الحياة تعود لبحيرة قارون.. افتتاح موسم الصيد بعد سنوات من هجرة الأسماك.. إنتاج اليوم الأول 7 أطنان من الجمبري والبوري والبلطي وقشر البياض والمبروك الفضي.. 605 مراكب صيد مسجلة في البحيرة.. والرخصة لـ 10 أشخاص

"بحيرة قارون" أو بِركة قارون هى بحيرة فى محافظة الفيوم، تقع فى الشمال الغربى من محافظة بنى سويف غرب نهر النيل وتبعد عنه نحو 50 كيلومتر، وهى أحد أكبر البحيرات الطبيعية فى مصر، ولعبت دوراً حيوياً في الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل لسكان المنطقة، كما أنها كانت موطنًا للعديد من الأنواع النادرة من الطيور والأسماك، لكنها عانت على مدار سنوات من الملوحة رغم أصلها النهرى وتركيز الأملاح بها، نتيجة وجود 3 مصادر للتلوث "الصرف الصحى - الصرف الزراعى – الصرف الصناعى" وهو ما أثر سلباً على الأسماك فى البحيرة والحياة المائية نتيجة انتشار طفيل "الأيزبودا" الذى تسبب في أضرار هائلة للثروة السمكية بالبحيرة وتوقف عمليات الصيد لأكثر من 6 آلاف و500 صياد، نتيجة هجرة الأسماك وتوقف الصيد فيها لسنوات، حتى جاءت توجيهات القيادة السياسية بتأهيل وتطوير وإعادة التوازن البيئي لجميع البحيرات على مستوى الجمهورية فنالت التطوير وهو ما جعل البحيرة تعود للواجهة مرة أخرى بعد إعادة التوازن البيئي من خلال عدد من المشروعات البيئية وحل مشكلة الصرف على البحيرة.

وانطلق خلال الأسبوع الحالي موسم الصيد في البحيرة بعد انقطاع دام لسنوات طويلة بمسطحات وادى الريان، ووصل إنتاج اليوم الأول من الصيد 7 أطنان من الجمبري الفانمى، وأسماك العائلة البورية، وأسماك البلطي، وأسماك قشر بياض، وأسماك المبروك الفضي ، وأسماك مبروك الحشائش، وأسماك البياض، حيث يوجد 605 مراكب صيد في البحيرة مسجلين، وكل رخصة يوجد عليها 10 أفراد كل فرد منهم عائل لأسرة وبالتالى فإن عودة الحياة للبحيرة تعين الآلاف من الأسر على الحياة فالمستفيدين ليسوا الصيادين فقط وإنما هناك تجار وصانعى الشبك وأيضًا السيارات التي تنقل الصيادين.

يشار إلى أن الثروة السمكية في مصر واحدة من أهم مصادر الدخل القومي، وكذلك تعتبر مصدر من مصادر البروتين الآمن الذي يوفر الاحتياجات الغذائية داخلياً وينمي صناعات أخرى بجانبه، وتشغل المصايد السمكية في مصر مساحات شاسعة تزيد على 13 مليون فدان، وبما يعادل قرابة 150% من الأرض الزراعية بها، وتتنوع هذه المصادر بحسب طبيعتها، فمنها البحار، كالبحرين الأحمر والمتوسط، ومنها البحيرات وتشتمل على بحيرات المنزلة، والبرلس، والبردويل، وإدكو وقارون ومريوط والبحيرات المرة، وملاحة بور فؤاد، ومنها أيضاً مصادر المياه العذبة وتشتمل على نهر النيل بفرعيه والترع والمصارف، وإذا كانت المصادر السابقة مصادر طبيعية، فإن الإنسان استحدث أخرى اصطناعية كبحيرة ناصر وبحيرة الريان، هذا بالإضافة إلى المزارع السمكية الموجودة في أنحاء مختلفة من مصر.

وشهدت بحيرة قارون خلال العام الحالى إلقاء 6 ملايين وحدة زريعة جمبري عالية الحيوية والجودة  من مفرخات جهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية، وعلى دفعات متتالية ، و تدعيم البحيرة بأمهات أسماك الموسي من بحيرة البردويل لتجديد قطيع اسماك الموسى لدعم الصيادين ورفع مستوى المعيشة وإعادة الحياة إلى البحيرة  تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية بالاهتمام بالبحيرات المصرية وإعادة إنتاجها إلى سابق عهدها.

