أزياء مصر.. نسيج وهوية.. تاريخ المصريين مع "ملابسهم" من الفراعنة إلى العصر الحديث.. خبراء يقدمون روشتة للحفاظ على "تراث الزي".. واليوم السابع يطلق مبادرة "توب الهوية.. للحفاظ على أزيائنا المصرية"

في رحلة الشعوب الممتدة عبر الزمان، لا يبقى من التاريخ إلا ما يرسّخ في وجدان الناس، وما يتجسد في تفاصيل حياتهم اليومية، ومن بين هذه التفاصيل، تبقى الأزياء أكثر من مجرد قماش يُلبس، إنها ذاكرة وهوية.
ومصر، بتاريخها الضارب في القدم، ليست كأي بلد، فهي الأرض التي احتضنت واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ الإنساني، حضارة لم تكن يومًا مجرد آثار على جدران المعابد، بل كانت نمط حياة معاشة، لا تزال بعض ملامحها باقية في وجدان المصريين إلى اليوم.
وما يثير الدهشة والإعجاب أن المصريين ظلوا، لآلاف السنين، يعيشون وفق روح تلك الحضارة، بتناغم وتواصل بين الأجيال، لكن، في العقود الأخيرة، بدأت العولمة تهدد هذا التواصل، وصار الخطر الأكبر موجهًا إلى الهوية المصرية، ومن أبرز مظاهر هذه الهوية الأزياء التقليدية.
رغم تنوع الأزياء في مصر، ما بين الصعيد والدلتا، بين البدو والحضر، بين القرية والمدينة، فإن ثمة سمة مصرية أصيلة توحد هذا التنوع، فعندما ترى هذه الأزياء، تشعر فورًا بعبق الأرض، وتدرك أنها تنتمي إلى هذه التربة الطيبة.
لكن هذا التنوع الثري بات مهددًا بالاندثار لأسباب ثلاثة:
• التأثير الخارجي منذ سبعينيات القرن الماضي، حين سافر عدد كبير من المصريين للعمل في الدول العربية، ثم عادوا محملين بثقافات وأنماط ملبس مختلفة، وبدأوا في تعميمها بوصفها نموذجًا للتدين، متناسين أن كل بيئة لها ما يناسبها، وأن الخصوصية الثقافية لا تتناقض مع الدين، بل تعززه.
• سطوة العولمة الغربية، التي فرضت ثقافتها على المجتمعات، وارتبطت عند البعض بمفاهيم "التحضر" و"التمدن"، فصار الانسياق وراء الأزياء الغربية نوعًا من التطور، على حساب فقدان الطابع المحلي، ما يستدعي مواجهة واعية لحماية ما تبقى من خصوصيتنا.
• تفكك الخصوصية المحلية، حيث لم يعد الزي التقليدي محل فخر واعتزاز كما كان في السابق، وخصوصًا لدى النساء، حيث تراجعت الألوان الزاهية وهيمنت العباءة السوداء، التي تحوّلت إلى رمز كئيب، يوحي بالحزن، ويفرض حالة من الفقد المستمر.
ولذلك.. نفتح هذا الملف المهم تحت عنوان: "الأزياء المصرية بوصفها هوية"، لنُعيد النقاش حول معنى الزي، ودوره في التعبير عن الإنسان والمكان، قبل أن نتحول إلى مجرد أفراد نرتدي ما يُفرض علينا، دون وعي أو تميّز.

الأزياء فى مصر القديمة.. وسيلة لاستعراض الهيبة والجمال
تعد مصر من أولى الحضارات بالعالم التي اهتمت بتصميم الأزياء سواء للنساء أو للرجال، والتي كانت مصممة لتلبى الاحتياجات الخاصة بتغير المناخ خاصة ارتفاع درجات الحرارة، ولتعبر عن المكانة الاجتماعية والثقافية للأفراد، كما تم تطوير الأزياء عبر العصور الفرعونية المختلفة سواء فى نوع النسيج وتطور صناعته.
وقسمت الأزياء المصرية كالتالي:
الطبقات البسيطة: ارتدين فساتين بسيطة تُعرف بـ"الكلابيس"، وهي ضيقة وتغطى الجسم بالكامل.
الطبقات العليا: ارتدين فساتين ذات تصميم أكثر تعقيدًا، أحيانًا مع أشرطة أو أقمشة شفافة فوقها.
الملكات: لبسن ملابس فخمة مصنوعة من الكتان الفاخر ومزينة بالمجوهرات.
طريقة تصنيع الملابس وصباغتها
أولى مراحل صناعة "الغزل" عند المصري القديم كانت تتمثل فى سحب ألياف الكتان لتبرم خفيفا على اتجاهها الطولى، وذلك للحصول على خيوط مبرومة من الكتان، وفقا لما ذكره كتاب "الملابس فى مصر القديمة" لـ عمرو حسين.
ثم تأتى ثانى مرحلة وهى "النول" ويعد من الأدوات المهمة التي احتاجها المصرى القديم فى صناعة الغزل والنسيح، وعرف عن المصرى القديم أنه برع فى إنتاج أنسجة غاية فى الروعة والجمال.
وبعد ذلك تأتى مرحلة صباغة الملابس، قد عرف المصرى القديم الصباغة منذ عصور ما قبل الأسرات، وكان من أهم النباتات التى تستخرج منها الأصباغ فى مصر القديمة هو نبات النيلة - Indigo- الذى يستخرج من أوراقه نوعا من الصبغة الزرقاء، وهذه الصبغة استخدمت منذ أقدم العصور فى مصر.
