نقطة فاصلة في تاريخ الكنيسة.. الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية.. وضع الأساس العقائدي للإيمان المسيحي.. القديس أثناسيوس صوت مصر فى نيقية.. والبابا تواضروس يسير على نهج الآباء البطاركة

تحتفل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط، بمرور سبعة عشر قرنًا على انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول، الذي انعقد في عام 325م، ويمثل حجر الزاوية في التاريخ المسيحي، باعتباره المجمع الذي وضع الأساس العقائدي للإيمان المسيحي الجامع، وواجه بدعة أريوس التي هددت وحدة الكنيسة.
يأتي الاحتفال التاريخي في ظل لقاءات متواصلة بين رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الثلاث في المنطقة، وهي: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكنيسة السريان الأرثوذكس، وكنيسة الأرمن الأرثوذكس، والتي تعقد لقاءاتها الدورية منذ عام 1998، تأكيدًا على وحدة الإيمان والشركة الكنسية.
وقد شهدت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة العام الماضي (10 مايو 2024) اللقاء الرابع عشر لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، حيث أكد البيان الختامي على الجذور المشتركة للإيمان الأرثوذكسي، المستمدة من الكتاب المقدس، والتقليد الرسولي، والمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، وعلى رأسها مجمع نيقية.
القديس أثناسيوس صوت مصر في نيقية
في المجمع الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين بمدينة نيقية، كان أثناسيوس السكندري –الذي صار لاحقًا بطريركًا للإسكندرية– أحد أبرز المدافعين عن العقيدة الأرثوذكسية. وقف بحسم ضد بدعة أريوس، وساهم شرحه العميق في صياغة قانون الإيمان النيقاوي، الذي تتلوه الكنائس حتى اليوم.
وقد ضم المجمع 318 أسقفًا من مختلف أنحاء العالم، لم يوقع على قراره النهائي سوى أسقفين فقط من أنصار أريوس، بعد مناقشات مطولة حسمها التفسير السكندري بقيادة أثناسيوس.
الكنيسة القبطية جذور ممتدة من نيقية إلى اليوم
أعادت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التأكيد على أن حضورها لم يكن يومًا طائفيًا أو هامشيًا، بل هو امتداد لإيمان رسولي متجذر في أرض مصر، التي استقبلت العائلة المقدسة، وأسست أقدم كرسي رسولي في إفريقيا على يد القديس مرقس الإنجيلي.
وقالت الكنيسة في بيانها: "لسنا أقلية، ولسنا طائفة. نحن أبناء مصر، ولسانها الباقي، وإيمانها العابر للدهور. حملنا نور نيقية، وسر الشهادة، ورجاء القيامة."
الرهبنة المصرية من القديس أنطونيوس إلى العالم
وكان من أبرز ملامح التأثير المصري في الكنيسة العالمية هو تأسيس الرهبنة، على يد القديس الأنبا أنطونيوس، الذي يعتبر أول راهب في التاريخ. ومن مصر، انطلقت الرهبنة إلى العالم كله، حاملة معها روح النسك والصلاة والحياة المشتركة.
اللقاءات الأرثوذكسية
جدير بالذكر أن اللقاءات بين رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية انطلقت عام 1998 من دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وتوالت عبر العواصم العربية، من دمشق إلى أنطلياس، مرورًا بالقاهرة وبيروت. وقد حملت البيانات المشتركة لهذه اللقاءات رسائل متكررة عن الإيمان الواحد، والوحدة الكنسية، والالتزام بخدمة شعوب المنطقة وسط أزمنة صعبة.
تشهد الكنائس في مصر وعدد من دول الشرق الأوسط احتفالات روحية وفكرية بهذه المناسبة، تتضمن قداسات، ومحاضرات، وعروضًا وثائقية، تستعرض دور مجمع نيقية، ومسيرة الكنيسة القبطية في الدفاع عن الإيمان، من البابا أثناسيوس الرسولي إلى البابا تواضروس الثاني، الذي أكد في عدة مناسبات أن: "الكنيسة القبطية لا تموت، لأنها قائمة على دم الشهداء".
وفي زمننا الحاضر، يواصل قداسة البابا تواضروس الثاني السير على نهج الآباء، مستلهمًا من روح مجمع نيقية صلابة العقيدة ووحدة الإيمان، حافظا على وديعة الآباء، ومجددًا الحضور القبطي الأرثوذكسي كشهادة حية في عالم متغير.
وبمرور 17 قرنًا على نيقية، تؤكد الكنائس الأرثوذكسية الشرقية أن الإيمان الذي صيغ في المجمع الأول لا يزال حيًا، وأن وحدة الكنيسة ليست شعارًا، بل شهادة يومية، ورسالة رجاء في العالم.
Trending Plus