قال اللواء الحسين فرحات المدير التنفيذى لجهاز حماية وتنمية البحيرات، أن بحيرة قارون تعد بحيرة ذات طبيعة خاصة ومختلفة عن باقى بحيرات الجمهورية، وهو ما يستوجب التعامل معها بأساليب تتفق مع طبيعتها، وهو ما ظهر جليًا خلال الآونة الأخيرة بالاهتمام بالبحيرات المصرية على اختلافها ، مشيراً إلى أن عملية إعادة التوزان البيئي في بحيرة قارون وتحسين أوضاع الحياة المائية بها تم وفق أسس علمية وبحثية رصينة .

وأضاف أن إعادة بحيرة قارون إلى سابق عهدها من شأنه أن يؤثر إيجابًا على قطاع المصايد السمكية في المحافظة ، لما له من مردود مهم ينعكس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعاملين بقطاع الصيد.

أوضح فرحات أن ما وصلت إليه بحيرة قارون الآن لم يأتي من فراغ وانما هو نتاج لجهود بين كافة جهات الدولة "جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية - محافظة الفيوم - الفريق العلمي القائم على البحيرة - وزارة البيئة - المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد" ، والتوافق فيما بينهم للخروج برؤية موحدة متكاملة تتضمن آليات للحفاظ على التنوع البيولوجي للبحيرة وتحديد الإجراءات التنفيذية لإنزال زريعة سمكية بالبحيرة تتماشى مع طبيعتها ، وتحديد الأماكن المناسبة داخل البحيرة ، بناءاً على الدراسة العلمية التى أجراها جهاز حماية وتنمية البحيرات ، والمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي ، ووفقًا لما أظهرته نتائج التحاليل والأبحاث التي أجريت دوريًا على مياه البحيرة لمراقبة جودتها ، والتي أثبتت ملائمة المياه لإنزال زريعة الجمبري بها.

وتنقسم مصادر الثروة السمكية في مصر الى قسمين ، الاول وهو الاستزراع السمكي ، ويمثل حوالى 80% من الانتاجية الكلية بواقع مليون وستمائة الف طن ، بينما تمثل المصايد الطبيعية حوالى 20% بإنتاجية 400 الف طن ، بإجمالى 2 مليون طن وهو ما يشير الى تحقيق نحو 90 % من الاكتفاء الذاتي، ويتم الاهتمام بالبحيرات والمصايد الطبيعية باعتبارها أحد أهم مصادر قطاع الثروة السمكية حيث يهدف البرنامج القومي لتطوير البحيرات الي التوعية الشاملة للصيادين والالتزام بالصيد لعدم تعريض حياتهم للخطر.
من جانبها أوضحت الدكتورة أسماء عبد السميع مدير عام الإدارة العامة للبحوث بجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، أن خطة تنمية بحيرة قارون بدأت منذ سنوات حيث تم تحليل المياه والوقوف على جودتها، بمشاركة جهات بحثية بالإضافة الى جهاز حماية الثروة السمكية، ومحافظة الفيوم، و تشكيل لجان ثابتة للعمل في المشروع، وعمل العديد من التدخلات بالتنسيق مع كافة الأجهزة المعنية بتنفيذ أنشطة على ساحل البحيرة، فضلاً عن العمل لتكريك ساحل البحيرة الجنوبي بنطاق مركز يوسف الصديق، وتطهير وتعميق المجاري المائية ومنها بحر يوسف، مما قلل من ملوحة مياه البحيرة، وأسهم فى الارتقاء بالحياة البيولوجية  والثروة السمكية بالبحيرة.

أضافت عبد السميع أنه لا يمكن أن نغفل جهود وزارة البيئة برئاسة الدكتورة ياسمين فؤاد التي كانت تشارك في الاجتماعات، مشيرة الى أنه تم رفع كفاءة معالجة مياه الصرف الصحى التي تصب فى البحيرة، وبعد تحسن جودة المياه، تم في يناير 2023 إنزال أمهات أسماك موسى في البحيرة كنوع من أنواع التجربة للتأكد من تعافى البحيرة، وجاءت النتائج مبشرة وهو ما شجع جهاز حماية البحيرات والجهات البحثية الأخرى إلى أخذ قرار بإنزال يرقات الجمبرى لأول منذ 2018 ، حوالى 6 ملايين يرقة وغلق البحيرة وحظر الصيد قبل أن يأتي الجمبرى بثماره وبالفعل التزم الصيادون بالقرار لأنهم كانوا يحتاجون إلى عودة المخزون السمكى، وبالمتابعة تم اجراء تحاليل دورية لجودة المياه وكانت نتائج المتابعة جيدة لحيوية الجمبرى ومعدل نموه .

أكدت عبد السميع أن هذه بداية جيدة ليس فقط لإعادة للتوازن البيئي ولكن لزيادة المخزون السمكى في بحيرة قارون و هو ما يؤدى بدوره إلى التنوع البيولوجى في البحيرة وتدعيم النظام البيئي فيها.

