قمة تاريخية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى غدا .. لندن تسعى لإعادة ضبط علاقتها مع بروكسل بعد "بريكست".. توقعات باتفاق حول التعاون الأمنى والدفاعى بين الطرفين.. وحقوق الصيد وتنقل الشباب أبرز التحديات

تستعد لندن لاستضافة قمة تاريخية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى غدا الإثنين ، والتى ستكون الأولى من نوعها منذ "بريكست" وخروج المملكة المتحدة من الكتلة الأوروبية فى 2020.
حيث يستضيف رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر رئيس المجلس الأوروبى أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فى اجتماع يعتبره الجانب الأوروبى تحولاً كبيراً فى لهجة لندن واستراتيجيتها، حيث يسعى ستارمر إلى إعادة ضبط العلاقات مع بروكسل بعد سنوات من الاضطرابات فى عهد أسلافه المحافظين.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام الأوروبية، فإن القمة تأتى فى ظل إعادة تقييم أوسع للوضع الجيوسياسى الأوروبى. فمع تصاعد الدعوات إلى وحدة القارة بسبب حرب روسيا وأوكرانيا، وتزايد المخاوف من احتمال عدم استقرار السياسة الخارجية الأمريكية، يتطلع الجانبان إلى تجاوز ضغينة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وإعادة بناء شراكة فعالة. ورغم حسن النية السياسية، إلا أن المفاوضات تكشف عن تحديات هيكلية عميقة لا تزال تُحدد العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى.
التعاون الدفاعى: إعادة تنظيم استراتيجى
من أبرز نتائج القمة المرتقبة اتفاقية محتملة للتعاون الأمنى والدفاعى بين الطرفين. ففى ظل زيادة العداء بن أوروبا وروسيا، وعدم اليقين بشأن التزام واشنطن إزاء حلف الناتو، فى ظل إدارة ترامب، يرى الجانبان قيمة استراتيجية فى توثيق التعاون.
بموجب الاتفاق المقترح، ستتمكن بريطانيا من الوصول إلى بعض المبادرات العسكرية والاجتماعات الوزارية للاتحاد الأوروبي، مما يسمح لها فعليًا بالمشاركة فى العمليات الأمنية التى تقودها أوروبا دون الحاجة إلى العضوية الكاملة.
فضلا عن ذلك، فإن شركات الدفاع البريطانية، بما فى ذلك بى إيه إى سيستمز ورولز رويس، قد تستفيد من المشاركة فى صندوق دفاع أوروبى جديد بقيمة 150 مليار يورو يهدف إلى بناء قاعدة عسكرية صناعية أوروبية أكثر استقلالية.
ووفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن هذا يمثل خطوة رئيسية نحو استعادة العلاقات الدفاعية، إلا أن الاتفاق لا يزال حساسًا سياسيًا. وقد أفادت التقارير أن بعض الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى سعت إلى ربط التقدم فى الاتفاقية الأمنية بقضايا عالقة مثل حقوق الصيد، وهو تكتيك يُذكر بالتوترات السابقة المحيطة ببروتوكول أيرلندا الشمالية.
حقوق الصيد: الشوكة التى لا تُمحى
تعود قضية الصيد لتبرز كواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل. ورغم تأكيدات كايا كالاس، مسؤولة الشئون الخارجية فى الاتحاد الأوروبي، بأن حصص الصيد لا ينبغى أن تُعيق تطبيق اتفاقية الأمن الأوسع، إلا أن الضغوط الخفية من فرنسا ودول أخرى تُشير إلى عكس ذلك.
ينتهى العمل باتفاقية مصايد الأسماك الحالية، ومدتها خمس سنوات، فى عام 2026، ويُقال إن المملكة المتحدة تُقدم أربع سنوات إضافية من الوصول إلى مياهها - وهو أقل مما كان يأمله الاتحاد الأوروبى. فى المقابل، كان الاتحاد الأوروبى يدرس تخفيف ضوابط تصدير الأغذية للشركات البريطانية، وهو مطلب رئيسى من لندن. ومع ذلك، إذا اعتُبر عرض بريطانيا غير كافٍ، فقد يُقلص الاتحاد الأوروبى تنازلاته، مما يُؤدى إلى طريق مسدود فى اللحظات الأخيرة.
ويوضح هذا الارتباط بين مصايد الأسماك والتجارة مدى رسوخ هذه القضايا فى إطار ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حتى مع سعى الطرفين إلى توافق استراتيجى أوسع.
التوافق التنظيمي: نهج عملي
أعرب رئيس الوزراء ستارمر عن استعداده لاعتماد شكل من أشكال "التوافق الديناميكى" مع معايير الاتحاد الأوروبى بشأن المنتجات الغذائية والزراعية، وهو نهج عملى يهدف إلى الحد من البيروقراطية الحدودية وتسهيل تدفقات تجارية أكثر سلاسة.
فى تصريحاته الأخيرة لصحيفة الجارديان، أكد ستارمر على أهمية الحفاظ على المعايير التنظيمية البريطانية العالية، لكنه أقر بالفوائد العملية للتوافق مع قواعد الاتحاد الأوروبىلتجنب الاضطرابات المكلفة. كما أشار إلى انفتاحه على استمرار إشراف محكمة العدل الأوروبية على حل النزاعات، وهو موقف يمثل خروجًا عن الخطوط الحمراء السابقة التى رسمها المتشددون فى قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
يعكس هذا الموقف الترتيبات القائمة بموجب إطار وندسور الذى يحكم أيرلندا الشمالية، حيث تنطبق سلطة محكمة العدل الأوروبية على البضائع المنقولة بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا. ورغم ترحيب بروكسل به، إلا أنه لا يزال يمثل قضية حساسة على الصعيد المحلى، لا سيما بين القاعدة العمالية التقليدية لحزب العمال والأصوات المشككة فى الاتحاد الأوروبى داخل حزبه.
تنقل الشباب: العقبة الأخيرة
برزت مسألة تنقل الشباب كنقطة خلاف رئيسية أخرى فى الساعات الأخيرة من المفاوضات. لطالما سعى الاتحاد الأوروبى إلى اعتماد برنامج تبادلى يسمح للشباب من بريطانيا ودوله الأعضاء بالعيش والعمل والدراسة فى الخارج، وهو ما يُمثل خليفةً لبرنامج إيراسموس+ الذى انسحبت منه المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبى.
على الرغم من معارضة حكومة ستارمر فى البداية، إلا أنها تبدو الآن منفتحة على نسخة محدودة ومُراقَبة من الخطة. ووفقًا لتقارير صحيفة التايمز، قد يتخذ هذا النظام شكل نظام "دخول واحد، خروج واحد" المُصمم للحد من صافى الهجرة، التى تعد أولوية لستارمر فى ظل ما يواجهه من تزايد شعبية حزب الإصلاح المناهض للهجرة بقيادة نايجل فاراج.
من المرجح أن يكون هذا النظام محدودًا زمنيًا، ويستبعد التنازلات الأوسع التى يسعى إليها الاتحاد الأوروبي، بما فى ذلك تخفيض الرسوم الجامعية للطلاب الأوروبيين. وقد أفادت التقارير بأن المملكة المتحدة رفضت هذا الاقتراح رفضًا قاطعًا، مما يُبرز القيود السياسية الداخلية التى تعمل فى ظلها حكومة حزب العمال.
Trending Plus