كما عرف المصرى القديم أيضًا تركيبات الألوان لاستحداث ألوانا جديدة باستخدام، ووضع الألوان بعضها على بعض، فاستخدم أكسيد الحديد الأحمر والأصفر، لتكوين لون بنى حيث عثر على قطعة من الكتان بنية اللون عثر عليها فى أحد مقابر الأسرة الأولى فى منطقة طرخان.

أقدم فستان موجودة بالعالم
ويعد فستان طرخان أقدم فستان فى تاريخ البشرية مكتشف حتى الآن، حسبما قال الباحث وعالم المصريات بسام الشماع، مشيرا إلى أن عمره يبلغ 5 آلاف و500 عام تقريبًا، وتم اكتشافه بمقبرة في منطقة اسمها طرخان على بعد 50 كيلو جنوب القاهرة، ويعرض الآن بمتحف "بيتري" ببريطانيا.
وأوضح بسام الشماع، أن العلماء الذين درسوا هذا الفستان أكدوا أنه يعود إلى فتاة صغيرة في السن، يتميز بتصميم بسيط يناسب الحياة اليومية، ويعتقد أنه كان فستانًا عمليًا ولكنه يعكس مهارة ودقة في الحياطة.
وأضاف بسام الشماع أنه عُثر على الفستان في مقبرة "طرخان"، وهي موقع أثري جنوب القاهرة، حيث عُثر على هذا الفستان ضمن مجموعة من القطع الأثرية،كان الثوب محفوظًا بشكل جيد وبشكل ملحوظ.
ولفت بسام الشماع، إلى أن الفستان أصبح معروفًا ليس فقط بأنه أقدم فستان في مصر، ولكن أيضًا بأنه أقدم فستان منسوج موجود بالعالم، كما أن الفستان يقدم شهادة على براعة المصريين القدماء في صناعة النسيج والتصميم، كما أنه ساهم في فهم تطور الأزياء والأنماط الحياتية في مصر القديمة.
من أهم الملكات التى اهتمت بالأزياء
كانت كليوباترا آخر ملوك البطالمة في مصر، واشتهرت باستخدام مظهرها لتعزيز سلطتها السياسية وكسب احترام حلفائها.
ودمجت بين الأزياء المصرية التقليدية والعناصر الإغريقية، ما عكس مزيجًا من الثقافتين، وارتدت الملابس المزخرفة بالذهب والحرير، والتي كانت تشير إلى عظمتها كملكة، وفقا لما ذكره كتاب " كليوباترا: حياة" بقلم ستاسي شيف.
وكانت ترتدي تيجانًا ذهبية وأكسسوارات فاخرة تُبرز مكانتها، واشتهرت باستخدام العطور ومستحضرات التجميل بكثرة لتزيد من جاذبيتها.
ولم تكن الأزياء مجرد مظهر خارجي بالنسبة للملكات المصريات؛ بل كانت وسيلة لعرض القوة والجمال والهيبة الملكية. وكانت تفاصيل الملابس والمجوهرات، وحتى المكياج تحمل رمزية قوية وتعبر عن مكانة الملكة ودورها في المجتمع.

ملامح تطور الأزياء المصرية من العصور القبطية إلى الحقبة الإسلامية
مع انتهاء عصر الفراعنة، ودخول الإغريق إلى مصر، شهدت الأزياء المصرية تأثيرًا واضحًا من الطراز الإغريقي، حيث أصبح الناس في تلك الفترة يرتدون ملابس مشابهة تمامًا للأزياء اليونانية، فقد ظهرت النساء بفساتين طويلة ومزخرفة، بينما تميزت أزياء الرجال باستخدام الأحزمة الذهبية التي كانت تضيف طابعًا من الأناقة والفخامة على مظهرهم.
ومع مرور الزمن، تأثرت الأزياء المصرية بالحضارتين الرومانية والبيزنطية. فظهرت الملابس الواسعة ذات الأكمام الطويلة، والتي تميزت بتنوعها الكبير، وتم استخدام الأقمشة المزخرفة والألوان الزاهية، بالإضافة إلى الأقمشة الثقيلة مثل الصوف، الحرير، والقطيفة.
الأزياء في العصور القبطية
أما في العصر القبطي، فقد ارتدى الأقباط عباءات كانت شائعة الاستخدام في الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية. وتنوعت تلك العباءات بين السادة والمزخرفة، وارتُديَت داخل المنازل وخارجها، وكان منها ما يوضع أحيانًا فوق الرأس، وقد تكون مستطيلة أو مستديرة الشكل، وتُثبت غالبًا على الكتف الأيمن باستخدام مشبك. وكانت تُصنع غالبًا من الصوف وتُستخدم بأشكال متعددة.
كما ظهرت "الملفحة" أو "الكوفية" وهي قطعة من القماش الفضفاض، شبيهة بالشال، تُغطى بها الرأس وإحدى الكتفين، ثم تُلف ببقية أجزاء الجسم، وقد استُخدمت بشكل أوسع بين النساء، لكنها كانت أيضًا تُعد عباءة للخروج للرجال والنساء، وهي عبارة عن قطعة مستطيلة من الصوف أو الكتان تُعلّق على أحد الكتفين.
