فتاوى الحج.. حكم تلبية الدعوة إلى مأدبة طعام للعائد من الحج "النقيعة"

فتاوى فريضة الحج
فتاوى فريضة الحج
كتب لؤى على

ما حكم تلبية الدعوة إلى الوليمة للعائد من الحج ؟ فأحد جيراني أنعم الله عليه بأداء فريضة الحج، وعاد إلى أرض الوطن بالسلامة، وعزم على إقامة وليمة في بيته بهذه المناسبة، ودعاني إليها. فما حكم إجابة تلك الدعوة؟ وهل عليَّ حرج إذا لم أحضر؟، سؤال ورد لدار الافتاء وجاء الجواب كالآتى :يستحب إجابة دعوة الجار الذي عاد من الحج إلى مأدبة طعام (النقيعة)؛ لما في ذلك من البر والصلة، ومشاركته فرحته بأداء ركن الإسلام الأكبر، وإدخال السرور على قلبه، وكل ذلك مما ندبت إليه الشريعة الغراء، ورغَّبت فيه، ورتَّبت الثواب عليه، ولا حرج عليك إذا تخلفت عن إجابة الدعوة.

بيان المراد بالوليمة

الوليمة: اسمٌ لكل طعامٍ يُتَّخَذُ لِجَمْعٍ مِنَ النَّاسِ، وقد يراد بها طعامُ الْعُرْسِ خاصةً، والجمع ولائِم، وَأَوْلَمَ أي: صَنَعَ وَلِيْمَة؛ كما في "المصباح المنير" لأبي العباس الفيومي .

وطعام القادم من السفر يقال له: (النَّقِيعَةُ)، وهي مشتقة من النقع وهو الغبار؛ لأنَّ المسافر يأتي وعليه غبار السفر، وتطلق على الطعام الذي يصنعه القادم من السفر أو يصنع له؛ كما في "لسان العرب" للعلامة ابن منظور.

وقد فرَّق الحنابلة بين أن تُصنع من القادم فأسمَوْها: "التحفة"، وبين أن تُصنع له فأسمَوْها: "النقيعة"؛ كما في "شرح منتهى الإرادات" للإمام البهوتي .

حث الشرع على تلبية الدعوة إلى الولائم وبيان ثواب ذلك


قد حثَّ الشرع الشريف على تلبية الدعوة إلى الولائم وإجابة الداعي؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ، فَلْيُجِبْ» أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.

وعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» أخرجه مسلم في "الصحيح" واللفظ له، والإمام أحمد في "المسند".

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ» أخرجه مسلم في "الصحيح".

وأخرج أيضًا بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ». وقوله: «فَلْيُصَلِّ» محمولٌ عند جمهور الشراح على المعنى اللغوي؛ وهو: الدعاء، ومنه: قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 103]؛ فيكون المعنى: "فليَدْعُ لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك"؛ كما في "شرح الإمام النووي على صحيح مسلم" .

وفي تلبية دعوة المسلم إدخالٌ للسرور على قلبه، وصلةٌ للأرحام، وجبرٌ للخواطر، وتطييبٌ للنفوس، وتأليفٌ للقلوب بكسب المحبة والمودة، ومشاركةٌ للمسلم في فرحه بعودته من حجته مغفور الذنب إن شاء الله، وكل ذلك من البِرِّ المأمور به.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله عز وجل؟ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ» أخرجه الطبراني في "معاجمه"، وابن بشران في "أماليه".

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" : [«مَثَلُ الْمَؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ... إلى آخره» هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه] .

حكم تلبية دعوة النقيعة للعائد من الحج وأقوال الفقهاء في ذلك


قد ذهب عامةُ فقهاء الحنفية والشافعيةُ في الصحيح والحنابلةُ إلى سُنِّيَّةِ واستحبابِ تلبية دعوة النقيعة.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على رد المحتار" : [قوله: (دُعي إلى وليمة) هي طعام العرس، وقيل: الوليمة اسم لكل طعام، وفي "الهندية" عن التمرتاشي: اختُلف في إجابة الدعوى: قال بعضهم: واجبٌ لا يسع تركها، وقال العامة: هي سنةٌ، والأفضل أن يجب إذا كانت وليمةً، وإلا فهو مخيرٌ، والإجابة أفضل؛ لأن فيها إدخال السرور في قلب المؤمن... وفي "البناية": إجابة الدعوة سنة؛ وليمة أو غيرها] .

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" في حكم تلبية غير دعوة العرس: [(و) في (غيرها مستحبة) لخبر "الصحيحين": «إذَا دُعِيَ أَحَدُكَمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا»].

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" : [(والإجابة إليها) أي: الدعوات غير الوليمة (مستحبة)؛ لحديث البراء مرفوعًا: "أَمَرَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي" متفق عليه. وأدنى أحوال الأمر: الاستحباب، ولما فيها من جبر قلب الداعي، وتطييب خاطره].

