«راوتر شيخ البلد».. زيارة «فيس بوك» لقريتنا

ما إن تبدأ قراءة المجموعة القصصية «راوتر شيخ البلد»، فإنك تواجه مثلما يفعل الراوى عالما شديد البساطة إلى درجة التعقيد، وهناك كاتب يحمل قدرا من الحنين ورغبة فى البحث عما جرى للريف أو للقرية الصغيرة، ضمن تحولات كثيرة تراكمت منذ السبعينيات من القرن العشرين.

عاطف عبيد، فى مجموعته القصصية، يحرص منذ البداية على تأكيد أن ما يكتبه هو من وحى الخيال، على طريقة الأفلام عندما يحاول الكتاب وضع عبارة «أى تشابه بين الأحداث والواقع محض خيال»، فى الواقع فإن عاطف عبيد لا يستطيع إخفاء أنه يكتب عن أشخاص محددين فى مكان وزمان معينين، ثم إنه يختفى أحيانا خلف السخرية، ليغطى على حنين ورغبة فى التقاط تفاصيل عالم القرية المتنوع والملىء بالمفارقات.
المجموعة تضم 31 قصة قصيرة، ترصد التحولات الكبرى فى القرية مع دخول الإنترنت، خاصة «فيس بوك» الأكثر استخداما ومناسبة للمصريين بشكل عام، وفى الريف، حيث يمكن تشكيل مجموعات لتداول النميمة، والأخبار، وهو ما يكشف طريقة تفكير العموم على مواقع التواصل، وبشكل عام هناك مشتركات بين عموم المستخدمين فى مصر، مع خصوصية للقرية.

بين القصص الـ31، الصادرة عن دار بتانة، هناك قصص شديدة القِصر، وأخرى طويلة بشكل ما، وهى أقرب لفصول رواية تقطعها القصص القصيرة، وحتى السخرية لا تخفى محاولات تسجيل قصص من الحنين والشغف ارتباطا بالعالم الضيق والواسع للمشاعر البشرية. ونحن أمام عمل روائى يتخفّى فى شكل قصص، وتربطه عناصر إنسانية وحكايات لا تنجح السخرية فى إخفاء مأساويتها، وقد تكون القصة التى تحمل عنوانها المجموعة «راوتر شيخ البلد» تعبر عن قطاع من الجمهور فى القرية، وكيفية الربط بين دور شيخ البلد وتحويل الراوتر المجانى إلى أداة لجمع المعلومات، من خلال متابعة ما يتابعه أو يناقشه أهل القرية، والفكرة نفسها أن يكون الراوتر هو صدقة جارية على روح شيخ البلد، بينما هى طريقة لاكتشاف التفكير الجماعى لأهل القرية وتعاملهم مع «الواى فاى»، وإدارة مشكلاتهم ومحاولة التلصص، بل والشكوى من ضعف الشبكة.

وبالرغم من أن عاطف عبيد يصدر المجموعة بعبارة: «لا تبحث عن هذه القرية على خرائط جوجل»، فإنه يتخذ من جوجل حيلة لبناء قصة تحمل الكثير من التفاصيل، وتشير إلى أن مشروع الرواية نفسه قائم داخل المجموعة، وأنه يمكن أن يتم باستبعاد بعض القصص شديدة القصر، ففى قصة « فوزية» يختبئ خلف جوجل ليبدأ فى بناء تتابع للأماكن والنقاط المرتبطة بالذكريات فى عقل الراوى، ويتتبع النقاط والأماكن حتى يصل إلى الختام «هناك ترقد فوزية إلى الأبد»، وفى قصة «الحمير» يرصد علاقة تعقيدات الغريزة، بمشكلات الزواج والربط والسحر، والتشابك الكبير وصولا إلى قتل الساحر لإخفاء السر، وفى قصّة «مفرمة الموبايلات القديمة»، وفى قصة «تنظيم السيدة الشقراء» هناك محاولة لبناء خيالات وصور عن غرائز المراهقين.

فى «راوتر شيخ البلد» نحن أمام زخم من الحكايات التى تتخذ أحيانا شكل السخرية، وتخفى عالما من الحكايات لا يمكن إخفاءها، ومنذ البداية فى قصة «نظارة طبية» حتى «يوميات موسى مهدى» تتواصل محاولة رسم حجم وشكل التحولات التى تشهدها القرية، من ظهور السفر أو التليفزيون أو الإنترنت، وتتلخص فى قصة «4 دراجات»، التى تبدأ من قصة سقوط طائرة فى حرب 1973 بالقرب من قرية الراوى، وحتى دخول الإنترنت، حيث تفاصيل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التى تؤكد المعنى الروائى فى مجموعة تدور فى قرية بمحافظة كفر الشيخ، وتلخص عالم وسط الدلتا بتفاصيله.