التربية الجنسية.. منظور خاص

يجب أن ندرك أمرًا غاية في الأهمية في تربية فلذات أكبادنا، يتمثل في طرائق التربية التي نقوم بها سلوكياتهم؛ لتصبح مرغوبًا فيها؛ حيث إن طرائقها متكاملة في جملتها؛ فلا تنفك التربية الأخلاقية، عن الصحية، عن الجنسية، عن الاجتماعية، عن العلمية، وعن غيرها من أنماط التربية، التي تستهدف بناء إنسان يمتلك الوعي الصحيح في أنماطه المختلفة؛ فيصبح قادراً على أن يحيا حياة صحية يستمتع فيها بمفردات الطبيعة ويبذل الجهد من أجل أن يرتقي بها، ومن ثم يسعد سعادة غامرة.
دعونا نتخلى عن فكر أضحى معوقًا في إحداث تربية جنسية لأبنائنا، بل خلف ضبابية حول ما يجب أن نقوم به وما لا ينبغي أن نتطرق إليه؛ فأصبحت الساحة فارغة لمن يدلون بآراء مشوبة أو مغلوطة، مما يتسبب في مزيد من الاضطراب على المستوى الاجتماعي بصورة خاصة، وهنا نعود بأدراجنا نحو قيمنا النبيلة التي نستلها من عقيدتنا السمحة والمتفقة مع ما جاءت به كافة العقائد السماوية دون استثناء، وهذا يجعلنا نتفق على الصواب ولا نتشرذم حول فكر جدلي يطيح بلحمتنا ومقدراتنا الثمينة من ثروة بشرية قادرة على العطاء إلى كيانات معطلة على الدوام.
تعالوا بنا نتفق على ثوابت رئيسة، من أهمها حق المعرفة في إطارها الصحيح المنضبط، والتي تنبري من صحيح العلم، ولا تخرج عن سياق المعتقد، ولا تخالف نبيل القيم السامية للمجتمع؛ ومن ثم أضحت هنالك ضرورة وحاجة ملحة؛ كي يدرك فلذات الأكباد المعلومات العلمية، حيال كافة القضايا الجنسية، بما يصقل خبراتهم ويعزز من اتجاهاتهم الإيجابية الصحيحة، وفق متطلبات نموهم الجسمي، والفسيولوجي، والعقلي، والانفعالي، والاجتماعي؛ لصبحوا قادرين على التكيف مع أنفسهم، ولديهم المنعة ضد كل انحراف قد يتعرضون له، ولديهم المقدرة التامة على التصرف الصحيح في ما يواجههم من مشكلات أو مواقف تتعلق بالجنس.
الأسرة يقع على عاتقها المسئوليات الأولية في التربية الجنسية؛ ومن ثم توفر مقومات الصحة النفسية للأبناء في هذا الجانب بغرس سلوكيات من شأنها تعزز قيم خلقية مهمة في أذهان فلذات الأكباد؛ فعبر البوابة الأسرية ندرب أطفالنا على طرائق النظافة والتطهر ونمدهم بتعليمات رئيسة تجعلهم يحافظون من خلالها على أنفسهم فتعلو لديهم العفة والحياء عندما يتعاملون مع أبدانهم، سواءً ارتبط الأمر بممارسات التستر عند قضاء الحاجات بكل صورها أو بآداب الاستئذان مع الغير، أو حتى أثناء التعامل مع المواقف التي تبدو محرجة في كليتها؛ ومن ثم نضمن التصرف القويم حينئذ، ونتجنب الانسياق نحو خطوط حمراء تضير بالنفس بشكل يستدام أثره.
