إصدارات هيئة الكتاب فى 2025.. التاريخ والرموز نوافذ ثقافية فى معركة الوعى

في عام يشتد فيه غبار المحتوى السريع، وتزداد فيه المسافة بين الإنسان والكتاب، تخرج الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، لتلعب دورًا يتجاوز مجرد النشر؛ بل تسلك طريقًا يشبه المقاومة الهادئة، مقاومة تُراهن على الكلمة، وعلى إعادة الاعتبار لما تم نسيانه عمدًا أو سهوًا.
فعلى مدار الشهور الأولى من عام 2025، بدا وكأن الهيئة تخوض معركتها الخاصة ضد التبسيط المُخل والتفاهة المُقنّعة في عصر الصورة، عبر مشروع ثقافي متكامل تتقاطع فيه الإصدارات لا ككتب مفردة، بل كأصوات متعددة ضمن جوقة معرفية تحاول أن تُعيد بناء الوعي لا ترميمه.
التاريخ كنافذة لفهم الحاضر
تضمنت الإصدارات التاريخية هذا العام ما يمكن وصفه بعملية “تنقيب استراتيجي” في الذاكرة، فليس الغرض مجرد تأريخ للماضي، بل استحضار أدوات لفهم اللحظة الراهنة. من “تاريخ بلاد ما وراء النهر في زمن المغول” للدكتور إبراهيم الشرقاوي، إلى “الإمبراطورية البريطانية” لفطين فريد، تتجلى الرغبة في تفكيك البُنى الكبرى التي صنعت عالم اليوم، وكأن الهيئة تسأل القارئ: هل نعي حقًا خرائط القوى والتاريخ التي نعيش في ظلالها؟
وفي “قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود” للواء محمد الغباري، يتضح كيف يمكن لمقاربة دينية – سياسية أن تتحول إلى بوصلة لفهم صراع طويل لم يعد ممكنًا قراءته بأدوات سطحية.
الأدب كمرآة للذات والآخر
على الضفة الجمالية، بدا أن الهيئة لا تتعامل مع الأدب كترف أو فن خالص، بل كمجال للتفكير المتعدد، والاختبار الشعوري العميق. الأعمال الصادرة مثل “عرافة هافانا” لغدير أبو سنينة و”شمشون وتفاحة” لأمير تاج السر لا تنقل حكايات مجردة، بل تقترح عوالم موازية تفتح نوافذ على قضايا الهوية والحب والذاكرة من زوايا غير معتادة.
أما “النساء لن يدخلن الجحيم” لسليمان العطار، فليس مجرد عنوان صادم، بل نص ينتمي لتقاليد الأدب الفلسفي الذي ينحاز للحياة ضد كل أشكال القمع والسلطة.
ويكمل الكاتب نفسه هذا التوجه في كتابه “الخيال عند ابن عربي”، حيث يعيد طرح الأسئلة الكبرى عن الخلق والمعنى والوجود، داخل قلب المشروع الصوفي.
الشخصيات الثقافية.. إعادة تشكيل الرموز
مهمّة الهيئة هذا العام لم تتوقف عند الحقول المعرفية فقط، بل امتدت إلى إعادة الاعتبار لرموز كان من الممكن أن تسقط في بئر النسيان لولا هذا الجهد الثقافي الواع. من حافظ إبراهيم إلى أحمد مستجير، ومن رائدات مجهولات إلى نصوص مهملة كـ”صوت أبي العلاء” لطه حسين، بدا واضحًا أن هناك محاولة لإعادة ترميم الجدار الداخلي لذاكرة الأمة عبر السيرة والسياق، لا عبر الحنين فقط.
التنوع كاستراتيجية وعي
اللافت في كل ما قدمته الهيئة هو هذا التنوع الجغرافي والزمني والفكري، من آسيا الوسطى إلى أمريكا اللاتينية، من العصر البطلمي إلى الحرب الأوكرانية، من الأدب الفارسي إلى المذكرات الشخصية لنجوى غراب، وكأن المشروع في جوهره لا يعترف بحدود المعرفة أو الانغلاق الجغرافي، بل يتعامل مع الثقافة كجسر بين الأزمنة والمجتمعات، وكأداة لرسم خريطة بديلة للعالم.
Trending Plus