من الأزياء البارزة أيضًا في هذا العصر كانت "الباليوم"، وهي عباءة تنسدل من الكتف الأيسر إلى الأمام، وتُعاد من الخلف من أسفل الذراع الأيمن، وتُثبت على الكتف الأيمن ثم تُرمى فوق الذراع الأيسر. أصبحت هذه العباءة زيًّا دينيًا هامًا، إذ استخدمها البطاركة في الكنيسة، بينما كانت تُقابلها عباءة مشابهة تُعرف باسم "البالا" لدى النساء.
ومن الملاحظ أن التونيك والعباءة غالبًا ما كانا يُنفّذان بنفس اللون، مما يرجح أنهما كانا يُصنعان في نفس الورشة وفي ذات الوقت، بينما في بعض الأمثلة الأخرى ظهرت العباءات بألوان متناسقة مع التونيك، إما أغمق أو أفتح، مما يعكس مستوى التطور في ورش العمل والنسيج في تلك الحقبة.
لم تقتصر الأناقة في العصر القبطي على الأزياء فقط، بل كانت مكملات الملابس جزءًا لا يتجزأ من الهيئة العامة للزي. فقد اعتُبرت الأقراط والدلايات من الإكسسوارات الأساسية، وظهر اهتمام المرأة القبطية بشكل كبير بالأناقة، حيث استخدمت أنواعًا عديدة من الحُلي كالخواتم المرصعة بالجواهر، الصلبان، المشابك، الأحزمة المزينة، دبابيس الشعر، والأساور. وقد تأثر هذا الثراء في الزينة بانتشار صناعة الحلي التي أضفت طابعًا من الفخامة على المظهر العام.
وغالبًا ما كانت تُصوَّر النساء في تلك الفترة وهن يرتدين الأقراط والعقود، وحرصت سيدات الطبقة الأرستقراطية على اقتناء الحلي الثمينة التي كانت دليلاً على الثراء والمكانة الاجتماعية. وقد عُثر بالفعل على مجموعة من الحلي الذهبية العائدة لإحدى نساء الطبقة الراقية في الواحات البحرية، وتضمنت أقراطًا، عقودًا، أساور، ومكاحل مصنوعة من العظم أو الخشب أو العاج.
الأزياء في العصور الإسلامية
ومع دخول الإسلام إلى مصر، طرأ على الأزياء تغير واضح تأثرًا بالمبادئ الإسلامية التي ركزت على الاحتشام والتواضع، فارتدى الرجال الجلابيب الطويلة والعمائم، بينما ارتدت النساء الحجاب والعباءات الطويلة، وتميزت أزياء تلك الفترة بالأقمشة الفاخرة كالقطن والكتان، وتزيّنت بالألوان الزاهية والتطريزات الفخمة.
تفنن الأمويون في ارتداء الأقمشة المنقوشة والمطرزة، وكانوا يميلون إلى الملابس التي تعكس الرقي والذوق الرفيع، حتى وإن ارتدوا ملابس مستوحاة من الطراز الروماني، فقد حافظوا على العمائم والسيوف كرموز للهوية. كما أن حكام تلك الفترة ارتدوا ملابس حملت تطريزات ملونة بخط عربي في أطرافها.
وكانت الملابس في العصور الإسلامية تعكس مكانة الشخص الاجتماعية والسياسية، فكان بعض رجال الدولة يختارون أن تُفصل ملابسهم في نفس الأماكن التي تُفصل فيها ملابس الخلفاء، وهذا يعكس مدى أهمية الزي في تلك الحقبة. كما كان الخلفاء يصادرون ملابس رجال الدولة عند حدوث خلافات، تمامًا كما كانوا يخلعون عليهم الملابس الفاخرة في حال الرضا.
وكانت لأغطية الرأس، مثل العمائم، أهمية كبيرة، خاصة لدى القضاة الذين ارتدوا أكبر أنواع العمائم تعبيرًا عن مكانتهم، وكانت تُخلع عليهم عند توليهم مناصبهم القضائية. وكان إرخاء طرف العمامة من علامات الرفعة، ولم يكن يُسمح بارتدائها في المواكب الرسمية إلا للخليفة أو الوزير.
وفي العصر الفاطمي، تطور الزي تطورًا ملحوظًا في مصر. فقد اهتم الفاطميون بأن تُعبر ملابسهم عن مذهبهم الشيعي، وكذلك عن الثراء الكبير الذي كان يميز عصرهم. ونظرًا لاهتمامهم بالأعياد والاحتفالات، فقد خصص الحكام ملابس فاخرة ومميزة لكل مناسبة، ما عكس الطابع الاحتفالي والتفاخر في الأزياء.
وبالنظر إلى تطورات الزي الإسلامي خلال العصور الوسطى وحتى القرن السادس عشر، نلاحظ تغيرات جذرية. فبعد مرحلة البساطة في صدر الإسلام، تسلل الترف تدريجيًا إلى الأزياء نتيجة الفتوحات، واختلاط الثقافات، وتدفق الأموال، وتطور صناعة النسيج. وبدأ الناس يرتدون الأقمشة الفاخرة كالحرير والستان، وكل ما توفر من خامات ترفيهية.
وفي العصر المملوكي، كانت الأزياء تعكس الفخامة والثراء بشكل واضح. فقد ارتدى المماليك ملابس معقدة التصميم ومزخرفة، واستُخدمت فيها الأقمشة الفاخرة كالحرير والمخمل، وتم تزيينها بخيوط الذهب والفضة، وكان الزي يعكس مكانة الشخص وهيبته داخل المجتمع.