رغم فطرة الحياء لدى الأبناء ولدينا؛ إلا أن شهوة الجنس ينبغي أن تؤخذ في الحسبان؛ ومن ثم تلقى اهتمامًا بالغًا من قبل الأسرة؛ كونها دافع فطري، لا يكبحها إلا العقل الذي يجعل الفرد يدرك صحيح التصرف من عدمه؛ ومن ثم يفرق بين الملذات التي تؤدي إلى هلاك كينونة المجتمع، وبين حق المتعة المشروعة التي ارتضاها المجتمع في نظامه العام الذي أقرته شرائعه وتوافقت مع الدستور التي توافق عليه هذا المجتمع؛ ليضمن بناءً بشريًا صحيًا يعي فيه الفرد مسئولياته ويؤدي واجباته ويطالب بحقوقه.
آن الأوان لأن نفتح صفحات الثقافة الجنسية مع فلذات أكبادنا بصورة تتسق مع صحيح العلم وفي ضوء ما يتناسب مع المراحل العمرية المتباينة للأبناء وفي خضم توجيهات صحيح المعتقد؛ فنجيب عن تساؤلات مهمة ومشروعة، ونخرج من دائرة الظلام والخفاء والاستحياء المضير إلى واحة من النور التي تعمر الأذهان بصحيح المعرفة؛ ومن ثم يقع التصرف المحمود من قبل فلذات الأكباد، وتنمو لديهم وجدانيات راقية تزيد من أحاسيسهم ومشاعرهم في الاتجاه المرغوب فيه؛ فنتحصل على جيل معافي يمتلك الفكر والقوة والعزيمة والإرادة ولا يجد الشيطان له سبيلًا.
أتحدث دون مواربة عن مناهج تعليمية صريحة تتناول كل شيء عن الثقافة الجنسية في صورة أنشطة تعزز خبرات الأبناء؛ فيدرك كل طفل الآداب والتصرفات القويمة؛ فيتفهم ماهية وأهمية غض البصر وصورة الجسم وآليات التعامل مع مكونه؛ فيستطيع أن يتطهر، ويدرك خطورة الانحرافات الجنسية؛ فلا ينزلق تجاه براثن الشذوذ، وهذا بالطبع يقوم على العديد من التخصصات العلمية بشكل متكامل، ولا ضير من أن تدرس مادة دراسية مستقلة نغرس من خلالها وعبر طيات محتواها العلمي الثقافة الجنسية مصبوغة بقيمنا النبيلة؛ فكما أشرت أن التربية الجنسية لا تنفصل عن أطر التربية في كليتها؛ كي لا نضير بفكر الأبناء بشكل غير مقصود.
أرى أن تجاهلنا للثقافة الجنسية عبر تربية مقصودة متكاملة لها مضار يصعب حصرها، أقلها ذهاب الأبناء لمصادر غير مسئولة يستمد منها معلومات زائفة ومشوبة، تؤدي لإكسابه معارف منقوصة تحثهم على ممارسة الفعل غير القويم دون أدنى شعور بالذنب أو المسئولية، بما يساعد في زيادة الأفعال المنافية لآداب مجتمعاتنا التي تؤمن بقيم نبيلة تعد مقوم لبقاء تماسكها وقوة نسيجها، ودافع لتقدمها واستكمال نهضتها من جيل لآخر.
السؤال الذي يتبادر في ذهني وأوجهه لأذهان أصحاب الفكر الراقي في مجتمعنا صاحب الثقافة والحضارة المتجذرة منذ فجر التاريخ، هل خلت كتب عقائدنا السماوية وتعليمات السماء التي تشربنا محتواها من التربية الجنسية؟، الإجابة لا؛ فقد حوت كافة الآداب والأحكام والتعليمات والنصائح والقيم وغير ذلك ما يخص التربية الجنسية بصورة صريحة، بل هناك شروحات وتفاصيل دقيقة لها؛ لذا كيف نحرم أبنائنا من تفهمها واستيعابها مطمورة في عبق قيمنا النبيلة لنكامل بين ما يدور في الأذهان وما تبديه الممارسات؛ فتكتب النجاة لجيل يقوم على عاتقه بناء الوطن والحفاظ على مقدراته.. وللحديث بقية في هذا المضمار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
______
* أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر
Trending Plus