قلعة الجلابيب.. الماضى والحاضر يتعانقان فى كرداسة.. قرية على أطراف الجيزة تخوض معركة يومية دفاعا عن هوية الأزياء المصرية.. ولملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة أستاذة عمارة إسلامية تخوض رحلة علمية لتوثيق التراث

تصميم الملابس
تصميم الملابس
سارة درويش - رانيا سعد الدين

أخذت الملالبس طابعها الثقافى على امتداد قرون طويلة، وصارت تمثل واحدة من مفردات الهوية البارزة؛ أو لعلها أبرزها، باعتبار أنها الأكثر ظهورا وقدرة على التعبير البصرى المباشر من دون حاجة إلى الإختلاط والنقاش.

كثير من البلدان تعرف بأنماط معينة للزى، تبدلت أو تطورت مع الزمن لكنها ظلت ذات خصائص واضحة وعناصر شبه ثابتة، أما في مصر فالأمر أكثر اتساعاً وتنوعاً ويشبه طبفات مركبة ومتتابعة من الأفكار والثفافات.

 

قلعة الجلابيب.. الماضى والحاضر يتعانقان فى كرداسة

خريطة واسعة وشديدة التنوع، ومجتمعات تتشابه لدرجة التطابق، وتتمايز لدرجة الاختلاف الكامل، يصعب اختزال إنثروبولوجيا مصر وثقافته البصرية وملبسها فى منسوجة واحدة، أو تحت عنوان بعينه؛ فلكل بيئة حاضرها وماضيها وتراثها، ولكل نطاق خاماته وتفاصيله وتفضيلاته وهويته الخاصة. وأينما ولّيت وجهك ستجد صورة لا تشبه غيرها؛ وإن اقتربت منها. كل واحدة تعبر عن نفسها، وتمتزج مع أختها فى التعبير عن الوطن، وكلها يمكن أن تراها معًا على بعد كيلو مترات من منطقة الأهرامات، أهم ملامح الهوية والميراث الحضارى، وأثمن آثارها الباقية.

على أطراف مدينة الجيزة، تقع كرداسة، التى تعد واحدة من أهم حواضر التراث المصرى فى صناعة الملابس التقليدية، كونها قريبة من الأهرامات ونزلة السمان كانت قبلة السائح العاشق للملابس التراثية والصناعة اليدوية المصرية المميزة، ويقول «مصطفى رضوان» السبعينى الذى يعد أحد أقدم صناع وتجار الملابس التراثية بحى كرداسة، حيث عمل فى هذا الشارع منذ أن كان فتى صغير لا يتجاوز العشرة أعوام، يعشق الملابس التراثية على اختلاف أنماطها: إن الملابس التراثية لها بهجة وصنعة أصيلة، أول ما بدأت فى كرداسة اشتغلت صبى عند صاحب محل بجمع له قطع الملابس من الفتيات والسيدات قاصدات حى كرداسة لبيعها على اختلاف أنماطها «صعيدى، سيناوى، فلاحى» تقريبا لم يكن المصريون وقتها يعرفون كرداسة فقط السواح هم زوار المكان، والأجانب يعرفون جيدا قيمة الصناعة اليدوى، السائح وهو بيتفرج على القطعة لو معجبتوش بيطبقها ويحطها على الرف بكل حرص، عارف أنها أخدت من جهد وروح صانعها».

يضيف الحاج «رضوان» كبرت فى هذا الشارع ولم يعد هناك سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة الذى يهتم ببيع الملابس التراثية ذات الصنعة الأصيلة، الكل بقى يركب الشرايط الجاهزة التى تشبه التطريز اليدوى، ولكن التطريز اليدوى السيناوى لا يزال يأتى من «بئر العبد»العبايات والشيلان مصنوعة بكل حب بالخيوط الملونة وغرزة الكنفاه الدقيقة التى تشتهر بصناعتها الفتيات هناك، أما أقمشة «التلى» أفضل من يتقنها أهل سوهاج، تأتى من أخميم سر صنعتها عندهم وبس، صعب حد تانى يعملها زيهم. كلنا بنشوفها مجرد نقوش حلوة مغزولة بخيوط الفضة على القماش، بس مش كتير يعرفوا إن النقوش دى لها معانى زى اللى منقوشة على جدران المعابد الفرعونية. بياخدوا من المناسبات الحلوة النقوش زى العروسة، وفتافيت السكر، والحصان، وإيدك فى إيد أخوك، وأنوار الفرح وكل ست وهيا بتطرز بترسم لوحة ممكن فك رموزها وقراءتها».

يتابع الحاج «رضوان»: « كرداسة اشتهرت بالعبايات والملابس التراثية، لأنها كانت مصدر دخل كثير من العائلات المهتمة بالتصنيع والبيع ولكن المهنة بدأت تنقرض، وقليل اللى بيورث المهنة من أهله، حتى تصنيع الغزل والنسيج على «النول» مهدد بالزوال، اللى بيموت ماحدش بيشتغل بعده، والجيل الجديد شايف إن التعب المبذول غير مجز، والست اللى بتطرز العباية فى شهر وشهرين بيكون العائد المادى لها غير كاف للتعب وثمن الخيوط».

يتدخل فى الحديث « محمد السمان» أحد العاملين فى شارع كرداسة فيقول لـ"اليوم السابع" إن كل الشارع به محلات لبيع العباية والجلابية ويضيف «بنحاول نحافظ على الهوية المصرية، بناخد من الجلابية الفلاحى إنها واسعة ومريحة، وبناخد من العباية السيناوى النقوش الحلوة بس بقى صعب تكون تطريز يدوى، الصين علملتها شريط بيتلزق ولذلك بيكون السعر أقل بقليل، وكمان واخدين موديلات القفطان والملس الحشمة والفخامة، لأن صعب واحدة تلبس جلابية أو ملس بالشكل التقليدى فى حياتها العادية، بس الآن حى كرداسة أصبح مزارا للمصريين فى المناسبات.

رضوان
رضوان
 
عباءة أخرى تراثية
عباءة أخرى تراثية
 
قطعة تراثية
قطعة تراثية
Screenshot 2025-05-23 112210
 

 

"شهيرة" 7 عقود من ملاحقة الهوية.. آمنت بمصر وثقافتها وأنفقت عمرها بحثا عن التراث

 

ناسكة فى محراب، أو بالأحرى على نولٍ، رحلتها فى الحياة هى ذاتها رحلتها فى ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة، تعليمها الغربى زاد مصريتها جلالا فوق جلال، وثقافتها الرفيعة غرستها لدرجة أعمق فى التُربة المصرية وبين نسيجها الثرىّ، سبعون عاما من الشغف، وخمسون من الالتصاق بالهوية قولاً وممارسة، وثلاثة عقود من الجمع والتوثيق دون كلل أو ملل، من سيناء إلى النوبة والواحات، وكل زاوية مُضيئة فى غرفة الزىّ والأسرار.

فى عالم يغرقنا فيه الغرب بأنماطه ومعاييره وتلهث الفتيات وراء تريندات الموضة والمكياج التى تصدرها الفتيات الغربيات على منصات التواصل الاجتماعي، اختارت امرأة مصرية قبل نحو 70 عامًا أن تكون حارسة ذاكرة نساء هذا الوطن وتراثه، وأدركت منذ سن مبكرة جدًا أهمية الأزياء فى الحفاظ على الهوية، فاختارت منذ كانت فى السادسة عشرة من عمرها، ورغم أنها تدرس فى مدرسة فرنسية أن ترتدى الملابس التقليدية المصرية، اختارت أن تنحاز لما هو أعمق من الموضة… أن ترتدى هويتها.

شهيرة محرز، أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة حلوان، ومصممة الأزياء التراثية استنكرت منذ مراهقتها اللهاث وراء خطوط الموضة الغربية والهوس بمجلات الموضة الأجنبية فى مقابل إهمال تاريخ غنى من الأزياء التقليدية التى تحمل روح الأرض وهوية مصر فكانت بدايتها بسيطة، لكنها جذرية، قررت منذ ذلك الوقت ألا ترتدى إلا الملابس التقليدية المصرية، حتى أنها كانت ترتدى الجامعة مرتدية جلابية رجالى مصرية التصميم، كانت والدتها وجدتها غير مرتاحتين، لكنها أصرت على موقفها فاحترمتا اختياراتها، لم يكن تمردًا، بل كان إيمانًا بأن ما نرتديه ليس مجرد قماش، بل انعكاس لما نؤمن به حسبما قالت فى مقابلة تليفزيونية ثرية مع الإعلامى القدير محمود سعد.

درست شهيرة محرز الآثار الإسلامية وتاريخها، وبدأت رحلتها فى جمع الملابس التراثية من كل شبر فى مصر بصحبة صديقتها الراحلة نعمة كامل. ما يزيد عن ثلاثين عامًا أمضتها تتنقل من سيناء إلى النوبة، من الواحات إلى الصعيد، توثق وتجمع وتحفظ، فى محاولة لإنقاذ ما تبقى من هوية تُنسى يومًا بعد يوم.

فى منزلها الذى صممه المعمارى المصرى الراحل حسن فتحى، تجد نفسك فى متحف حى، كل زاوية تحكى قصة، المفروشات، النسيج، المقتنيات… كل قطعة هى امتداد لرحلة عمرها الطويل، رحلة البحث عن مصر التى كدنا أن ننساها.

تقول شهيرة فى المقابلة: «الملابس جلدى الأول، والبيت جلدى الثانى وكذلك المفروشات، هما اللى بيخلّونى أعرف أنا مين» لكنها تعترف، بألم لا تخفيه، أنها فشلت فى إقناع السيدات المصريات بالعودة لأزيائهن التقليدية، «كان عندى أمل إننا نسترجعها، بس معرفتش أنشر الفكرة»، تقولها بصراحة نادرة، لكنها تظل تحارب بطريقتها.

