سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 مايو 1951.. 62 أميرا وأميرة من آل عثمان يعيشون فى مصر يرحبون بقرار البرلمان التركى بالسماح بعودتهم بعد إسقاط جنسيتهم وطردهم بإلغاء الخلافة عام 1924

كان الخليفة العثمانى السلطان عبدالمجيد فى قصره، حين أبلغه والى إستانبول مساء الثالث من مارس سنة 1924 قرار الجمعية الوطنية بإلغاء الخلافة رسميا، ووجوب خروجه من الأراضى التركية قبل الساعة الخامسة صباحا، وقبل الفجر حملت الشرطة الخليفة وحريمه فى سيارته إلى محطة سكة الحديد، ومن هناك قذفوا به فى القطار المتجه إلى سويسرا، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «أفكار ضد الرصاص».
لم يقتصر الأمر على خلع السلطان عبدالمجيد وطرده من بلاده، بل أصدرت السلطات الجديدة قانونا بإسقاط الجنسية التركية عن 144 فراد عثمانيا، ومصادرة كل ممتلكاتهم، وحظر دفن جثثهم فى التراب التركى، وطلب منهم مغادرة البلاد خلال عشرة أيام بصحبة مرافقيهم وخدمهم، وبلغ عدد المنفيين 234 شخصا كما ذكرات السجلات التركية الرسمية، ومن سويسرا انتقل عبدالمجيد إلى مدينة نيس فى فرنسا ليستقر فيها، وفى عام 1939 استقر فى باريس، بينما اختار أكثر سلالته الرحيل إلى القاهرة والإسكندرية، حسبما يذكر تقرير «عبدالمجيد الثانى.. السلطان الذى انتهت معه الخلافة العثمانية»، المنشور فى «موقع الجزيرة، يوم 8 مارس 2023».
بقيت الأسرة المالكة العثمانية فى الشتات، حتى تجدد النقاش حولها فى عام 1951 بصورة مختلفة، حيث أقر البرلمان التركى قانونا يتيح لكل أفرادها الذين نفوا خارج بلادهم من سنة 1924 أن يعودوا إليها فى أى وقت يشاءون، واقترح بعض أعضاء البرلمان أثناء المناقشة أن يقتصر هذا الحق على سيدات الأسرة فقط، ويبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة للرجال، ولكن المجلس لم يبحث هذا الاقتراح، حسبما يذكر تحقيق بعنوان «فى مصر 62 أميرا من آل عثمان» والمنشور فى مجلة «آخر ساعة، عدد 865»، الصادر يوم 23 مايو، مثل هذا اليوم، 1951.
يكشف تحقيق «آخر ساعة» عددا من المعلومات الخاصة بالأمراء العثمانيين الذين جاءوا إلى مصر، ويؤكد أنه لو قرر أمراء آل عثمان العودة إلى تركيا، فإن مصر ستكون فى مقدمة البلاد التى تهتم بهذه العودة، لأن عددا كبيرا من هؤلاء الأمراء اتخذوا مصر مستقرا لهم ومقاما، ويؤكد التحقيق، أنه بين القاهرة والإسكندرية يعيش 62 فردا من أفراد الأسرة الإمبراطورية العثمانية، والعجيب أنهم قسمان متساويان من ناحية الجنس، فعدد الأمراء 31، وعدد الأميرات 31، وتزوج بعضهم - أمراء وأميرات - فى مصر من بعض أفراد البيت الملكى المصرى، أو من بعض أفراد الأسرة المصرية الكبيرة، وهم الآن يكادون يكونون جزءا مندمجا فى مصر.
يعطى التحقيق أمثلة على الاندماج بالأميرات الشقيقات الثلاث، نسل شاه، زوجة الأمير محمد عبدالمنعم، وهان زادة زوجة الأمير محمد على إبراهيم، وهبة الله زوجة الأمير عمرو إبراهيم، وهن حفيدات السلطان عبدالحميد، ويعشن فى مصر كأميرات مصريات، وهناك أميرة تركية أخرى هى الأميرة «سلجوك» وهى حفيدة أيضا للسلطان عبدالحميد، وولدت فى فرنسا، وتزوجت من «جازولى راتب»، وقابلت زوجها فى فرنسا، ولم تر «سلجوك» جدها السلطان عبدالحميد لكنها تحتفظ فى بيتها بصورة صغيرة محفورة له، كما تحتفظ بصورة لجميع سلاطين آل عثمان ابتداء من القرن الخامس عشر.
يضيف تحقيق «آخر ساعة»، أن هناك عددا كبيرا من أمراء آل عثمان اختلطوا بصميم الحياة المصرية، فى الوظائف والأعمال، فالأمير على واسب يعمل موظفا فى بلدية الإسكندرية، والأمير محمد ناموك يعمل فى إدارة النقل المشترك بالإسكندرية، والأمير محمد ناظم فى مصلحة الأملاك الأميرية، والأميران ناظم وناموك من أحفاد السلطان رشاد الذى حكم تركيا تحت اسم محمد الخامس من سنة 1909 - 1918، وللأمير نظام شقيق فى مصر أيضا هو الأمير عمر فوزى وهو رسام معروف، أقام معرضا ناجحا فى القاهرة وزوج لسيدة مصرية من أسرة يكن.
يذكر التحقيق، أن هناك أمراء من آل عثمان يترددون على مصر، ولكنهم لا يقيمون فيها دائما، ومن هؤلاء الأمير عثمان فؤاد حفيد السلطان مراد وهو متزوج من الأميرة المصرية قدرية حليم، وكان فى زيارة لمصر حينما أصدر أتاتورك أمره المشهور بطرد الأسرة الإمبراطورية العثمانية من تركيا، فقرر أن يقضى وقته متنقلا بين مصر وفرنسا، وقال إنه يرحب بالعودة إلى تركيا مواطنا عاديا ويضيف: «ربما كانت النظم فيها اليوم غيرها بالأمس، ولكن الروح هى هى لم تتغير»، أما الأمير ناظم فتحدث عن أنه ما زال يحتفظ بذكريات حية لأيام مغادرته تركيا، وكان فتى صغيرا تلميذا فى المدرسة العسكرية فى إستانبول، وأيقظوه من نومه فى الفجر، فوجد زملاءه فى المدرسة يستيقظون قبله، ويقفون بالبيجامات يودعونه للمرة الأخيرة وهو يغادر المدرسة للأبد.
استقر الأمير ناظم مع أخوته بعد ذلك فى مصر، وتزوج من ابنة أبوالهدى باشا، السياسى الأردنى الكبير، أما الأمير ناموك ابن عم الأمير ناظم، فيتذكر أنه غادر تركيا بالقطار وكان طفلا لا يدرك شيئا، ولا يتمنى شيئا أكثر من العودة إلى تركيا.
Trending Plus