أما في العصر العثماني، فقد تأثرت الأزياء المصرية بالطراز العثماني، فارتدى الرجال القفاطين، العمائم، السراويل الواسعة، والسترات الطويلة. بينما ارتدت النساء البراقع والفساتين الطويلة ذات الأكمام، وتزيّنت ملابسهم بالتطريزات الغنية المعقدة، والألوان الزاهية، مع استخدام الأقمشة الفاخرة مثل الحرير والساتان.
مثقفون ومتخصصون يقدمون روشتة الحفاظ على تراث أزياء مصر
ترتبط الأزياء بالهوية المصرية، فكلما حافظ المجتمع على أزيائه القديمة كلما عبر بشكل أساسي وواضح عن هويته الثقافية القديمة وتأثره وارتباطه به، وهناك عدد كبير من المثقفين والمختصين في التراث الشعبي القديم الذين قدموا اهتماما بالغا حول أهمية الأزياء المصرية القديمة وارتباطها بالهوية المصرية، حيث تواصلنا مع كل من الشاعر مسعود شومان، والدكتور والباحث حارص عمار النقيب، وأستاذ الأدب الشعبي الدكتور خالد أبو الليل، والدكتورة علا الطوخي إسماعيل، والذين تحدثوا عن أهمية الأزياء وكيفية الحفاظ على الهوية المصرية القديمة والحفاظ على الأزياء من خلال عدد من الطرق المختلفة.
مسعود شومان: يجب إعداد أطلس للأزياء يراعي المناطق الثقافية
قال الشاعر والمتخصص في التراث الشعبي الدكتور مسعود شومان، إن الهوية المصرية تتسم أولًا بالتنوع في إطار الوحدة، حيث إن مصر من أغنى الدول في العالم التي تتسم ثقافتها بالتنوع سواء على مستوى الأطعمة أو العادات والتقاليد أو الممارسات أو المعتقدات وكذلك على مستوى الأزياء، والأزياء تتمع بخاصية يطلق عليها علميا خاصية "إيكولوجية" وهي التي لها علاقة بالبيئة كطبيعة مناخية، بمعنى أن الزي الخاص بهم يصلح للمناخات المختلفة، إذا كانت منطقة ثقافية صحراوية أو جبلية ستجد بها تناثلات، فعند معظم البدو في مصر تجد أن هناك لا يزالون يحتفظون بالزي البدوي المعروف، وهو ما وجدته خلال زيارتي الأخيرة بشمال سيناء، والتي تطلبت مجموعة من اللقاءات مع بدو أهل سيناء الذين وجدتهم يحتفظون بهويتهم وملابسهم التقليدية.
وتابع مسعود شومان في تصريح خاص لـ "اليوم السابع"، وكنت مؤخرا في رحلة إلى منطقة حلايب وهناك وجدت معظم أهالي المنطقة أيضًا لا يزالون يرتدون الأزياء الخاصة بهم والمكون من الجلباب والسديري، وبذلك لا تزال هناك بعض الأماكن تحتفظ بزيها، لكن عددا كبيرا من الأماكن تخلى عن زيه، وهو ما يندرج تحت مسمى أو بهدف "العولمة"، والتي تعد أحد الأسباب الكبيرة التي يجب أن نواجهها، خاصة لأنهم يصلوان إلى ما يسمى بخلق نسخ تكرارية من البشر، وكأن البشر جميعًا مخلوقون من جهاز أو مكنة واحدة فأصبحوا نسخ تكرارية في الطعام والزي فيسهل من هنا السيطرة وفرض الثقافة الأنجلوسكسونية على المجتمعات، خاصة المجتمعات التي تتمع بخصوصية خاصة.
وأضاف شومان، ولمواجهة ذلك هناك عدد من الخطوات التي يجب اتباعها أولها وأهمها أنه يجب على المصري أن يحترم زيه، خاصة أن هناك ما يسمى بالـ "تنمر" فتجد أهل القاهرة مثلا يتنمرون على أهل الصعيد ويطلقون مصطلحات مختلفة مثل "رجل جلابية"، وذلك التندر يجعل المواطن يتخلى عن طريقة ملبسه التقليدية وأن الملابس أصبحت متعلقة بما يسمى بالمكانة أو المستويات الاجتماعية، فيعتقدون أن من يرتدى بذلة في مكانة اجتماعية أعلى من غيره الذي يرتدي جلباب أو ملابس تقليدية، رغم أن تكلفة الملابس التقليدية كالجلباب أعلى من تكلفة الملابس الجاهزة والمستوردة لأنها تعتمد على الصناعة اليدوية.
وتابع الشاعر مسعود شومان مهم جدًا أن نبدأ في إعداد أطلس للأزياء والذي يراعي المناطق الثقافية، فيشعر أبناء المناطق الشعبية الذين يمتلكون خصوصية أن أزياءهم مقدرة وأن ذلك الزي له خصوصيته، وغالبا معظم الأشخاص الذين يتمتعون بثقافة خاصة وبعيدة محافظون على زيهم باعتباره ما يمنحهم القيمة الثقافية، حيث يعده ليس مجرد زي خارجي إنما يتعلق بالعادات والمعتقدات فعندما يجتمع مع أشخاص آخرين في أماكن ثقافية أو مناسبات اجتماعية يشعر المواطن حينها أن ذلك الزي يعبر عن قيمته العالية.
وأنهى شومان حديثه بأنه يجب علينا أن نؤكد على هذا المعنى من خلال الطرق المختلفة سواء الإعلام أو المحاضرات والندوات الثقافية، وذلك من خلال أطلس الأزياء المصرية بداية من ألبسة الأقدام مرورًا بألبسة الجسد وكذلك ألبسة الرأس، لأن الزي يعد مهما جدًا وله علاقة قوية بالهوية المصرية.
