة
أبومحمد الجولانى
الشرع
سوريا
بشار الأسد
ترامب
مخططات التهجير
الصين
حرب الرسوم الجمركية
حروب بالوكالة
الغزو الأمريكى للعراق
بول بريمر
أبومصعب الزرقاوى
أبوبكر البغدادى
كريستوفر رويتر
ديرشبيجل
سمير عبد محمد الخليفاوى
حجى بكر
حلف الناتو
الجيش السورى الحر
تنظيم النصرة
أحرار الشام
التنظيمات الإرهابية
Trending Plus