رئيس بعثة الحج المصرية لـ"اليوم السابع": 78 ألف حاج مصري يؤدون الفريضة هذا العام.. تسكين ضيوف الرحمن بالقرب من الحرمين.. استخدمنا التقنيات الحديثة هذا الموسم.. ولدينا خطة لخدمة الحالات الإنسانية وكبار السن

بينما تستعد مكة المكرمة والمدينة المنورة لاستقبال مئات الآلاف من ضيوف الرحمن، كانت مصر قد فرغت من ترتيب حقائبها التنظيمية واللوجستية، وبعثت بخبرائها وإدارييها قبل أن تبعث بحجاجها، ليكون موسم حج 2025 ليس مجرد عبور مكاني نحو الأراضي المقدسة، بل عبور فيزيائي وروحي ممهور بخطة مرسومة ومُحكمة التفاصيل.
الرحلة نحو عرفات هذا العام لن تكون عشوائية أو مرهقة كما يخشى البعض، بل محكومة بإرادة تنظيمية بدأت قبل أشهر، وتُدار بمنطق الدولة التي تضع الإنسان في قلب أولوياتها.
نحو 78 ألف حاج مصري سيقفون هذا العام على صعيد عرفات الطاهر، من بينهم 25 ألفًا جاؤوا ضمن بعثة قرعة وزارة الداخلية، وهي بعثة تُعامل بحرص لا يقل أبدًا عن بعثات الهيئات السياحية أو الجمعيات الأهلية.
ولأن الطريق إلى المشاعر لا يُمهَّد بالنوايا الطيبة وحدها، فقد تولت وزارة الداخلية -عبر قطاع الشؤون الإدارية- مهمة التخطيط والتنفيذ والإشراف على التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة.
جاء ذلك على لسان اللواء أشرف عبد المعطى مساعد وزير الداخلية الرئيس التنفيذي لبعثة الحج المصرية، الذي أوضح أن كافة الترتيبات الخاصة بالموسم بدأت منذ شهور طويلة، بمزيج من الخبرة الميدانية والتكنولوجيا، ليصبح الحج تجربة لا تنقصها الكرامة ولا الراحة ولا الأمان.
الإقامة، تلك الكلمة التي تختزل كثيرًا من الهواجس، تم تأمينها عبر تعاقدات حازمة مع فنادق تصطف بالقرب من الحرمين الشريفين، لتقليص مشقة التنقل ولضمان أن يكون الزمن المخصص للعبادة غير مهدور في السير أو الانتظار أو البحث عن وسيلة مواصلات.
هذه الفنادق لم تكن مجرد مبانٍ، بل تحوّلت إلى مراكز استضافة مكتملة الخدمات، حيث تتلاقى الراحة مع القيمة الدينية للمكان، وتتجاور الحميمية مع التكييف المركزي ومصاعد الطوابق العالية.
أما في عرفات ومنى، حيث تتجلى لحظات الذروة الروحانية، فقال مساعد وزير الداخلية في تصريحات لـ"اليوم السابع": عملت البعثة على تجهيز مخيمات حديثة تليق بجلال المقام حيث تم التعاقد على خيام ألمانية الصنع، مقاومة للحرارة والظروف المناخية القاسية، وقد زُوّدت تلك الخيام بوسائل راحة تكاد تلامس مستوى الفنادق الاقتصادية، من "صوفا بيد" منامات مريحة، إلى أجهزة تكييف متطورة، إلى مراوح محمولة يمكن توزيعها عند الحاجة، لا شيء تُرك للصدفة، حتى درجة حرارة الهواء في عُرفات تم التفكير في كيفية السيطرة عليها.
ومع أن المشقة من طبيعة المناسك، إلا أن البعثة حرصت على أن تكون هذه المشقة مقبولة إنسانيًا، محمولة لوجستيًا، لذلك لم يكن النقل مجرد عبور من نقطة إلى أخرى، بل كان ضمن منظومة مبرمجة بنظام تحديد المواقع GPS، تتابع حركة الحافلات وتضبط توقيتاتها، وتوفر مقاعد مريحة تكسر الملل وتخفف من وطأة الرحلة. لم تعد الحافلة مجرد وسيلة انتقال، بل صارت حلقة من حلقات الرعاية.