تؤمن شهيرة أن الغرب لم يصدر لنا الموضة عبثًا، بل ليجعلنا مستهلكين دائمين، نركض خلف جديدهم كل موسم، ونهمل إنتاجنا، فتنكسر ثقتنا بأنفسنا. ترى أن الملابس التقليدية كانت تقلل الفروق بين الطبقات، ملابس كانت ترتديها زوجة العمدة وخادمتها دون أن تفرق بينهما والزى التقليدى دائمًا قابل لأن يتم تصنيعه بخامات فاخرة وأيضًا بخامات قليلة التكلفة، لأن الملابس فى النهاية تعبر عن هوية وليس عن طبقة.

تحكى أن قطعة الملابس التقليدية المصرية كانت تُخاط لتعيش. تُورَّث، وتُلبس فى المناسبات، وتبقى رمزًا، مثل فستان ديور الأسود الذى تحتفظ به نساء الطبقة الراقية لعشرات السنوات، كان الفستان النوبى أو «الملس» يُرتدى طوال العمر، وتلبسه الأم وتورثه لابنتها مشيرة إلى أنه كان من ملابس الطبقة الراقية لأنه كان يصنع من الحرير المصبوغ بالأسود وهى أغلى أنواع الصبغات.

فى كتابها عن الأزياء التقليدية المصرية، توثق شهيرة محرز هذا التاريخ المنسي. تثبت أن ملابس سيوة مثلًا، رغم ما يُقال عن أصولها الأمازيغية، تحمل فى تفاصيلها عناصر مصرية أصيلة. توضح كيف أن الزينة والمطرزات فى ملابس النوبة، والصعيد، وسيناء، تحمل روحًا مشتركة تعبر عن حضارة واحدة رغم تنوعها، مشيرة إلى أن مصر من أغنى الدول بالأزياء التقليدية فلديها نحو 24 زيًا متنوعًا بينما الدول الأخرى لديها زى واحد أو اثنين.

فى الثمانينيات، أسست «مشغل فتيات العريش» لتعليم نساء سيناء كيفية إنتاج قطع مستوحاة من تراثهن، لخلق مصدر دخل مستدام. كانت تجلس معهن، تتعلم منهن وتخرج إنتاجهن للعالم، لم تكن فقط تحفظ الذاكرة، بل تحاول بث الحياة فيها من جديد.

ومع ذلك، لم تيأس، لا تزال شهيرة تحلم بأن تعود المرأة المصرية لترتدى ما يعبر عنها. لا ترفض الغرب، لكنها ترى فى العودة للجذور اعتزازًا بالذات، مثل إمبراطور اليابان الذى ارتدى زى بلاده التقليدى فى لحظة توديع الحكم، وبإمكانه فى أى وقت أن يرتدى بدلة توكسيدو دون تناقض.

نسخة من العدد الورقى
نسخة من العدد الورقى

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مواعيد مباريات نصف نهائي كأس عاصمة مصر والقناة الناقلة

سياح العالم يستمتعون بالبالون الطائر وسفارى الخيول بين معابد الأقصر.. صور

هزة أرضية بقوة 3 ريختر فى جزيرة كريت

موعد مباراة الزمالك وبتروجت اليوم السبت فى الدورى المصرى والقناة الناقلة

رحلة بلا عودة.. تفاصيل اللحظات الأخيرة لغطاسى ميناء السخنة فى السويس


غرامة 3 ملايين جنيه عقوبة تنفيذ رحلات حج مخالفة للأحكام والضوابط

قفزة اقتصادية.. 501 مليار جنيه استثمارات الهيئات الاقتصادية فى خطة 25/26

شتوتجارت يخشى مفاجآت أرمينيا بيليفيلد فى نهائي كأس ألمانيا

باقٍ 28 يومًا.. موعد الانقلاب الصيفى وبداية فصل الصيف رسميًا

مواعيد مباريات اليوم السبت 24 - 5 - 2025 والقنوات الناقلة


الإسماعيلى يدخل معسكرا مغلقا اليوم استعداداً لمواجهة الجونة بالدوري

ليس مودريتش.. الذكاء الاصطناعى يختار أفضل لاعب وسط فى التاريخ

هتقفل المادة.. نموذج استرشادى فى الفلسفة والمنطق لطلاب الثانوية العامة 2025

فيلمان فقط فى منافسات موسم عيد الأضحى السينمائى 2025

حلمى طولان يكشف سبب التراجع عن تعيين حسام البدرى مدربا للمنتخب فى كأس العرب

محمود الخطيب يتلقى عزاء شقيقته فى قنا

تعرف على مستجدات عودة المعارين للأهلي خلال ميركاتو الصيف

الأهلى يحتفل بـ كأس مصر: أول لقب على الإطلاق لفريقنا النسائي مجرد بداية

مصرع شخص إثر سقوط شجرة عليه فى الشرقية

الأهلى يفوز على وادى دجلة بهدف ويتوج بكأس مصر للكرة النسائية لأول مرة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى