المناخ يقرع طبول حرب المياه

حرارة شديدة، أمطار غزيرة، فيضانات استثنائية، حرائق غابات، تفاقم ظروف الجفاف، كل ذلك ليس سوى مجرد أمثلة على ظواهر مناخية متطرفة، ومتعاكسة، تزداد شدتها وتتسارع وتيرتها عبر العالم، لكن الأسوأ لم يأت بعد، جملة تلخص ما يشهده العالم حاليًا من تقلبات شديدة للمناخ، فالحرارة ارتفعت، و الجفاف حضر، ليس فقط فى منطقتنا العربية، لكنه اجتاح أوروبا كلها تقريبًا عام 2022 فى أسوأ موجة ارتفاع للحرارة والجفاف لم تحدث منذ 500 عام، إذ صدرت تحذيرات بصور مختلفة شملت حوالى ثلثى القارة، وهو ما خلق ضغطًا غير مسبوق على مستويات المياه فى الاتحاد الأوروبى بأكمله، وأعلنت حالة الطوارئ، كأنها حرب تشنها الطبيعة على أوروبا .
وبينما يعلن العلماء أن خطرًا يحدق بالأرض، ينبه ويحذر خبراء السياسة من حروب ستندلع بسبب كل هذا، فحرب الأولى تقرع طبولها، وتنذر بحروب أخرى، فالمياه هى المورد الطبيعى الوحيد، الذى لا يوجد بديل يمكن أن يحل مكانه، وهى ليست بجديدة أبدًا، فمنذ زمن بعيد تشتعل الصراعات حول الأنهار لكنها لم تتعد على مر التاريخ كونها مناوشات، لكن الصراعات القادمة على المياه ستكون حروبًا حامية تشمل كل موارد المياه فى العالم من أنهار الشرق الأوسط حتى أوروبا.
تشير السيناريوهات إلى أن حرب المياه ستتخذ شكلين الأول بالذعر الذى يعم أكثر من 150 مليون شخص سوف يتحولون إلى لاجئين بسبب المناخ، أما شكل الحرب الآخر فهو الصراع المسلح، والذى بات وشيك اليوم، فهناك أزمات عالمية كبيرة سببتها المياه العذبة، أشهرها الهند وباكستان، التى عادت مرة أخرى، فقد انطلقت شراراتها الأولى عام 1948 بسبب مياه الرى فى إقليم كشمير، الذى يشهد نزاعًا طويل الأمد، حيث منعت الهند المياه عن القنوات فى باكستان، واستمرت تلك الحرب نحو 12 عامًا، حيث استطاعا الطرفان التوصل إلى اتفاقية برعاية البنك الدولى أطلق عليها اسم اتفاقية نهر السند فى عام 1960، ونصت على تقاسم مياه الأنهار الستة، وإنشاء لجنة دائمة وآليات لتسوية الخلافات التى حدثت عقودا طويلة، لكن الاتفاقية شهدت انتكاسة كبيرة عام 2025، حين علقت الهند العمل بها عقب تصاعد التوترات السياسية والأمنية مع باكستان.
وأيضًا من الصراعات على المياه المناوشات المتفرقة بين إسرائيل وسوريا، بسبب حوض بحر الحولة والتى جرت بشكل متقطع بين عامى 1951 و1953، كذلك اشتعلت توترات كبيرة ومتصاعدة بين سوريا والعراق عام 1975، بسبب تراجع منسوب نهر الفرات بشكل واضح على الجانب العراقى، وقد توجها الطرفان آنذاك إلى جامعة الدول العربية وكادت الأزمة أن تصل إلى صراع عسكرى على الحدود العراقية السورية لولا تدخل السعودية من أجل حلها، واليوم تراجع منسوب نهرى دجلة والفرات لدرجة كبيرة، حيث استغلت تركيا وايران الحروب المشتعلة فى المنطقة، ما أثر بشكل ملحوظ على منسوب نهر الفرات تحديدًا.
وفى صحراء أوجادى التى تقع بالجزء الغربى من الصومال، كانت الموارد المائية سببًا فى صراع حاد بين إثيوبيا والصومال 1963 و1964، وسقط خلاله عددًا من الضحايا، أيضًا كان نهر السنغال سبب فى نزاع بين السنغال وموريتانيا 1989 و1991، حيث اشتعلت معارك كبيرة راح ضحيتها المئات من المزارعين بالقرى الحدودية، وفى افريقيا جنوب الصحراء الكبرى تسببت قلة الأمطار خلال العشرون سنة الماضية فى اشتعال أعمال عنف تطورت إلى حروب أهلية ونتجت عنها تغيرات فى الأنظمة لعدم قدرتها فى السيطرة على الأمور كذلك كانت المياه السبب فى هجرة الكثيرين.
وانعكاسًا لصراعات الماضى وفى بحث عميق ومكثف للأزمة الحالية، والصراع المتوقع اشتعاله ارتباطًا بالموارد المائية، هناك خوارزمية يمكن الاعتماد عليها للتنبؤ بأماكن حروب المياه التى من المتوقع اشتعالها، فى عددًا من البؤر لهذه الحروب القادمة فى نهر الغانج أحد أكبر أنهار شبه القارة الهندية، نهر براهمابوترا فى الصين، نهرى دجلة والفرات، نهر كولورادو الذى يعد من أكثر الأنهار المهددة بالجفاف فى أمريكا، وجميعها تعد من أهم الموارد المائية فى العالم، والتى سوف يزيد التنافس عليها، خاصة مع التغيرات المناخية والنمو السكانى المتزايد بشكل سريع، ما يمكن أن يزيد من احتمالات حدوث نزاعات مرتبطة بالمياه، ونسبة حدوث الحروب حول المياه بأنها تتراوح بين 75% حتى 95%، وذلك فى فترة تتراوح بين 50 إلى 100 عام.
تصنف صراعات المياه إلى 3 مجموعات، الأولى، محفزة للنزاع حيث تتسبب مصادر المياه بصراعات وحروب، والثانية، المياه تكون سلاح للنزاع، وذلك حين يستعمل المتحاربون، أنظمة المياه كأسلحة فى صراعاتهم، مثل حجبها بالسدود أو افتعال الفيضانات، والنوع الأخير، حين تكون مصادر المياه أحد أهداف الحروب أو النزاعات باستهداف موارد المياه، أو محطات المعالجة أو خطوط الأنابيب أثناء الصراعات المسلحة.
Trending Plus