حارص عمار النقيب: الأزياء الشعبية بصمة تميز كل دولة عن أخرى
وعلى جانب آخر قال الدكتور والباحث في التراث الشعبي حارص عمار النقيب، في تصريح خاص لـ "اليوم السابع" إن الأزياء الشعبية تعتبر بصمة تميز كل دولة عن أخرى، ومزيج من التراث الشعبي المتوارث عبر قرون طويلة جدًا، والأزياء الشعبية تحمل في طياتها العوامل المؤثرة فيها مثل العوامل الطبيعية الموجودة في البلد مثل المناخ الذي يؤثر بشكل مباشر على تصميمات الأزياء وعلى خاماتها، فعندما نتحدث عن الصعيد سنجد أن الأزياء الشعبية الموجودة في الصعيد تتميز بتصميمات وخامات محددة لتتأقلم مع مناخ الصعيد وهو ما نسميه المناخ الصحراوي الحار الجاف، ولذلك فإن الأزياء الموجودة في فصل الصيف تتميز بالألوان الفاتحة الواسعة على شكل "مخروط" كنوع من التهوية.
وتابع الدكتور حارص عمار أن تصميم تلك الأزياء متقارب بشكل كبير مع البناء الذي يتميز بنفس الشكلي المخروطي والذي يساعد على التهوية الجيدة، على عكس الشتاء الذي تتسم ملابسه بالألوان الغامقة وصغيرة على الجسد حتى تمتص حرارة الشمس وتزيد من تدفئة الجسد.
وأضاف الدكتور حارص عمار النقيب: لقد استمرت التصميمات بالخامات المصنوعة محليًا أو المستوردة ولكنها خامات طبيعية ومنها القطن والكتان الخفيف أو الصوف، وهم الخامات الثلاثة الطبيعية واستمر الحال هكذا حتى مطلع القرن الـ 18، وخلال القرنين الـ 18 والـ 19 بدأ دخول منتجات أجنبيه، ومع بداية القرن الـ 20 ومع تطور الصناعات البتروكيماوية وظهور المنسوجات الصناعية، بدأت تحل بالتدريج محل المنسوجات الطبيعية خاصة في منطقة الصعيد وذلك يرجع إلى ترويجها من قبل الدول المصنعة والمنتجة مثل الصين ودول الغرب، بالإضافة إلى قلة تكلفتها مقارنة بالمنتجات الطبيعية الأخرى، وفي بدايات القرن الـ 21 ومع ظهور الانترنت والثورة المعلوماتية والتواصل، بدأ الضغط الإعلامي على الملابس يزداد وهو ما جعل الكثير من الأشخاص يستبدلون الأقمشة المحلية بأقمشة مستوردة وإن كانت لا تحمل نفس صفات المحلية.
وتابع الدكتور "حارص" ولم تتأثر الأزياء في كونها أزيار فقط أو كمظهر شعبي، بل كان لها تأثير كبير على صحة الإنسان كذلك؛ بسبب أن المنتجات المستوردة الصناعية لا تتأقلم ولا تناسب مع الظروف المناخية الموجودة في مدن الصعيد، وقد أدى إلى ظهور أمراض جلدية متنوعة ومختلفة، أما من ناحية التصميمات فقد ظهر عليها تغيير إجباري أيضًا بسبب ارتفاع تكلفة الصناعة المحلية والأقمشة المحلية، وهو ما أثر على شكل الملابس حيث قلت كمية وحجم الأقمشة المستخدمة في صناعة القطعة الواحدة وبالتالي أثر على شكل القطعة بعد تصميمها.
وأضاف "النقيب" ومن العوامل التي أثرت بشكل كبير أيضًا على الأزياء هو ارتفاع طبقة المتعلمين، ففي الأمس البعيد كان عدد المتعلمين في مناطق الصعيد 5% فقط، مقابل 95% غير متعلمين وعاملهم الأساسي هو الزراعة، على عكس الوضع الحالي حيث زادت بشكل كبير نسبة التعليم في القرى ومدن الصعيد والريف، وهو ما يتطلب تطورا في طريقة ونظام الأزياء، فلا يمكن أن تذهب الفتاة إلى المدرسة بالعباءة فتجد أصدقاءها يلبسون الزي الرسمي للمدرسة والذي يتكون من بنطال وقميص أو "تي شيرت"، وكذلك الولد لا يمكنه أن يذهب إلى مدرسته بالجلابية كما كان يحدث من قبل، وبالتالي ينشأ الطفل في مراحله الأولى من العمر على عادات جديدة تؤثر بصورة مباشرة على شكل وطبيعة أزيائه.
وأكمل الدكتور حارص، ورغم ذلك إلا أن هناك البعض من كبار السن الذين لا يزالون يتمسكون بتراثهم الشعبي في الأزياء ولكنها تقل يومًا بعد يوم، والأزياء بوجه عام تختلف باختلاف المدن حيث تختلف ملابس الصعيد عن غيرها في الوجه البحري وسيناء ومطروح وغيرهم من المدن الأخرى فكل مدينة لها طابع خاص وزي خاص متوارث حسب عاداتهم وتقاليدهم وحسب طبيعة المناخ في المنطقة.
