الأحزاب السياسية وثقافة السلام

تزخر أجندة الأحزاب السياسية بالعديد من المهام التي تستهدف العمل على بناء الوطن، من خلال برامج تعمل على التنمية الثقافية بكل تنوعاتها؛ ومن ثم فإنها تسهم بشكل مباشر في بناء الفكر من خلال توعية، تشمل ألوانًا من المعارف، التي تترجمها مواقف، تضيف للإدراك، وتغذي وجدان الإنسان، وهنا نتحدث عن ثقافة السلام؛ حيث البعد عن كل ما من شأنه أن يحدث اضطرابًا، أو يتسبب في زعزعة الاستقرار، وتعزيز كل ما من شأنه أن يقوي العلاقات بين أطياف، وأفراد المجتمعات وفق رؤية جامعة، تحث على التضافر، والتماسك، والاحتواء من أجل تحقيق الغايات الكبرى المنشودة، من قبل الجميع دون استثناء.
في ظل نسقنا القيمي نستطيع أن نؤكد على ضرورة العمل الحزبي تجاه ترسيخ مفاهيم قد أضحت عمادا للتنمية، والنهضة في عالم، يموج بالكثير من المفارقات، أخطرها غياب الضمير الجمعي تجاه قضايا مصيرية، تقوم على ماهية العدالة، والمساواة، واحترام كينونة الإنسان، وهذا ما يجعلنا نؤكد على ضرورة تعزيز الولاء، والانتماء، والإخلاص، والتضحية، والشرف، وتفعيل فلسفة المشاركة، والشرعية، وصحة المسارات السياسة، وأهمية الحكم، ومعنى الدولة، وغير ذلك مما يجعل لثقافة السلام مكانة حقيقية في الوجدان، وليس مجرد كلمة تخلو من مضمونها.
تشكيل الوعي بغض النظر عن نمطه يحتاج إلى الإيجابية التي تساعدنا في أن نخوض غمار المعارف المتطلبة في سياقها الصحيح، وتجعلنا نولي اهتمامًا رئيسًا بكافة تطبيقات تلك المعارف، وهنا نستطيع أن نمتلك المقدرة على التحليل، والتفسير، والاستنتاج، والخروج برؤى قويمة، تقوم على معيارية تتسق وما تجذر لدينا من قيم، وأصول ثقافية، لا جدال حولها، ولا يصح أن ننفك عن السياق الجامع لها، وهذا يؤكد على الأجندة الحزبية أهمية مراجعة أولويات التناول، التي ترتبط بقضايانا، وهموم مجتمعنا على وجه الخصوص؛ فلدنيا تفردات قد اشتملت بالطبع على خصائص هويتنا، التي نعتز بها.
ثقافة السلام التي تستحوذ على الفكر الحزبي تحث على مطالعة الأحداث الجارية بعين ناقدة، تقوم على معرفة صحيحة متكاملة؛ فغياب الحقائق بالطبع يؤثر سلبًا على الرأي الفردي منه، والجمعي على حد سواء، وهذا ما يؤكد على ضرورة المبادرات التي تستهدف التوعية في إطارها المقصود؛ فالجميع مسئول عنها؛ حيث إن إطار التنمية الثقافية يصعب أن يتحقق بعيدًا عن شراكة أصيلة، وحقيقية من سائر مؤسسات، وكيانات الدولة الرسمية منها، وغير الرسمية، وبالطبع في القلب منها أحزابنا السياسية، التي تزخر بقدرات بشرية، صاحبة رؤى طموحة، وفكر مستنير في شتى مجالات، وميادين الحياة.
الأحزاب السياسية المصرية تمتلك فكرة البناء الخاصة للوطن بصورة قويمة تقوم على فلسفة النقد البناء؛ حيث تستهدف في ثنايا هذا النقد الوصول إلى مراحل تعنى بالتحسين، والتطوير، وإصلاح المعوّج؛ تمسكًا بمسارات الإعمار، وأملًا في إحداث النهضة المستحقة، والتي تتأتى من كيان الإنسان، الذي يحمل بين جنباته ماهية المواطنة الصالحة، وهنا نستطيع أن نرسم ملامح ثقافة السلام في إطار خاص، يدل على الوعي الرشيد القائم على صحيح المعارف، التي نصل بها إلى رايات الابتكار، التي تجعلنا نتجاوز مراحل الاختلاف، ونركز على مراحل البناء المادي، والفكري منه على السواء.
سلامة ثقافتنا التي تسكن في أفئدتنا تقوم دون مواربة على تمسكنا بقيم نبيلة، قد تم توارثها من جيل إلى آخر؛ فوجدنا اتصافًا لها في خضم ممارسات كانت سبيلًا إحداث نهضة، وحضارة قد أثرت في العالم بأسره، وسيظل هذا الأثر باقيا؛ فإن روعة هذا البلد الأمين تكمن في إدراك منتسبيه للمصلحة العامة، دون الخاصة، وتضافر الجميع من أجل تحقيق غايات كبرى، وهنا مهما انحرفت بنا السفينة فإننا ندرك أنها مرحلة مؤقتة، سوف تعيننا جميعًا على أن تهدئ، وتستقر، وتبحر في الاتجاه الصحيح، الذي توافقنا عليه، وهذا ما تعضده ماهية ثقافة السلام في خلد وجدان راق، قد اعتاد على أن يكون رائدًا على الدوام.
أحزابنا السياسية وفق تباين أيدولوجيتها تتوافق على ماهية ثقافة السلام، التي تجعلنا نتعايش مع الجميع دون استثناء، بل، نتعاون من أجل البناء، والحفاظ على مقدرات طبيعية منحنا الله – تعالى – إياها، وتؤكد فينا فلسفة هذه الثقافة هويتنا، وقوميتنا، وهنا نتحدث عن تفاهمات، وحوارات، ورؤى مشتركة تزيد من فكرة التعاون الإنساني، وتؤكد دحض الانعزالية التي تصيب قطار انطلاقنا نحو التقدم، والازدهار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر
Trending Plus