أضافت أنه تم تحديد 10 نوفمبر لإفتتاح لموسم الصيد في البحيرة، ويتم العمل على تنمية المخزون السمكى فيها وذلك في ضوء النتائج السابقة وفق خطة منهجية وفى إطار علمى تعاونى مع الجهات البحثية ذات الصلة .

وكشفت عبد السميع أنه سيتم بعد ذلك انزال عائلة بورية وكذلك نوع من أنواع البلطى الذى يتناسب مع نوعية ملوحة المياه، تباعا وفقا لخطة زمنية استراتيجية للتنمية، مما يستلزم التكاتف والجدية فى العمل وإحكام السيطرة، للحصول على أفضل إنتاجية للأسماك من بحيرة قارون
وأشارت عبد السميع إلى أهمية وضع السياسات العامة والقرارات والتوصيات الخاصة بعين الاعتبار والأهمية، من خلال اختيار أصناف زريعة الأسماك التى سيتم إنزالها للبحيرة، على مخططات واضحة بشأن فترة الإنزال والمواقع الملائمة لكل زريعة.

ومن جهتها، أكدت الدكتورة نسرين عز الدين مستشار محافظ الفيوم لشئون الثروة السمكية، أن التجارب والدراسات العلمية والمعملية الدقيقة، التى تمت قبيل إنزال يرقات الجمبري ببحيرة قارون خلال المرحلة الماضية، من قبل الفريق العلمى للمحافظة، والفريق البحثى من كلية الطب البيطرى، بجامعة القاهرة، ومراكز أبحاث الأسماك، ساعدت في الحصول على معدلات نمو إيجابية وغير مسبوقة ليرقات الجمبري، نظراً للتحسن الملحوظ فى مياه البحيرة، وهو ما ساهم فى الإعداد لإنزال دفعات جديدة من زريعة الأسماك المختلفة والقشريات تشمل "البلطى النيلي، وزريعة وأمهات الموسي، وثعابين السمك "الحنشان"، فضلاً عن يرقات الجمبري"، مع دراسة إمكانية إنزال زريعة أسماك العائلة البورية، في إطار إعادة التوازن البيئي للبحيرة نسبياً.

وأضافت، أن ما تم تطبيقه من تجارب على مياه بحيرة قارون، أثمر بالقضاء على أنواع من طفيل الإيزبود كانت منتشرة بالبحيرة منذ سنوات، وكذا انحسار مشهود فى معدلات تواجده وأنواعه، إضافة لتقليل نسبة الملوحة بالبحيرة، مؤكدة على أهمية استثمار المسطح المائى استثماراً جيداً، وتوعية الصيادين بأهمية استخدام طرق الصيد الحديثة، للحفاظ على الثروة السمكية بالبحيرة التى هي أحد أهم مصادر الدخل للمحافظة، مشيرةً إلى أنه فور السماح بالصيد ببحيرة قارون خلال المواعيد المقررة، ستقوم اللجنة الميدانية بعمل كافة الاحصائيات، لتقدير وتقييم العائد والمردود من عمليه إنزال الجمبرى بالبحيرة، كما هو معتاد عقب كل عمليه حصاد بالبحيرة، لافتةً إلى أهمية تحديد نقطة تجميع واحدة للصيادين لاستلام الجمبري منهم، بما يسهم فى الدقة النسبية لحصر الكميات المستخرجة من البحيرة.

وكانت بحيرة قارون بمثابة خزان لتجميع مياه النيل فيها أثناء الفيضاء خلال أيام الفراعنة بسبب مستواها المنخفض عن سطح البحر بنحو 45 مترًا، لذلك أمر أمنمحات الثالث فرعون مصر في عهد الأسرة الثانية عشر ببناء قناة وسدين لها لاستخدامها في تخزين مياه الفيضانات بحسب ما ورد في مخطوطات هيرودوت عن تاريخ مصر القديمة، حيث كانت تخزن البحيرة مياه الفيضان لمدة 6 أشهر، وتمد الأراضي الزراعية بالمياه لمدة 6 أشهر أيضًا.
وتبلغ مساحة بحيرة قارون بالفيوم نحو 330 كيلو متر مربع حاليًا، بينما يبلغ عمق بحيرة قارون نحو 14 مترًا، وطولها 40 كيلو مترًا، أمّا عرضها فيبلغ نحو 7 كيلومترات.

اسماك

افتتاح موسم الصيد بعد سنوات من هجرة الأسماك

الصيادين

بحيرة قارون

موسم الصيد في بحيرة قارون