الحكم بعد "التريند".. النميمة تكسب الخصوصية فى "دار التربية"

استكمالا لموضوع «قضاة فيس بوك» وكيف يتحول بعض رواد مواقع التواصل إلى أدوات مبالغة، وهدم، ويصدرون أحكاما من دون تحقيق أو معلومات، أبدأ بتأكيد أن الأمر ليس تعميما، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة التفرقة بين الحوادث والعلاقات والصراعات الطبيعية فى الواقع، وبين ما تمكن تسميتها إثارة الصراعات، أو رسم صورة غير حقيقية للمجتمع والناس.
ونقصد هنا، أن كل المجتمعات تقع فيها حوادث، وأننا جميعا بشر، والمجتمع - أى مجتمع - فيه الطيب، والشرير، والمدعى، والمتفاخر، والمتحذلق، وهؤلاء بنسب متنوعة، وليسوا الأغلبية أو الأقلية، وبناء عليه تقع حوادث، ويتصارع الناس معا حتى داخل بعض العائلات، صراعات ربما على المال أو الميراث، أو النفوذ، وهى صراعات وعلاقات طبيعية بين بشر.
حتى قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعى، كانت صحف وصفحات الحوادث تحظى بأكبر قدر من القراءة والتوزيع، ومعها بالطبع الصحف والصفحات الرياضية، ومع تطور أدوات النشر الإلكترونى تظل الحوادث والجرائم والرياضة هى الأكثر جذبا للقراء، وبالتالى فهى المجال الأكثر إثارة للصراعات والخلافات، وبناء قصص وروايات النميمة، لكن مع ظهور مواقع التواصل، تضخمت هذه الأمور، وأصبحت الخلافات فى الكرة أو الفن، أو حتى العلاقات العائلية، تتفجر لتتحول إلى انفجارات لها صوت ودخان وانبعاثات.
وفى عالم الإنترنت والتواصل، يختلط الجاد بالهازل، والعالم بالجاهل، والمدعى بالصادق، الكل يكتب، ويصرخ ويصرح ويشتم أو يمدح، وطبيعى فى عالم بهذا الاتساع والضيق والهشاشة، أن تختلط الحقيقة بالنميمة، والشائعة بالمعلومة، والرأى بالمزايدة، زحام لا يعطى فرصة للتفهم والتدبر، ويمكن لأى حدث أو شخص أن يصبح «تريند» فى عالم «فيس بوك»، لا فواصل بين الافتراضى والواقعى، ولا بين «الفريند» و«البلوك»، تصعد قصص تشبه الحب والزواج وتنتهى مثلما بدأت، وتتحول إلى قبور من النميمة يدور حولها الناس ويبالغون ويضخمون ثم ينسون.
عشرات من قصص الحب والزواج والطلاق والحوادث يوميا بعضها فقط يصبح دراما من النميمة والحكايات، تصدر أحكام وتتفاعل وتتقاطع مع حياة الناس وتسقط الحواجز بين الخاص والعام، وتنتقل من النيابات والمحاكم إلى غرف مظلمة من التحليل والمبالغة والنفخ.
وعلى مدى سنوات ننشغل - وغيرنا - بمحاولة التوصل إلى قاعدة لهذا العالم، وكيف يمكن للمجتمع أن يكون ضحية لهذا النوع من الأحكام، من قضاة افتراضيين، ففى قضية السيدة نوال، تحولت قضية سرقة إلى محاكمة لبشر، وإلى صراع على المال بين الأحفاد، بدأ الأمر بترك السرقة وتحليل حجم المسروقات من الأموال السائلة والذهب، وكيفية تسعير كل هذا، والتساؤل عن سبب وجود حوالى 300 مليون جنيه فى شقة، بعيدا عن البنوك، وقبل أن تكتمل منظومة النظرات الطبقية والتحليلات البنكية، تفجرت قضية صراع الأحفاد على ميراث الجدة، ومن أخذ أكثر؟ ومن يستحق أقل؟ غرائز بشرية طبيعية، فتحت الباب لدس أنوف العالم الافتراضى «قضاة السوشيال ميديا»، فى خصوصيات العائلة، وصل الأمر إلى أن تصبح دار التربية ضمن أهداف لإطلاق والأحكام، وتحولت السيدة صاحبة العقود التسعة فى مرمى اتهامات، وموضوع لقضايا من داخل الأسرة، وحتى السرقة نفسها تراجعت أخبارها أمام موجات الأحكام التى جعلت سيرة الأسرة فى مرمى النميمة والقصف، قد تكون فى جزء منها نتاج الصراع والطمع، لكنها أيضا جزء من وجبات النار الافتراضية التى تحتاج دوما إلى وقود.
ومن سيرة «دار التربية»، إلى النجم وزوجته، الذى اختار عالم السوشيال لينشر نهاية ربع قرن وأكثر، تراجع لكن بقى الرذاذ، والرماد والدخان، حيث فى عالم الإنترنت «لا خصوصية ولا رحمة» كما كتبت منذ شهور، تماما مثل قصة طليقة الفنان وأولاده وميراثه، وكيف تحولت إلى قصة ودراما أطاحت بالكثير من الذكريات، ومن الخصوصيات.
ويبقى السؤال: هل السوشيال ميديا كاشفة؟ أم منشأة؟ فخروج الصراعات للعلن هو الذى يدمر الخصوصية ويفجر النميمة، حيث تصدر الأحكام قبل «التريند» وليس حتى بعده.

Trending Plus