وحول طريقة الحفاظ على التراث قال الدكتور حارص النقيب، إنه من الصعب أن يتم تقييد منطقة معينة أو أشخاص معينيين بأزياء محددة أو لهجة محددة ولذلك فهناك حل أعمل عليه منذ حوالي 5 سنوات أو أكثر، وهو تسجيل ما بقي من التراث، سواء من خلال الكتب أو الفيديوهات أو الصور، مع شرح أسباب الالتزام بذلك الزي وأسباب تغيره، بالإضافة إلى عمل معارض ومتاحف للأزياء الشعبية والتراثية، وهو موجود في مختلف أنحاء العالم، ففي الولايات المتحدة مثلًا تجد معارض لأزياء الهنود القديمة وكذلك أسلحتهم وكل ما يتعلق بالمجتمع القديم، وبذلك يمكننا عمل معارض أزياء شعبية في القاهرة والمدن المختلفة حيث يمكن لجميع الثقافات المتنوعة الاطلاع على ثقافات المجتمعات والمدن الأخرى دون الحاجة إلى زيارتها، وفي حالة اندثارها وعدوم وجودها يظل هناك مرجع لتلك الفترة وتلك الأزياء التي كانوا يرتدونها في تلك الأماكن.
خالد أبو الليل: متحف "الحياة اليومية" سبيل الحفاظ على تراث المصريين
قال الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة في تصريح خاص لـ "اليوم السابع" إن الأزياء تعد فضلًا عن كونها أحد مظاهر الزينة والشيء الرئيسي للستر، إلا أنها شكل مُعبر بصورة كبيرة عن الهوية الثقافية لأي مجتمع من المجتمعات، ففي تجربة سابقة أثناء زيارتي لدورة النرويج وكانت تلك الفترة تصادف العيد القومي للدولة، وجدة الشعب هو الذي يحتفل بالعيد القومي، بجانب حرص المسئولين عن تنظيم ذلك الاحتفال حتى يخرج في أفضل صورة ممكنة، وما لفت انتباهي أن في هذا اليوم تمارس كل العادات والتقاليد والمعتقدات التي تعبر عن الهوية الثقافية النرويجية من مأكل ومشرب، وذلك بصورة بعيدة تمامًا عن النرويج المعاصرة، حيث أن كل أكلات الاحتفال كانت شعبية وتراثية، وكان أبرز ما يميز الاحتفالات، هو التزامهم بارتداء الزي النرويجي القديم، وهذا الزي بعيد تمامًا عن الزي الحالي للدولة، وتجد الأم هناك حريصة على تصميم فستان لابنتها الصغيرة بطابع الزي النرويجي القديم والتراث التقليدي، فتنشأ الطفلة مدركة قيمة الزي والأزياء التقليدية وتنظر إليها بوصفها معبرة عن هويتها الثقافية وخصوصيتها وقوتها وأن الأزياء ليست مجرد زينة أو غيره.
وتابع الدكتور خالد أبو الليل أن الحالة المصرية مختلفة تمامًا وذلك لكونها حالة شديدة الثراء والتنوع، وهو ما لا يُقابل أحيانًا بالدرجة التي يستحقها من حيث الاهتمام والاحترام، بالعكس قد يُقابل بدرجة من الإزدراء والسخرية والتندر، فعندما نجد من يرتدي جلباب في وسط المارة يطلق عليه "فلاح" بدلًا من النظر إليه باعتباره يرتدي زيًا مصريًا تقليديًا عمره مئات السنين ويعبر عن الخصوصية.
وأضاف "أبو الليل": عندما نتحدث عن المصريين نحن هنا لا نتحدث عن شيء واحد أو نوعية واحدة في إطار عام يلتف الجميع حولها، بل إن لكل منطقة ثقافية خصوصيتها الخاصة سواء في المأكل أو العادات والتقاليد، وهناك أمور مصرية عامة تربط كل المصريين بعضهم ببعض من مختلف الأماكن سواء وجه بحري أو قبلي أو محافظات الصعيد والنوبة وغيرهم، فجميعهم يربطهم إطار عام، وبرغم ذلك فكل منطقة ثقافية منهم خصوصيتها وملامحها الخاصة.
وأوضح الدكتور خالد أبو الليل أن من أكثر المناطق حفاظًا على التراث القديم هي بلاد النوبة، فبرغم حدوث هجرة وترحال وكثرة تنقلهم إلا أنهم انتقلوا بعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم، واجتمعوا في أماكن تجمعهم وتعبر عن أزياءهم.
وتابع الدكتور خالد أن برغم هذا التنوع الشديد والثراء الموجود داخل الحالة المصرية فنادرًا ما تجد متحفًا يهتم بإبراز خصوصية مصر من خلال أزيائها، أو تجميع كل تلك الأشياء لعرضها حتى يعرف الجميع خصوصية المناطق الأخرى، والمجتمعات الأخرى كالفلاحين في الوادي والدلتا أو الفيوم أو المنوفية وغيرهم من المناطق الأخرى، أو النوبة أو غيرها، وهو يتسبب في يوم ما في محو تلك الأثار كما حدث مع بعض الوسائل التقليدية في الزراعة وغيره وغيره ولم تعد موجودة الآن.