وذهب المالكية في المنصوص عندهم إلى أنَّ تلبية الدعوة إلى "النقيعة" مكروهة، وذهب الإمام ابن رشد إلى إباحتها من غير حرج في التخلف عنها.

قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" : [ووجوب إجابة الدعوة والحضور: إنما هو لوليمة العرس، وأما ما عداها فحضوره مكروهٌ، إلا العقيقة فمندوبٌ؛ كذا في "الشامل"، والذي لابن رشد في "المقدمات": أنَّ حضور الكل مباحٌ إلا وليمة العرس فواجبٌ، وإلا العقيقة فمندوبٌ، والمأدبةُ إذا فُعلت لإيناس الجار ومودته فمندوبةٌ أيضًا، وأمَّا إذا فعلت للفخار والمحمدة فحضورها مكروه].

ومقتضى ذلك: أن وجه الكراهة عندهم في تلبية دعوة النقيعة: هو ما يُظن اشتمالها عليه من مقاصد مذمومة كالمحمدة والافتخار ونحوه. فإذا اشتملت على مقاصد محمودة؛ كشكر الله تعالى، وإطعام الطعام، والتودد، وتأليف القلوب: فإنه يستحب إجابتها؛ لاندراجها حينئذ تحت ما نصوا عليه من استحباب إجابة المأدبة إذا اشتملت على تلك المقاصد. وأما إذا فعلت من غير قصد مذموم أو محمود: فإن تلبيتها تكون مباحة.

قال العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" : [وقال في "جامع الذخيرة": مسألة فيما يؤتى من الولائم، ثم قال صاحب "المقدمات": هي خمسة أقسام: واجبة الإجابة إليها وهي وليمة النكاح، ومستحبة الإجابة وهي المأدبة وهي الطعام يعمل للجيران للوداد، ومباحة الإجابة وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة للمولود والنقيعة للقادم من السفر والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس والإعذار للختان ونحو ذلك، ومكروه وهو ما يقصد به الفخر والمحمدة لا سيما أهل الفضل والهيئات] .

الخلاصة


بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يستحب لك إجابة دعوة جارك الذي عاد من الحج؛ لما في ذلك من البر والصلة، ومشاركته فرحته بأداء ركن الإسلام الأكبر، وإدخال السرور على قلبه، وكل ذلك مما ندبت إليه الشريعة الغراء، ورغَّبت فيه، ورتَّبت الثواب عليه، ولا حرج عليك إذا تخلفت عن إجابة الدعوة.

لمزيد من الفتاوى عن أحكام الحج اضغط هنا..

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

عمرو جمال يجدد تعاقده مع حرس الحدود لمدة موسمين

فات الميعاد الحلقة 11.. أسماء أبو اليزيد تنجب طفلة وأحمد مجدي يزورها

وسام أبو علي يزين قائمة النجوم الأعلى تقييماً فى كأس العالم للأندية

الأمير هارى وميجان فى قلب خطط جنازة الملك.. تليجراف: تشارلز يريد لم الشمل

برشلونة يهدد استمرار كانسيلو مع الهلال السعودي


صوم الرسل 2025.. أقدم صوم فى الكنيسة الأرثوذكسية.. موسم روحى يحمل بركة التقديس والاستعداد للخدمة.. والقس مقار: الامتناع عن تناول اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان والسماح بالأسماك..وهذه الأصوام المتبقية

حاكم كاليفورنيا يقاضي فوكس نيوز ويطالب بـ787 مليون دولار..وترامب كلمة السر

66 شهيدا من أطفال غزة بسبب الجوع نتيجة للحصار الإسرائيلي على القطاع

جونزالو يثير مخاوف إندريك فى ريال مدريد بسبب مونديال الأندية

موعد انطلاق الدوري المصري موسم 2025 - 2026


بريانكا تشوبرا: ابنتي تعتقد أن اسمها مستوحى من أميرات ديزني وتعطي نفسها لقب موانا

ميلان يوجه الشكر لـ جواو فيليكس بعد نهاية فترة استعارته من تشيلسي

الزمالك يقطع الطريق على الأهلي فى صفقة أسامة فيصل.. اعرف التفاصيل

ياسين بونو أفضل لاعب عربي فى مجموعات مونديال الأندية 2025

مي فاروق تحتفل بتخرج ابنتها زينة: "أحلى لحظة في حياتي".. صور

مواصفة امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة بالنظامين القديم والجديد

الإصابة تنهى مشوار سالم الدوسري مع الهلال في كأس العالم للأندية

محمد الشامي ينتظم في مران المصري بعد التعافي من الصليبي

إعلام فلسطينى: 16 شهيدا جراء هجمات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم

3 نقاط تُبرز ثورة تشابي ألونسو مع ريال مدريد فى 18 يومًا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى