"2003 – 2025" ماذا حدث فى قانون العمل بعد عشرين عاما.. القانون الجديد وضع حدا للفصل التعسفى وقيودا على استمارة 6.. ربط قبول الاستقالة بإجراءات موثقة.. واجه التنمر والتحرش داخل بيئة العمل.. ورفع مدة إجازة الوضع

** المحاكم العمالية نقلة نوعية فى مسار التقاضى العمالى
بعد مرور أكثر من عقدين على صدور قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، جاء القانون الجديد رقم 14 لسنة 2025 ليعيد تشكيل العلاقة بين العامل وصاحب العمل، فى محاولة للتوافق مع متغيرات سوق العمل والمعايير الدولية، وبينما يرفع القانون الجديد شعارات الشفافية والعدالة والتمكين، يتساءل العاملون والخبراء: هل حقق القانون قفزة نوعية في ملفات الأجور والإجازات وحقوق العمال؟ أم لا؟ ويستعرض هذا التقرير مقارنة بين القانونين فى ثلاثة محاور أساسية: الأجور، الإجازات، وحقوق العمال.
-
الأجور
فى قانون 2003، كان تعريف الأجر يتسم بالعمومية دون تفصيل واضح لمكوناته، ما أدى إلى خلافات كثيرة حول ما يدخل في حساب الأجر الأساسي وما لا يدخل، أما فى قانون 2025، فقد قدم المشرع تعريفا أكثر دقة يميز بشكل واضح بين "الأجر الأساسي" و"الأجر المتغير" و"العلاوات والحوافز"، وهو ما يساعد فى توضيح الحقوق المالية للعامل ويسهل حساب المستحقات عند نهاية الخدمة أو التعويضات.
وأحرز قانون 2025 تقدما ملموسا فى آليات صرف الأجور، حيث ألزم أصحاب الأعمال بصرف الأجور نقدا أو عبر الحسابات البنكية بمواعيد منتظمة "شهريا، أسبوعيا، يوميا، حسب التعاقد"، وهذا يختلف عن قانون 2003 الذى لم يحدد آليات محددة للصرف، مما كان يسمح بتأخير الأجور أو التلاعب بها خاصة في القطاع الخاص غير المنظم، كما وضع القانون الجديد سقفا واضحاً للخصومات لا يتجاوز 25% من الأجر، بينما لم يحدد قانون 2003 سقفا واضحا للخصومات، مما كان يسمح بتجاوزات من بعض أصحاب الأعمال.
ومن أحد التطورات الإيجابية فى قانون 2025 هو النص الصريح على حظر التمييز فى الأجور بسبب الجنس أو الإعاقة أو النوع أو الأصل أو الدين، وذلك تماشيا مع معايير منظمة العمل الدولية، وهذا يمثل تقدما عن القانون السابق الذي لم يتضمن نصا صريحا بهذا الشأن، رغم أن التطبيق العملي لهذا المبدأ يظل مرهونا بآليات الرقابة والتنفيذ.
-
الإجازات
احتفظ قانون 2025 بنفس مدد الإجازة السنوية التى نص عليها قانون 2003: 15 يوما للعامل خلال السنة الأولى، و21 يوما بعد ذلك، مع زيادتها إلى 30 يوما بعد 10 سنوات من الخدمة، وقد شهد قانون 2025 تحسنا فى حقوق المرأة العاملة، حيث رفع مدة إجازة الوضع من 90 يوماً في قانون 2003 إلى 4 أشهر كاملة، على أن تمنح ثلاث مرات فقط خلال فترة الخدمة، وهذا التغيير يعكس استجابة للمطالبات بتحسين ظروف عمل المرأة ودعم دورها في الأسرة، مع الحفاظ على استقرارها المهني.
ومنح القانون الجديد مرونة أكبر في الإجازات المرضية، حيث سمح بالحصول عليها بناء على تقرير من طبيب مختص، دون ربطها صراحة بموافقة التأمين الصحي كما كان الحال في السابق، هذا التغيير يوفر للعامل مرونة أكبر في الحصول على الرعاية الصحية دون عوائق.
كما أبقى القانون الجديد على نفس مدة الإجازة العارضة "7 أيام سنويا" المنصوص عليها في قانون 2003، مع التأكيد على أحقية العامل في الإجازات المدفوعة في الأعياد والمناسبات الوطنية، فضلا عن تنظيم قانون 2025 لإجازات إصابة العمل بشكل أكثر وضوحا، مؤكدا على إلتزام صاحب العمل بالعلاج والتعويض طوال فترة الغياب ضمن مظلة التأمينات الاجتماعية، وهو يمثل تحسنا عن القانون السابق الذي كان أقل تفصيلا في هذا الجانب، مما يعزز حماية العامل في حالات الإصابة أثناء العمل.
- حقوق العمال وتعزيز الحماية القانونية
يمثل نص قانون 2025 على عدم جواز فصل العامل إلا بقرار من المحكمة المختصة أحد أهم التطورات مقارنة بقانون 2003، هذا التغيير يهدف إلى منع الفصل التعسفى الذى كان شائعا فى ظل القانون القديم، ويعطي العامل حماية قانونية أقوى فى مواجهة تعسف بعض أصحاب الأعمال.
