سعيد الشحات يكتب : ذات يوم 19مايو 1971.. القبض على فتحى الديب "رجل عبدالناصر فى الثورات العربية" بعد يوم من اتصال السادات به لتكليفه بمهمة السفر إلى ليبيا واتهامه بالعمل على "بلبلة الأفكار"

الإثنين، 19 مايو 2025 10:00 ص
كان الوقت مساء يوم 18 مايو 1971 حين اتصل الرئيس السادات بمنزل فتحى الديب مسؤول الشؤون العربية برئاسة الجمهورية، يطلب منه لقائه ظهر اليوم التالى بمبنى مجلس الوزراء، حسبما يؤكد «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا»، مضيفا أن السادات أبلغه بأنه سيتلقى فى اللقاء تعليماته للسفر إلى ليبيا لمعاونة قادتها فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع إعلان قيام اتحاد الجمهوريات العربية «مصر وليبيا وسوريا» موضع التنفيذ.
كان «الديب» هو من أسند إليه جمال عبدالناصر مسؤولية الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية، وكان همزة الوصل بين مصر وحركات التحرر العربية، وله دوره المشهود فى الثورة الجزائرية منذ بداية كفاحها المسلح فى نوفمبر 1954 حتى استقلالها عام 1962، بالإضافة إلى أدواره فى اليمن ومنطقة الخليج أثناء خضوعها للاحتلال البريطانى، كما أسند إليه عبدالناصر ملف الثورة الليبية بقيادة معمر القذافى فور قيامها فى الأول من سبتمبر عام 1969، كما كان له الدور الرئيسى فى تأسيس «تنظيم الطليعة العربية»، الذى بدأ تكوينه فى أواخر عهد جمال عبدالناصر.
أجرى السادات اتصاله بالديب يوم 18 مايو، بعد أيام قليلة من نجاحه فى حسمه للصراع مع مسؤولين ووزراء وقيادات بالاتحاد الاشتراكى، تقدموا باستقالاتهم يوم 13 مايو، فتم القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، ويكشف «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا» أنه توجه إلى مبنى مجلس الوزراء للقاء السادات حسب موعدهما لكنه وجد الرئيس مشغولا فى لقاءات، ويؤكد: «أرسل لى مدير مكتبه ليخبرنى بأنه سيتصل بى مساء نفس اليوم ليحدد موعدا، وغادرت مبنى مجلس الوزراء لأتوجه لمكتبى، ثم إلى منزلى فى انتظار مكالمته التى أخبرنى بها».
وبينما كان الديب ينتظر اتصال السادات وقعت مفاجأة لم يتوقعها ويذكرها، قائلا: فى الساعة الخامسة من بعد ظهر التاسع عشر من مايو «(مثل هذا اليوم» 1971، فوجئت بحضور أحد ضباط المباحث العامة الذين سبق لهم التعاون معى لمنزلى، ليطلب منى اصطحابه إلى مبنى مستشفى كلية الشرطة، وحينما استفسرت منه عن السبب أخبرنى والدموع فى عينيه أنه صدرت إليه الأوامر لاعتقالى، وتحديد إقامتى فى مبنى المستشفى، وأنه حاول التنحى عن أداء هذا العمل الصعب والثقيل على نفسه.
يذكر الديب: «طلبت من الضابط التريث حتى أعد حقيبتى، وصاحبته إلى المبنى المذكور لأجد عددا من رؤساء وأعضاء منظمة الشباب بالاتحاد الاشتراكى سبقونى»، ويؤكد: خلوت بنفسى لأستعرض تطور الأحداث فاقتنعت بأن الهدف الرئيسى من اعتقالنا هو التخلص من كل من عاون جمال عبدالناصر بالصدق والوفاء، ولم تمض ثلاثة أيام حتى فاجأتنى الأزمة القلبية الثانية، فنقلت إلى مستشفى المعادى تحت الحراسة، ولأقض به سبعة أشهر تحت العلاج ويجرى معى التحقيق خلالها لإلصاق تهمة «بلبلة الأفكار ضد اتفاقية إقامة اتحاد الجمهوريات».
يعلق الديب: «كانت هذه التهمة موضع تندر من كل من استمع إليها ممن عرفوا ببواطن الأمور متعجبين كيف أكون مبلبلا للأفكار ضد الاتفاقية التى أعددتها بنفسى وبقلمى، وتمت المحاكمة كما هو معروف لتبرا ساحتى لعدم وجود أى دليل أو سند لما أدعى علىّ به من أكاذيب».
يؤكد الديب أنه عاد لمنزله مرفوع الكرامة وتوافد عليه العديد من الإخوة المناضلين من كل أنحاء الوطن العربى لتهنئته، وإعلان سخطهم على ما تم من إجراءات تعسفية ضده وضد كل المخلصين المؤمنين من أعوان عبدالناصر، ويكشف: «قدمت استقالتى خطيا لرئيس الجمهورية، وحضر مع من حضر أعضاء مجلس الثورة الليبى ليعرضوا على مصاحبتهم إلى ليبيا للإقامة بها والعمل مستشارا لرئيس مجلس الثورة، واعتذرت موضحا لهم أننى قررت ألا أعمل فى أى ميدان له أى علاقة بأنور السادات، مع استعدادى لمعاونتهم فى كل ما يحتاجون إليه من منزلى بالقاهرة، وفى يونيو 1972 فوجئت باتصال تليفونى من أشرف مروان سكرتير السادات، يطلب منى السفر إلى ليبيا بناء على رغبة رئيس وأعضاء مجلس الثورة لحاجتهم لى، وأبلغته اعتذارى».
يضيف «الديب»: «عاود الاتصال بى حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى حينذاك طالبا منى الاستجابة، وكان جوابى أننى على استعداد بشرط قبول رئيس الجمهورية لاستقالتى التى لم يبت فيها حتى ذلك الحين، كما أطالب بجواز سفر جديد باسمى الشخصى وبلا منصب حتى لا توجه لى فيما بعد تهمة التعاون مع جهات أجنبية، وتم إخطارى على لسان حافظ إسماعيل بقبول استقالتى، وسافرت إلى طرابلس».
يذكر الديب، أنه التقى فى ليبيا بمعمر القذافى فى اليوم التالى لسفره، ويكشف: طلب منى مرافقته إلى بنغازى لمصالحتى على السادات الذى سيصل إلى ليبيا بعد ظهر نفس اليوم، وكان ردى: «آسف يا أخى معمر لست مستعدا لألدغ من نفس الجحر مرتين»، وحاول بكل الوسائل إثنائى عن موقفى ولكنى أصررت، واستأذنت للسفر صباح اليوم التالى للقاهرة، لتتوقف صلاتى بأحداث ليبيا على المستوى الرسمى.
Trending Plus