ذكرى مقتل توران شاه.. لماذا قتله المماليك؟

دعونا نتفق في البداية، على أن المؤمرات كانت تحيط كراسي الحكم في العصور الإسلامية، خاصة بعد انقسام الدولة العباسية وتشتت الولايات التابعة لها وسنكتشف أن الدولة العثمانية أيضًا كانت مليئة بالمؤامرات، لأسباب ليست موضوع النقاش هنا، لكن موضوعًا كمقتل توران شاه، يحتاج أن نُمَهِّد للقارئ، بأن مبررات المماليك لقتل توران شاه بهذه الطريقة البشعة، كانت خطأً لا يُغتفر.
بعد زحف الصليبيين على مصر بـ9 أيام، تُوفّي الملك الصالح نجم الدين أيوب، كان هذا في شعبان عام 647 هـ، نوفمبر 1249 م وكانت البلاد في تلك الفترة، تُعاني أزمة عصيبة، فمن جهة وفاة السلطان وغياب وليّ عهده، ومن جهة أخرى خطر الصليبيين المقتحمين للبلاد.. لذا كان لا بد من تصرف سريع وحازم، وهذا ما فعلته شجر الدر زوجة الملك الصالح، إذ كتمت الخبر عن العامة، وأخبرتهم أن الأطباء منعوا زيارته، وأرسلت لابنه توران شاه، الذي كان يحكم إحدى حصون الأناضول، وأوكلت أمور الحرب لمدبر الدولة فخر الدين يوسف، الذي استعان بالمماليك البحرية لوضع الخطط والتصدّي للجيوش.
لكن الخبر تسرب إلى العامة وإلى جيش الملك لويس التاسع، الشيء الذي دفعهم للتقدم ومهاجمة المنصورة، وتصدى لهم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، واستُشهِد فخر الدين يوسف، لتفقد الدولة حاكمها المؤقت، لكن المماليك لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سعوا لحماية البلاد بكل جهدهم، حتى وصل توران شاه، في أوائل ذي القعدة من عام 647 هجرية فارتفعت معنويات المسلمين، ليُهزَم الملك لويس التاسع وأعوانه، فهربوا لدمياط، ولكن مطاردتهم وتضييق الخناق عليهم، فرَّقتهم وشتَّتت جموعهم، حتى أسرهم المماليك، واشترط توران شاه ومعاونوه شروطًا أولها دفع 800 ألف دينار بيزنطي،وتسليم دمياط وما تملكه فرنسا من مدن عربية.
في الحقيقة أبلى توران شاه بلاءً حسنًا في إنهاء الحرب، وإبرام الصلح مع الإفرنج، لكنه بعد كل هذا أنكر فضل المماليك، وهمّشهم، وأساء إلى سمعة فخر الدين يوسف بعد استشهاده، رغم أن الرجل حفِظ له ملك أبيه، ثم إن توران شاه احتجب عن الناس ولم يسمع شكواهم وبعد أن استبشر الناس بقدومه خيرًا، خاب ظنهم فيه وكرِهوا وجوده.
ويروي المؤرخون أنه كان يشرب الخمر، حتى إذا سكِر، راح يسُبُّ المماليك البحرية، ويتوعد بقتلهم وكان يُرسِل إلى شجر الدر زوجة أبيه يُهَدِّدها ويطلب منها المال.. فاتفق المماليك على قتله، إذ ضربوه بالسيوف حين كان يُفطِر، فهرب منهم واحتمى ببرج خشبي، فأحرقوه، وهو يخبرهم بأنه سيترك الحكم شرط أن يتركوه حيًا، لكنهم لم يرجعوا، فألقى بنفسه في النيل، فلحِقوه حتى مثّلوا بجثته.. كان هذا في الثاني من مايو عام 1250 م.
Trending Plus