وأوضح الدكتور خالد أبو الليل أن طرق الحفاظ على التراث الشعبي المصري فهناك عدة طرق يمكن اتباعها من بينها المتاحف، فقد كان لدينا تجربة فريدة منذ أكثر من عشرون عامًا وقد شاركت بها بعنوان "متحف الحياة اليومية" أو "متحف الحياة المصرية المعاصرة"، حيث نقوم بعمل أرشيف يوزاي الحياة اليومية المصرية في بيت السحيمي، وأتذكر أننا خلال تلك الفترة قمنا بتجميع كم كبير جدًا من الصور ومن بعض التراث الثقافي المصري المادي واللا مادي، وأنا احتفظ بتلك المادة إلى يومنا هذا وأتمنى أن يأتي يومًا من الأيام وأجد متحفا أو مؤسسة قادرة على حماية تلك المادة خاصة أنها مادة اعتبرها في غاية الأهمية، وأنا على استعداد لإهداء تلك المادة في حالة التأكد من الحفاظ عليها واستخدامها بشكل صحيح.
وتابع الدكتور "أبو الليل" ومن جهة أخرى يمكن استغلال السياحة والثقافة والإعلام، فعليهم دور مهم جدًا إلى جانب التربية والتعليم فيجب وجود مناهج دراسية تربط الأطفال بحضارتهم وهويتهم وثقافتهم، فكما نطلعهم ونعرفهم بشخصيات أدبية هامة مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ونجيب محفوظ وعباس العقاد وعبد الرحمن شكري وغيرهم، وهذا أمر واجب، ومن التراث العربي القديم هناك أبو تمام والبحتري وغيرهم، فبالإضافة إلى ذلك علينا أن نعرفهم بالملامح الشعبية والثقافة المصرية من عادات وتقاليد وأزياء وغيرهم من الأشياء التي تعبر عن الهوية المصرية، فعندما يدرسونها في مناهجهم سيبدأون في طرح الأسئلة وحينها سيكون هناك درجة من درجات إحياء العناصر الثقافية التي تتماشى مع روح العصر الحالي.
أما السياحة فهي شكل من أشكال التعريف بالمصريين والزي سيكون بدوره مُروج كبير للسياحة المصرية وسيشهد إقبالًا كبيرًا من السائحين.
وأكد الدكتور خالد أبو الليل أن وسائل الإعلام والتليفزيون أيضًا لهم دور كبير مهم فعندما نشاهد أحد الأعمال الفنية القديمة نوعًا ما نجد حرصهم على إظهار التراث الثقافي الخاص بالمدينة التي يسجلها المشهد، بالإضافة إلى تأكيدهم على إظهار الأزياء التي تعبر عن البهجة وهو امتداد للمصري القديم الذي اتسم بالبهجة وظهر ذلك في ملابسه وأزيائه الزاهية، فمن خلال الأزياء يمكنك معرفة الحالة النفسية للأشخاص سواء كانوا في حالة حزن أو سعادة وإقبال على الحياة، فمن خلال الأزياء يمكنك قراءة واقع الحياة المصرية عبر تاريخها.
وبالإضافة إلى ذلك فللثقافة دورًا كبير يتجسد في الندوات والمعارض حيث يمكننا تقديم وجبات خفيفة عن حياة المصريين وعاداتهم وحياتهم وتطورها عبر العصور والأزمنة، وعلى سبيل المثال لعبة التحطيب الموجودة في الصعيد حتى الآن، تعبر بشكل أساسي عن الزي، فلا تجد ممارس أو لاعب للعبة التحطيب ولا يرتدي الزي الصعيدي المكون من جلباب واسع وعمة وطوق فوق رأسه.
كل تلك الوسائل تعزز الهوية الثقافية المصرية وتعزز ارتباطنا وتمسكنا بهذه الأزياء حتى وإن لن نكن نرتديها فعلى الأقل نكون على صلة بها وذكر بها وعلى أن تظل بالذاكرة غير منسية باعتبارها جزء من تراث مصر.
كما أكد الدكتور خالد أبو الليل أن عدم تمسكنا بتراث وثقافتنا القديمة يجعلنا عرضة للسرقة وتزييف التاريخ والحقائق، فبعض الشعوب والثقافات والحضارات الأخرى قد تأخذ جزء من تلك الأزياء وتنسبه إلى نفسها حتى تصنع تاريخ زائف، والشاعر الكبير محمود درويش تطرق إلى أهمية الأزياء في قصيدته الشهيرة "بطاقة هوية" حيث أبرز الهوية الفلسطينية من خلال الزي حينما قال "وميزاتي.. على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه"، وذلك ليؤكد على هوية الشعب الفلسطيني والأجداد الفلسطينيين من خلال الجلباب والعقال وغيرهم من الأزياء التي تعبر عن التراث القديم.
وأوضح "أبو الليل" أن هناك بعض الدول لا تمتلك ما تملكه مصر من تراث وهوية فيحاولون سرقة جزء من الهوية والتراث وهو ما حدث بالفعل عندما قامت زوجة أحد الوزراء الإسرائيليين عندما شاهدت ملابس النساء السيناويات وأُعجبت بهم، استعارت ثوب من تلك الثياب وارتدته بعد عودتها، وبعدها بدأوا أن يسوقوا أن ذلك الزي هو زي إسرائيلي في الأساس، ويرجع ذلك إلى عدم شعورنا بأهمية الأزياء وإبرازها وتسجيلها في المنظمات العالمية كمنظمة اليونسكو، فعلينا أن نلتفت لذلك من خلال المتاحف ووزارة التربية والتعليم والثقافة والسياحة فيجب التنسيق بين الوزارات الهامة لبحث وتنسيق الأمر.
