قمة بغداد.. لمّ الشمل العربى برعاية عراقية

تحتضن العاصمة العراقية بغداد اليوم السبت 17 مايو، حدثا استثنائيا فى تاريخها الحديث، حيث تنعقد ثلاث قمم عربية بالتوازى، وسط حضور رفيع المستوى من القادة والزعماء العرب، وتطلعات كبيرة من الشارع العربى بأن تكون هذه القمم بداية حقيقية لاستعادة وحدة الصف العربى، وإطلاق مسار جديد من التعاون فى مواجهة أزمات تزداد تعقيدا وتشابكا. القمة العربية الرابعة والثلاثون، القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الخامسة، وقمة آلية التعاون الثلاثى بين العراق ومصر والأردن، تلتقى جميعا فى لحظة فارقة تؤكد أن بغداد عادت لتكون عاصمة للحوار العربى، لا ساحة للخلاف.

الرئيس السيسى والملك عبدالله ومحمد شياع السوداني

عودة عراقية.. وتطلعات عربية

العراق، الذى بذل جهدا كبيرا خلال الأشهر الماضية من أجل إنجاح هذه القمم، ينظر إلى استضافته لهذا الحدث بوصفها نقطة تحوّل فى علاقاته الإقليمية ودوره العربى، وقد شكّل رئيس الوزراء محمد شياع السودانى، لجنة عليا حملت اسم «لجنة لمّ الشمل»، فى تعبير رمزى عن الطموح العراقى إلى استعادة التضامن العربى وترسيخ ثقافة الحوار والتفاهم بين العواصم العربية، فيما أوضح وزير الخارجية العراقى، فؤاد حسين فى مؤتمر صحفى أن القمة تعبّر عن رغبة صادقة فى لمّ الشمل العربى، وبناء مستقبل يليق بتطلعات الشعوب، مشيرا إلى أن الحضور الرفيع للقادة رغم الظروف المعقدة رسالة على الحرص المشترك لإعادة الاعتبار لصوت عربى موحّد فى مواجهة التحديات.

لكن هذه القمة ليست فقط سياسية، بل اقتصادية بامتياز، فإلى جانب الملفات السياسية، تركز بغداد على تحقيق قدر أكبر من التكامل الاقتصادى، فى ضوء ما تواجهه الدول العربية من أزمات اقتصادية خانقة نتيجة للحروب، وانعدام الاستقرار، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور القطاعات الإنتاجية فى عدد من البلدان، ومن هنا تأتى أهمية القمة التنموية الخامسة، التى تناقش مشروعات فى مجالات الطاقة والنقل والتعليم والتحول الرقمى، وسط آمال بأن تخرج القمة بقرارات ملموسة تنعكس إيجابا على أوضاع الشعوب، ولا تظل حبيسة البيان الختامى،

وزراء خارجية العرب

وفى السياق ذاته، تستضيف بغداد القمة السادسة لآلية التعاون الثلاثى بين العراق ومصر والأردن، وهى تجربة واعدة فى العمل العربى المشترك، تسعى إلى تحويل التعاون من الشعارات إلى مشروعات حقيقية، مثل الربط الكهربائى، وخطوط الطاقة، وتسهيل التجارة والاستثمار، وتوحيد المواقف تجاه قضايا المنطقة، هذه القمة الثلاثية تأتى تأكيدا على أن العراق لا يسعى فقط إلى لمّ الشمل، بل إلى بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد.

إسبانيا.. ضيف استثنائى لدعم القضية الفلسطينية

اللافت هذا العام هو الحضور المميز لإسبانيا كضيف شرف، وهى دعوة ذات دلالة سياسية عميقة من جانب العراق، فإسبانيا، ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على غزة فى أكتوبر الماضى، أبدت موقفا مشرّفا وواضحا فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، ورفض جرائم الاحتلال، حيث كانت من أولى الدول الأوروبية التى وصفت ما يجرى فى غزة بأنه مجازر ضد المدنيين، ولم تكتف الحكومة الإسبانية بالمواقف الدبلوماسية، بل أقدمت على خطوات عملية على مستوى العلاقات الدولية، ودعت إلى محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، كما دعمت المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، حضور إسبانيا كضيف شرف فى هذه القمة، ليس فقط تكريما لموقفها الأخلاقى، بل رسالة إلى العالم بأن هناك من لا يزال يقف إلى جانب القيم الإنسانية، وأن العراق حريص على تعزيز شراكاته مع الدول التى تحترم إرادة الشعوب وتسعى إلى العدالة.

القمة العربية

وفى ظل هذا الزخم، تظل الأنظار متجهة إلى ما سيخرج به القادة من مقررات، وما إذا كانت بغداد ستنجح فى تحويل هذه القمم إلى نقطة انطلاق جديدة فى العمل العربى، أم ستكون القرارات دون التطلعات.. فالتحديات هائلة، تبدأ من القضية الفلسطينية المستمرة منذ عقود، مرورا بالحروب الدائرة فى اليمن والسودان، وانتهاء بالأزمات الاقتصادية والبيئية التى تهدد مستقبل الأجيال القادمة. ومع ذلك، تبقى فرصة بغداد قائمة، لا سيما إذا نجحت فى تفعيل الآليات التنفيذية، وإنشاء لجان متابعة حقيقية، وتحويل التوصيات إلى خطوات عملية.

رهان مفتوح على دور القاهرة وتفاؤل بخروج سوريا من «آسر العقوبات»

فى بغداد، وبرغم ما يبدوا من ترقب وقلق من خروج التوصيات والقرارات دون مستوى تطلعات الشعوب العربية، إلا أن دبلوماسيين عرب راهنوا على الحضور المصرى القوى فى كل ملفات الإقليم وبمقدمتها الحرب الدائرة فى غزة، عبر تنسيق مفتوح وممتد بين القاهرة والدوحة، مؤكدين أن الدور المصرى القطرى بإمكانه تحريك المياه الراكدة فى مفاوضات إنهاء الحرب بشكل كامل والبدء فى إعادة الاعمار.

القمة التنموية

وترتفع أسهم التفاؤل ـ ولو بحذر ـ فى أوساط الدبلوماسيين والبعثات التى يستضيفها العراق فيما يخص الملف السورى بعدما أعلنت الولايات المتحدة رفع العقوبات، وسط ترتيبات عربية ـ عربية لإعادة دمج سوريا فى محيطها العربى ودعمها لاجتياز ما تواجهه من تحديات أمنية واقتصادية.

فى بغداد تتردد الأمنيات وتتباين التطلعات، وإلى بغداد تعلق الأنظار والقلوب آملا فى أن يخرج العرب بما يصون العرب، ورجاء فى أن يدون التاريخ سطرا أخيرا فى كتاب الحروب ويفتح فصلا جديدا عناوينه السلام والرخاء، ومتونه العمران والبناء، وهوامشه تذخر بكل ملامح العمل العربى المشترك، لتكون قمة بغداد، قولا وفعلا  وكما اختار العراق أن يلقبها «قمة لم الشمل».

رئيس العراق