كما وضع القانون الجديد حدا واضحا لاستخدام "استمارة 6" كأداة للفصل التعسفي، حيث نص صراحة على عدم اعتبار توقيع العامل على الاستقالة أو "استمارة 6" خلال سريان العلاقة التعاقدية دليلا على إنهاء العلاقة، ما لم يثبت أنه تقدم بها بإرادته الحرة بعد وقوع النزاع أو أمام الجهة الإدارية المختصة، هذا على عكس قانون 2003 الذى لم يكن يحتوى على آلية محكمة للحد من استخدام هذه الاستمارة.
واشترط القانون الجديد أن تقدم الاستقالة من العامل كتابة، وأن يصدق عليها من الجهة الإدارية المختصة (مكتب العمل)، مع منح العامل فرصة للعدول عنها خلال 7 أيام من تاريخ تقديمها،هذا الإجراء يمثل حماية إضافية للعامل من الضغوط التي قد تدفعه للاستقالة دون رغبة حقيقية.
ومنح قانون 2025 العامل الذي يتم فصله تعسفيا الحق في التعويض العادل، دون سقف مالي محدد، وترك التقدير للقاضي بناء على الضرر الواقع، وهذا يختلف عن قانون 2003 الذى كان يضع سقفا للتعويض بما لا يقل عن أجر شهرين عن كل سنة من سنوات الخدمة، مما يتيح إمكانية الحصول على تعويضات أكبر في القانون الجديد.
كما ألزم القانون الجديد أصحاب الأعمال بالتأمين على العمال منذ بدء التعاقد، وربط الحصول على بعض الحقوق بوجود هذا التأمين، مما يعزز الحماية الاجتماعية للعامل، هذا التشديد على التأمين يمثل تطوراً عن قانون 2003 الذي كان أقل صرامة في هذا الجانب، مما يساهم في توسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
وأكد قانون 2025 على حق العمال في تأسيس النقابات والانضمام إليها دون تدخل من صاحب العمل، وجرم أي عرقلة لهذا الحق، وهو تطور تشريعي إيجابي مقارنة بقانون 2003، وقد فرض قانون 2025 التزاما صريحا على صاحب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة وتدريب العامل على أداء مهامه، وهو ما يمثل استجابة لمطالبات تحسين ظروف العمل، وهذا التطور يساهم في تحسين بيئة العمل وتقليل مخاطر الإصابات المهنية، ولكن فعاليته تظل مرهونة بآليات الرقابة.
- محاكم عمالية:
ومن أبرز مستجدات قانون العمل الجديد استحداث محاكم عمالية متخصصة للفصل في النزاعات بين العمال وأصحاب الأعمال، ويمثل هذا التحرك نقلة نوعية في مسار التقاضي العمالي، حيث نص القانون على تخصيص دوائر مستقلة بالمحاكم الابتدائية للنظر في القضايا العمالية، مع الالتزام بسرعة الفصل فيها خلال مدد محددة.
ويهدف هذا التعديل إلى تبسيط الإجراءات، وتسريع وتيرة العدالة، وضمان حقوق الطرف الأضعف – وهو العامل – دون مماطلة، كما منح القانون العامل الحق في اللجوء مباشرة إلى المحكمة حال فصله دون وجه حق، دون الحاجة إلى موافقة الجهة الإدارية أو إثبات الضرر مسبقا، وهذه الخطوة تعزز من ثقة العمال في المنظومة القانونية وتقلص من حالات الفصل التعسفي، مما يجعل بيئة العمل أكثر استقرارا وإنصافا.
-
التنمر والتحرش
واستحدث قانون العمل الجديد مادة واضحة تجرم كل أشكال التنمر داخل بيئة العمل، سواء من الزملاء أو أصحاب الأعمال، ونص على حظر كل سلوك أو قول أو فعل يمس كرامة العامل أو ينطوي على تمييز أو تحقير أو إذلال، خاصة إذا كان قائما على الجنس أو العرق أو الدين أو الإعاقة، ويعد هذا تطورا كبيرا في تعزيز بيئة عمل آمنة ومحترمة، حيث يواجه القانون هذه الممارسات التي كانت ترتكب في صمت أو تبرر تحت مسمى "ضغط الشغل"، مانحا العامل حق التظلم والمحاسبة القانونية للمعتدي.
وفي سابقة تشريعية، أدرج قانون العمل الجديد نصا صريحا يجرم التحرش الجنسي داخل بيئة العمل، سواء بالفعل أو بالقول أو بالإشارة، من أى طرف تجاه أى عامل أو عاملة، ولم يكتف النص بالتجريم، بل ألزم صاحب العمل باتخاذ التدابير اللازمة لمنع التحرش، وتوفير آليات داخلية لتلقي الشكاوى وضمان سرية التحقيق، هذه الخطوة تحمي بشكل خاص العاملات اللاتي كن أكثر عرضة لمثل هذه الانتهاكات، وتؤسس لقواعد مهنية أكثر احتراما ومساواة بين الجنسين.
Trending Plus