وفي قلب هذه المنظومة، كانت الصحة حجر الزاوية، فالحاج الذي لا يملك طاقته الكاملة لا يستطيع أداء نسكه في طمأنينة، لذا أكد رئيس البعثة أنه تم توفير عيادات متنقلة وثابتة، جميعها مزودة بأحدث الأجهزة، ويُشرف عليها أطباء تم انتقاؤهم من أهل الاختصاص والخبرة، يرافقهم طاقم تمريضي مدرب، ومجهزون بعدد من سيارات الإسعاف التي تتحرك عند الطلب. الصحة هنا ليست إسعافًا طارئًا بل منظومة رعاية استباقية.
ولأن البعثة لا تضم فقط الشباب القادر، بل تشمل كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، أوضح رئيس البعثة: خُصّصت فرق لرعايتهم بشكل فردي، وتم توفير كراسي متحركة وأماكن جلوس مخصصة داخل الحافلات والخيام، إلى جانب خدمات توصيل شخصي ونقل دقيق للأدوية الخاصة بكل حالة، بل إن بعض الفرق المدربة على الدعم الإنساني والاجتماعي أُسندت إليها مهام مرافقة الحالات الخاصة لحظة بلحظة، وكأن كل حاج منهم يُعامل بوصفه بعثة مستقلة بذاته.
كل هذه الجهود لم تكن لتكتمل دون التنسيق اللحظي، لذلك أنشئت غرفتا عمليات في كل من مكة والمدينة، تعملان على مدار 24 ساعة، تتابعان وتبلّغان وتقرران.
وتابع رئيس البعثة: تكاملت هذه الجهود مع استمرار الجسر الجوي بين مصر والمملكة العربية السعودية، ذلك الجسر الذي لا يحمل فقط أجساد الحجاج بل يحمل معها دعواتهم، وخوفهم، وأملهم بأن يكون هذا الحج هو الأقرب إلى مرادهم الروحي.
الطائرات تنقل الحجاج من مختلف المحافظات، ليجتمعوا على أرض واحدة، وتحت راية واحدة، ضمن رؤية شاملة لا تميز بين غني وفقير، ولا بين شاب وكهل.
ولم تغفل البعثة جانب التوعية، إذ وُزّعت ارشادات تحتوي على التعليمات الصحية والدينية، وتم عقد لقاءات إرشادية قبل السفر، وجُهّزت فرق لمرافقة المجموعات في المناطق المزدحمة، وتحذيرهم من التعرض لأشعة الشمس المباشرة، والتأكيد على ضرورة شرب السوائل، وتفادي الإجهاد الجسدي، والالتزام بمواعيد التنقل، والابتعاد عن الزحام.
كل هذه التفاصيل لم تأتِ اعتباطًا، بل جاءت في إطار التزام الدولة المصرية بأن تظل كرامة المواطن مصونة في الداخل والخارج.
بعثة الحج المصرية لم تكن بعثة للتمثيل فقط، بل كانت نموذجًا للدولة التي تُحسن التنظيم، وترتيب الأرواح الهائمة على أعتاب الكعبة.
في عرفات، حيث تتصافح الأرواح مع السماء، سيكون للمصريين حضور يتجاوز الرقم 78 ألفًا، لأن كل حاج فيهم يحمل حكاية، ويُجسد دعوة، ويبحث عن لحظة يقين وسط الزحام.
وبين خيام ألمانية الصنع، وقلوب تتضرع بالعربية، يتلاقى البعد المادي بالتجربة الروحية، ومن خلف الكواليس، تقف الدولة المصرية -بكل أدواتها- لتقول: لسنا نرسل حجيجًا بل نرافقهم إلى باب السماء.
Trending Plus