سعيد الشحات يكتب : ذات يوم 20 مايو 1958 ..اجتماع بين جمال عبدالناصر والسفير الأمريكى لإنهاء أزمة الرئاسة اللبنانية بترشيح قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسا

عرف الرئيس جمال عبدالناصر تفاصيل لقاء السفير الأمريكى فى لبنان «ماكلينتوك» بقائد الجيش اللبنانى «فؤاد شهاب»، وكان أهم ما فيه تهديد السفير: «إذا لم يتدخل الجيش اللبنانى لمواجهة الاضطرابات فى بيروت، فإن الأسطول السادس سيقوم بنفسه بهذه المهمة»، فرأى «عبدالناصر» أن الموقف يقتضى تحركه فورا، فتحرك فى ثلاثة اتجاهات هى، بعث برسالة شخصية إلى البطريرك المارونى «بولسى المعوشى»، ورسالة إلى بابا الفاتيكان، وقابل السفير الأمريكى فى القاهرة «ريموند هير» ظهر 20 مايو، مثل هذا اليوم، 1958، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان».

حدث ذلك أثناء أزمة لبنان عام 1958، وكانت بسبب ما أشيع عن النية لتعديل الدستور للسماح بمدة رئاسة ثانية لكميل شمعون، وتأكدت بما قاله شمعون لصحيفة فرنسية: «لا أريد تجديد مدة رئاستى، لكننى إذا لم أتأكد من وجود رئيس بعدى قادر على تحمل المخاطر الجديدة المحيقة بلبنان، فسوف أستجيب لنداء الواجب»، وكان يقصد قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى 22 فبراير 1958.

يذكر هيكل، أن تصريح «شمعون» أحدث ضجة كبرى، وقاد الصحفى «نسيب المتنى» حملة صحفية ضد تعديل الدستور وتجديد فترة الرئاسة، وأصدر «شمعون» قرارا باعتقاله، لكنه أفرج عنه تحت ضغط المظاهرات والاحتجاجات، وعاد ليواصل حملته ثم اغتيل بالرصاص يوم 8 مايو 1958، وثارت ثائرة المعارضة، وطالبت باستقالة «شمعون» لكنه رفض مستندا على العناصر المسايرة لاتجاهاته، وبينها حزب الكتائب الذى حشد ميليشياته المسلحة، وفى مواجهة ذلك قام الزعيم كمال جنبلاط بحشد الميليشيات الدرزية فى جبال الشوف، وبدا لبنان على شفا حرب أهلية.

طلب «شمعون» من الرئيس الأمريكى إيزنهاور يوم 11 مايو 1958 بنزول قوات أمريكية إلى بيروت لحفظ الأمن فيها، وأخطر إيزنهاور وزارة البحرية بالاستعداد للتدخل، وطلب التنسيق مع وزارة الحربية البريطانية بقصد العمل المشترك، وفى ضوء ذلك جاء لقاء «ماكلينتوك» مع «فؤاد شهاب»، وأرسل سفير مصر فى لبنان عبدالحميد غالب تقريرا عنه إلى عبدالناصر، فتحرك فى اتجاهاته الثلاثة، ومنها اجتماعه بالسفير الأمريكى يوم 20 مايو.

يكشف محضر الاجتماع والمحفوظ بأرشيف الرئاسة والمخابرات العامة ووزارة الخارجية، أن السفير سأل الرئيس: «ألا تستطيعون بنفوذكم الشخصى التدخل لدى الجبهة المعارضة فى لبنان لإنهاء الأزمة؟»، فرد عبدالناصر: «إذا كانت الحكومة الأمريكية تتصور أن هناك خطة مرسومة بين المعارضة اللبنانية وبيننا فهذا خطأ، إن الحكومة الأمريكية فيما أرى تتجاهل العوامل الحقيقية للأزمة فى لبنان، وفى رأيى أنها مسؤولة قبل غيرها عما يحدث فى هذا البلد الآن، إن التدخل الحقيقى فى الأزمة جاء من ناحيتكم أنتم، فقد ألقيتم بثقلكم مع فريق وضد فريق، الحقيقة أن الحكومة الأمريكية تتجاهل التطورات الموجودة فى المنطقة بأسرها، إن المنطقة كلها تحكمها نزعة ترفض أن تقبل الخضوع وتثور على السيطرة، ونسيت الحكومة الأمريكية هذا كله فى لبنان، ونسيت أيضا أن لبنان بالذات له أوضاع خاصة تحتم أن يكون الشعب اللبنانى بأسره متماسكا مترابطا، وإذا كانت الحكومة الأمريكية تتصور أن هناك اتصالات بيننا وبين المعارضة فهذا تصور خاطئ، وإذا كانت تتصور أننا نستطيع أن نتدخل لدى المعارضة أو نضغط عليها، فذلك إمعان فى الخطأ، إن زعماء المعارضة فى لبنان قادة مسؤولون، ومسؤوليتهم أولا وأخيرا أمام الشعب الذى يقودونه».

أضاف عبدالناصر: «علينا الآن أن نسأل أنفسنا ما العمل؟ والحل الوحيد الذى أتخيله الآن، أن نحاول معا أنتم ونحن أن نقوم بجهد مشترك بقصد حل الأزمة، هذا إذا كنتم على استعداد، إن تصوراتى على النحو التالى: أنتم أصدقاء لأحد طرفى النزاع وهو الحكومة اللبنانية، ونحن أصدقاء للطرف الآخر فيه وهو المعارضة الوطنية، فإذا وافقتم على أن نقوم بهذا الجهد المشترك فنحن على استعداد، وسؤالى المحدد: هل الحكومة الأمريكية على استعداد لأن تشترك معنا فى محاولة لوقف إراقة الدماء، إنكم تتحملون مسؤولية خطيرة فيما يحدث لأن تدخلكم السافر مع فريق ضد فريق هو الذى أوصل الأزمة إلى ذروتها».

علق السفير الأمريكى: «ما سمعته منكم بالغ الأهمية وسأنقله لواشنطن، وأريد ان أستفسر منكم عما إذا كانت هناك تصورات تفصيلية محددة؟»، أجاب عبدالناصر: من متابعتى لمجريات الأمور، أرى هناك كتلة ثالثة بدأت تؤكد دورها بين المعارضة والحكومة، وتقترح أن يتولى رئاسة الجمهورية شخص ثالث محايد يثق فيه الجميع وهو اللواء شهاب».

تلقى الرئيس إيزنهاور تقرير سفيره وقرأه بإمعان، وعلق: «كيف يمكن لأحد أن ينقذ بلدا من قادته؟، سعود ضعيف، وكنا نعتمد عليه لكنه لم يثبت كفاءة، وشمعون كان فى استطاعته أن يطرد شهاب، ويعين جنرالا آخر يأتمر بأمره، لكنه تردد ولم يفعل، والآن فإن شهاب مرشح لخلافته، ناصر وحده هو الذى يعرف ما يفعل، وسواء اختلفنا معه أو اتفقنا، فلا بد أن نسلم بأنه زعيم حقيقى»، وفى 21 مايو أعلن شمعون أنه لا ينوى ترشيح نفسه.