الفن في العصور المصرية القديمة.. كيف نحت المصريون تماثيل الأفراد

يمتاز فن نحت التماثيل في العصور المصرية القديمة بما يظهره المثَّال من دقة التعبير في الحجرات عن العواطف والمشاعر والوجدانات، غير أن هذا الفن لا يتبع قاعدة معينة ثابتة، ولذلك لا نجد له وحدة ولا حدودًا معينة يسير بمقتضاها.
وكذلك يظهر أمامنا بوضوح في هذا العصر أولًا التناقض في فن نحت تماثيل الأفراد، وتماثيل الفراعنة، وحتى في نحت تماثيل الملوك أنفسهم فيما بينهم، فنجد اختلافًا كبيرًا في الفكرة والإخراج، فنلاحظ منها مثلًا مجموعة مرتبطة في كيفية نحتها ارتباطًا واضحًا بتقاليد النحت في الدولة القديمة، وبخاصة في بداية هذه الأسرة، ونجد أن تماثيل الفراعنة كانت تحاكي طراز تماثيل الأسرة السادسة المهذبة، وهي التي تنم عن رقة وليونة تعبران عن ذلك المجد الذي أصبح في عالم الفناء، وفقًا لموسوعة مصر القديمة لسليم حسن.
أما تماثيل الأفراد فإن السائد في جودة فنها لا يتعدى الحد المتوسط في الإتقان، ويلاحظ في صناعة هذا النوع من التماثيل أنها متصلة بصناعة تماثيل الدولة القديمة، ومنتسبة إليها أيضًا، وهي تلك التماثيل التي كانت قد نحتت بخاصة لتوضع مع المتوفى في مقبرته، ومع ذلك فقد عثرنا على بعض التماثيل في عهد الأسرة الحادية عشرة تكاد تشبه في خشونتها فن تمثال «منتو حتب»، بل وغلظته أيضًا، غير أن هذا النوع من النحت قد انمحى فيما بعد تمامًا، وكذلك نجد بجانب كثير من التماثيل التي نحتت في الحجر نحتًا مختصرًا لا تظهر فيه التفاصيل، تماثيل أخرى قد أُخرجت إخراجًا فنيا مختارًا، وتعد فريدة في نوعها تمامًا، غير أنها لا تقاس في تعبيرها عن تقاسيم الوجه بتماثيل الملوك، لأنها بدل من أن تنحت بالحجم الطبعي، وتجعل مرتبطة بالحياة الحقيقية، قد اجتهد المثال في أن يجعلها تتخطى الحقيقة، وتسير بعيدًا عن تقلبات حياتها الدنيوية، ونرى ذلك التناقض قد انتُهج حتى في تمثيل صور الملكات، فالنحات قد نحت للملكة جسمًا ممشوق القوام فتِي الطلعة وفي الوقت نفسه قد حلى رأسها بشعر الإلهة «حتحور» الغزير، على أن ملامح وجهها تنم عن شخصيتها المحضة، وإن كان لا يظهر بها التقاسيم الدقيقة الجميلة كإظهار عظام الوجه مما يبرز تفاصيله.
ومع ذلك فإن ما مثل أمامنا ملكات ولَسن نساء عابرات، وعلى النقيض من ذلك، قد ظهر بعض تماثيل ساحرة لكبار الموظفين في هذا العصر، إذ يندر في الفن المصري أن يرى الإنسان موظفًا مصريًّا عظيمًا يشعر بشخصيته ورفعة مركزه واحترام مكانته منحوتًا في الحجر مثل تمثال «خرتي حتب» الجالس، وهو المحفوظ الآن في متحف برلين، أو مثل تمثال «سبك امساف» الواقف، وهو من طرائف متحف فينا، على أن بحثنا وراء النماذج الروحية في التماثيل لا ينعكس في تقاسيم هذه التماثيل، بما توحي به من وجاهة واحترام، كما نشاهد في تماثيل عظماء الدولة القديمة، بل بما يرتسم على محياها من الوداعة ونبذ الكبرياء ظهريا، وليس من الصعب أن نحلل نفسيا الفرق بين فكرة نحت تماثيل الملوك، ونحت تماثيل عظماء الدولة الوسطى.
ويتلخص ذلك في أن الفرعون كان يعلم أنه لا يزال يحتفظ بالكثير من هيبته وجلالته الموروثة، على الرغم من أنه أخذ يظهر بمظهر البشر، في حين أن الموظف الكبير كان لا يزال في حاجة إلى الظهور بمظهر محاط بالاحترام والوقار، ولذلك كان لا بد من إبراز صورته بما يشعر بمركزه الاجتماعي بين مرؤوسيه، وفي أعين عامة الشعب.
ومما تجدر ملاحظته في هذا الصدد أنه يوجد بين تماثيل الدولة الوسطى أحيانًا طراز ابتُدع في هذا العهد لأول مرة؛ وذلك مثل التماثيل الجالسة مرتدية ثوبًا فضفاضًا يلف كل الجسم، وبجانب هذه تشاهد كذلك تماثيل واقفة مرتدية قميصًا بارزًا، وأخرى جالسة على الأرض أو راكعة وأطرافها مغطاة بثوب طويل.
Trending Plus