جمال عبد الناصر يكتب: من يدير الثقافة ويصنع الوعي في بر مصر؟

وزير الثقافة د. احمد فؤاد هنو
وزير الثقافة د. احمد فؤاد هنو
كتب : جمال عبد الناصر

هجوم كبير يواجهه وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، ومعه رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة اللواء خالد اللبان بسبب الفهم الخاطئ من البعض في إغلاق المواقع الثقافية في بعض المحافظات، ومازالت الأزمة مستمرة والهجوم مستمرا.

يا سادة.. إغلاق المواقع الثقافية في بعض المحافظات ليس سوى وجه من أوجه أزمة أعمق، تتعلق بمن يُدير الثقافة وكيف تُدار؟ وعلينا أن نسأل بجرأة: هل نريد ثقافة تُشكّل الوعي، أم نكتفي بثقافة تزين التقارير السنوية؟ هل نُدير الثقافة كأنها مشروع وطني، أم كأنها وظيفة روتينية؟ حين نُجيب على هذه الأسئلة بشفافية، قد نجد بداية الطريق نحو ثقافة حقيقية، عادلة، وقادرة على أن تُصبح أداة للتغيير، لا مجرد شعار.

أنا مع الوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو ومع سيادة اللواء في إغلاق المواقع التي لا جدوي منها ولا عائد ثقافي لمن هم حولها من الجماهير، ونحن من فترة كنا نعاني في مصر من مفارقة مؤلمة، فالدولة تمتلك بنية تحتية ضخمة من قصور الثقافة، والمكتبات العامة، والمسارح، والمراكز الشبابية التي يمكن أن تتحول إلى بؤر إشعاع حضاري، ولكن من جهة أخري نري بعض المواقع الثقافية في محافظات مختلفة مجرد مبانٍ خاوية من النشاط أو الجمهور، والسؤال الذي يجب أن يُطرح هنا ليس فقط : لماذا تُغلق هذه المؤسسات؟ بل من يُديرها؟ وما مفهومنا أصلًا عن إدارة الثقافة في مصر؟

الثقافة ليست مبنى بل مشروع وقيادة، وفي التجارب الدولية التي نجحت تم فيها ربط الثقافة بالتنمية، كانت الإدارة الواعية للمؤسسات الثقافية هي العامل الفارق، فالثقافة ليست مجرد «نشاط» ولا «ميزانية»، بل هي مشروع مجتمعي يهدف إلى إعادة تشكيل وعي الناس، وتوسيع خيالهم، ورفع ذائقتهم. وهذا المشروع لا يمكن أن يقوده موظف يؤدي وظيفته كروتين يومي، بل يحتاج إلى مدير مثقف أولًا، صاحب رؤية ثانيًا، ومؤمن بقيمة ما يقدمه ثالثًا.

مدير المكان الثقافي الناجح ليس من يملأ الاستمارات ويُغلق الأنوار في السادسة مساءً، بل من يفتح باب المؤسسة على اتساعه أمام الناس، من يُحسن استقطاب الكفاءات، من يدرك احتياجات المحيط الاجتماعي، ويصوغ برامج تستجيب لهذه الاحتياجات، وهذا المدير يجب أن يكون على دراية بالمشهد الثقافي المصري، يعرف الفرق بين جمهور الريف والحضر، بين الطفل والمراهق، بين الأمية البصرية واللغوية، وبين التلقي النخبوي والشعبي.

تكرار مشهد قاعات العروض الخالية في قصور الثقافة لا يمكن تفسيره فقط بضعف التسويق أو بعد المسافة، بل هو نتاج ضعف الإدراك بوظيفة الثقافة ذاتها، ففي بعض الأحيان تتحول المؤسسات إلى أماكن مغلقة بيروقراطيًا أكثر مما هي منصات حوار أو خلق، وفي غياب الرؤية الثقافية، تصبح الأنشطة تكرارًا مملًا لما تم تقديمه من عقود، وتتحول العروض إلى "واجب وظيفي" بدلاً من أن تكون لقاءً حيًا بين الفكرة والناس.

ولا يمكن إنكار أن نقل الفعاليات الثقافية إلى المركز (القاهرة أو العاصمة الإدارية) دون أن يكون هناك مقابل حقيقي في الأطراف والمحافظات، يخلق فجوة خطيرة بين المركز والهامش، فالثقافة ليست رفاهية تُوزع حسب التمويل، بل هي حق اجتماعي، لا يقل أهمية عن الصحة والتعليم، ولكي تصل الثقافة إلى مستحقيها، لا بد أولًا من إعادة النظر في فلسفة إدارتها، فلا يمكن ترك الأمر بالكامل لموظف محلي، أو أن يتحكم في مصير مؤسسة ثقافية مَن لا يقرأ كتابًا في العام، فالحل لا يبدأ بميزانية، بل بـاختيار الكفاءات المؤهلة ثقافيًا وإداريًا، وتدريبها على فهم العلاقة بين الثقافة والتنمية.

كما يجب إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار الثقافي، فالمكان الذي يُبنى دون حوار مع أهله، لا يمكن أن يخاطبهم بصدق، ويجب أن تستوعب خطط الثقافة في المحافظات خريطة الجمهور، ونمط حياتهم، وميولهم، ومستويات وعيهم، لا أن تُفرض عليهم فعاليات لا تعنيهم ولا تمس واقعهم، وهنا مربط الفرس في إدارة الثقافة وصناعة الوعي في بر مصر.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى