العقل.. قصيدة محمد كمال في ملتقى بيت الشعر العربي للنص الجديد

يطلق اليوم  بيت الشعر العربى، بإدارة الشاعر سامح محجوب، وعلى مدار يومين ( 17 و18 مايو) ملتقى بيت الشعر العربى الأول.. للنص الجديد)، ويدعو فيه 50 شاعرًا، تحت سن الأربعين من جميع ربوع مصر، وذلك للمشاركة فى الملتقى، ويقوم "اليوم السابع" بنشر قصائد الشعراء تباعًا..

  

العقل  لـ محمد كمال

كنارٍ تلهث دخانها
تحكي كي تسمع الماضي حاضراً
حتى تعيد إخراج النص
فتجلس أمام طبيبك في المرآة
كي تجدد حلة الإنسان
فهناك في الخارج من ينتظر اللقاء .

- قد تلقى العقل القديم
ينبت على حساء النغمات
يمتصه ويجتر الموسيقى.

كان التكوين
وكنت أنا نقيضه ونده
أنا أحبه
أنا ظله الذى يلقي عليه كل مخاوفه
أنا المتمم.

بخسارة العالم أقف عاري الصدر في القيامة؛
كل من لا يستحق الرحمة/ كلَّ الخلق ،
سأفقد نفسي لاكتمال ألوهة الشر

عظيمة تلك المحاكاة !
يصنع العوالم ليصطفي منها آلهة
حتى جئت أنا الكمال
أتصفح الزمن 
استنطق الذرات
فتشي بأسرار الخلائق
أنا القاهر فوق عباده

كان حريًا به أن يمنحني عالمًا
لا ليستوي الفخار فوق النار المقدسة 
ولكن .......
كان اليوم والغد
سيصير إلهًا للتجرِبة 
ذلك الأجوف يحمل حبر الآلهة .

أيها العقل العظيم
قد رميت بسرك على قارعة الطريق
سأستنطق كومة الفخار
سأقتنص سرك
وما أنت أيها الصلصال؟! 
ومن هؤلاء ؟!

- نحن الخيال في حِلم آدم
تراه جالساً
كبوذا في ظِل الجميزة القديمة
مبتسماً كعالم محتمل .

أن اسكن في رأسه إنك من المنظرين
علك تحتل تلافيف دماغه
فأكون من المخطئين .

قد ترى العقل جهرة
فتدعوه لفنجان شعر
أو كوب من رحيق
لتسأله عن الغفوة التي أخذتك في عامك السابع .

قد ترى الله جهرة
فتحترق الكافورة أمام النهر
فيسألك عما بيسارك يا لوركا
وتسأله عن ولعك بالندوب على جسدك .

قد ترى القلب
فتسأله عن الغرق في جُبِّ السحر ويقين الأسطورة
فيسألك عن جدوى العالم بلا سحر
وجدوى الأمومة بلا أسطورة.

قال : لا يعيش الرجل حتى يقتل أباه
قالت : لا يولد الإله حتى يقتل أمه
كأن تقطع غصناً من الحياة لتزرعه في العدم
فينبت روحاً

لا حدود اليوم
لا موت ينتظر الطين
ولا جديد .

- لتَصِرْ أكواناً الآن
لتكن الكتابة للأبد
أنا أعزف الفوضى في حبكات لانهائية
أنا وحيد .

كانت الغواية والخوف
كنت كطفل يهرب من النوم
كأن الليلة آخر وقتٍ للعب
كنت أحلم كل يوم بالغرق
فما أحلى الصحو بلا وسن .

كانت قشة الغريق ؛
أن اقتل أمك في مهد خصبها
أرسلها إلى النوم وابق للأبد تحرس روحها

تلك الهواجس بلا رحمة
فقتلتني وقتلت أمي 
أنا وحيد .

لتكن الكتابةُ للأبد
سأصنع خاتماً على ظهر كل نصٍ
أنا الكاتب يا عباد.

سأرسل الدراويش لينشدوا اسمي
لأسمع الأمل في قلب الحروف
فاستأنس ولا أجيب
أنا وحيد.

هل جربت أن تكون الشاعر الشرير؟
ترمق العالم بعينين من زجاج،
ترانا على طاولة المشرحة ،
تفكك أرواحنا ،
تعلق أحشاءنا بدبابيس لتطالعها آلهة محدثة ،
تلتهم أمخاخنا ،
تعتق دماءنا ،
تحكي قصصنا على مائدة العشاء في الأمسيات الممطرة،

لن أنتقم من عنق حديث لم يُلو مداهنة للألوهة،
من أجل اصطياد معنى في شَرك النص .

أشاهد الفخ والفريسة
أنظم الأحرف مبعثرة كي لا يتضح أنها طعم
أنتحل القليل من الموسيقى
هل كانت الموسيقى تسبق التكوين ؟!

أنا الصياد القديم؛
في البدء كانت الفوضى
كان الإيقاع ذائباً في الغيب
انتثرت الذرات راقصة

تلك المجرات
الذرات
الشهب
النيازك
الصمت
الضجيج
كانت لحناً في أوقات الفراغ
تنشده الملاحم الكبرى على جناح البعوض
لأتجلى عليكم
أدنو منكم
فتتدلى الحياة عنكم
ويصعد إلي الآلهة .

أنا محتجب عن مرامي النبيين
أتجلى فقط للآلهة
لألقي قولاً عظيم الثقل شديد الوطأة:
أن النجم هوى
وانشق القمر
ما انسرب فؤاد الفتى وما زاغ البصر
ما هي إلا استدارة الزمن
لا أول
لا آخر
لا قبل
لا بعد

حلقات وسلاسل
عود على بدء
أوراق تاروت
لوح محفوظ
إفراد في إفراد
تجلٍ وحلول
مُقام ؟!
لا مُقام شيء .

لا قطبَ
فأنا الغوث
أنا أول قطرة على حافة الطوفان
أنا أول نسمة على مشارف الإعصار
أذيب مجرتين في كأسى 
لأسمع لحن البعوض الملحمي
لعمري لأنت خليق بالألوهة أيها الفاني،
كم أسبغت عليك من خلع البهاء !
ومن أحسن مني صبغة ؟
لكني أحب حديث الكهانة
واصطياد الفكاهة من دم الصغار
أنظروا كم أنا رقيق القتل ؟!
كم أنا لطيف السفح ؟!
كم كان مشبعاً جراب سيفي برحيق الفلسفة ؟!
كم كنت غائياً قصدياً في عبثي ؟!

أنا لا أحب تلك الألعاب
التي تسهل الوصول للجزرة ،
ولا تلك العصا

لا وقت
تلك الدوائر تقطع بعضها.

أنا أحب تلك المصادفات
التي أحبِكُ صنعتها
تنبت منها ملاحمكم ؛
من أغاني المهد على ساحل النهر
من تراتيل المعابد
لتوبيخ الأبناء
واصطراعكم قبيل البلوغ 
من الآنية الفارغة في بيوت الضعفاء
من تخمة صاحب الشرطة
ومن تسكع أبنائي على الأرصفة
باحثين عن سند ميلاد
وهزيمة الفتيات في الحفاظ على آخر
ما تبقى لهن من أنثى العنكبوت
أنا زرعت تلك الشفرة ورويتها بدمي
لتعيدوا صناعتي ...

محمد كمال

محمد كمال

شاعر وكاتب مصري وطبيب وجرّاح بيطري، له نصوص ومقالات منشورة في عدة جرائد مصرية ومواقع إليكترونية وصدر لي ديوان بعنوان ( حِبْرُ الآلهة ) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في سلسلة إبداعات وهو عبارة عن نصوص نثرية (قصيدة نثر فصحى) تتناول  التجربة الفكرية والروحية والشعورية لإنسان مصري معاصر يشتبك مع ميراث شرق المتوسط الحضاري.
عضو مؤسس لنادي أدب ٦ أكتوبر بمشاركة لفيف من أهم الشعراء الشباب، وشارك  في تأسيس صالون فلسفة مع الشاعر د.يونان سعد، وشارك  أيضاً في فعاليات ثقافية وشعرية متعددة من أهمها أماسي بيت الشعر العربي (بيت الست وسيلة).