علا الطوخي: الأزياء الشعبية سجل تاريخي تقرأ فيه الخطى التي مرت بها الإنسانية
بدورها قالت الدكتورة علا الطوخي إسماعيل، المدرس بقسم الملابس الجاهزة وصناعة الموضة كلية الفنون التطبيقية جامعة طنطا، في تصريح خاص لـ "اليوم السابع" إن الأزياء الشعبية سجل تاريخي تقرأ فيه الخطى التي مرت بها الإنسانية، تشبه المخطوطات المتحولة بأسلوب فني مزخرف ومجمل بالزخارف والحليات التي لها من المعاني والدلالات ما يجعلها تقي مرتديها من كل العوامل الخارجية وكأنها أحجبة، فكما تنقش بعض الحضارات تاريخها على الصخور هناك حضارات أخرى تسجل أمجادها في تفاصيل تحكيها الملابس والاكسسوارات، ترى في الثياب الاسراف والبذخ فتعرف كيف كان مرتديها، وترى في بعضها الغلظة والخشونة، تحكي عن أجسام من سكنتهم وتعرف بها عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم التي لا تحكى، وتعد الأزياء الشعبية المصرية مرآة حقيقية للهوية، تعكس تنوعها وثراءها الممتد عبر العصور، ففي كل قطعة نسيج، وفي كل تطريزة أو لون، نلمح ملامح البيئة التي نشأت فيها، ونشم عبق الأرض التي غُزلت عليها.
وتابعت الدكتورة علا الطوخي أن الزي الصعيدي يحكي عن وقار الجنوب وأصالته، والزي النوبي يغني بألوانه عن بهجة النيل ودفء الجنوب، بينما تحمل الأزياء الريفية نقاء الريف وبساطته، وتعكس كرانيشها وثناياتها حركة الطبيعة والخضرة والمياه، وتسمع ملابس المدن تهمس عن التأثر بالحضارات، والانفتاح على الحداثة، وبذلك تتحول الأزياء هنا إلى سجل بصري يحفظ اللهجة، والروح، والوجدان، فكما تحفظ اللغة اللسان، تحفظ الأزياء الذاكرة الجمعية للشعب، فتربط الحاضر بالماضي، وتمنح المستقبل جذورًا لا تنقطع.
وأضافت الدكتورة علا الطوخي أن المجتمع المصري مجتمع أصيل بطبيعته، يعرف قيمة تراثه ويقدّره، وهو ما يُحملنا مسؤولية كبيرة في الحفاظ على هذا التراث، خاصة في مجال الملابس والأزياء الشعبية التي تمثل جزء مهم من هويتنا، ودورنا يبدأ بالتعليم والتوعية، وذلك من خلال توجيه الطلاب في كليات الفنون، خاصة المهتمين بمجالات الأزياء والفنون البصرية، لكي يتعرفوا على تراثهم الشعبي ويتعلموا كيف أن يستلهموا منه في تصميماتهم.
وأوضحت الدكتورة علا الطوخي، أن الهدف ليس الرجوع بالشباب حتى يرتدوا الجلباب القديم أو الخلخال الشعبي كما هو، لأن ذلك سيكون صعب في سياق الحياة العصرية، لكن يمكننا أن نقدم لهم تصاميم حديثة مستوحاة من الأزياء التقليدية، والتي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتعبّر عن حضارات عظيمة بلغة موضة معاصرة.
ومن المهم أيضًا أن نوثّق ونحافظ على الأزياء الشعبية من خلال إنشاء متاحف كبيرة يكون القائمون على تسجيل الأزياء ووصفها فيها متخصصين، وتضم أزياء كل محافظة في مصر، سواء القطع من الملابس أو الحلي الموجودة منها أو التي اندثرت، وذلك بهدف أن نحتفظ بذاكرتنا البصرية ونصبح مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وأكدت الدكتور علا الطوخي أنه يجب وجود تعاون بين المصممين وصناع الموضة المحليين حتى يمكننا تحويل العناصر التراثية إلى منتجات معاصرة قابلة للتسويق، كما أن للحملات الإعلامية والإعلانية دورًا لا يقل أهمية من حيث تسليط الضوء على روعة وأصالة الأزياء الشعبية، وبذلك يستطيع أن نُعرف المجتمع بها من جديد وننزع فكرة التبرء والجهل من الشباب بمعرفتها، وذللك بالإضافة إلى الأعمال الفنية التي يمكنها نقل الأزياء الشعبية في الدراما والسينما بشكل دقيق دون تحريف أو مغالاة خاصة في الأعمال التي تنقل صورة المجتمع الريفي أو الصعيدي الأصيل.
توب الهوية.. مبادرة للحفاظ على أزيائنا المصرية
لم تكن الأزياء يوما مجرد غطاء لستر جسد الإنسان، بل هي أكثر من ذلك، فقد مثلت منذ عرف الإنسان الابتكار فيها واختيار ما يناسبه ويناسب ظروفه جزءًا من هوية الإنسان. وبملاحظة بسيطة، يمكن لنا بسهولة أن نعرف الناس من أزيائهم، فكل بلدان العالم لها زيها المميز، وفي مصر بلد الجمال والهوية يعد الحفاظ على الأزياء فكرة تستحق أن نتحدث عنها.
بداية، نعترف أن مصر ليس بها زي واحد يمكن أن نفرضه على الجميع، لكن بها كرنفال من الأزياء، فما يرتديه الناس في الشمال يختلف عن أزياء أهل الصعيد، وما يرتديه أهل الساحل شيء لا علاقة له بأهل الصحراء، لكننا نتفق جميعا على أن هذه الأزياء، على تنوعها، هي هوية مصر البصرية.
والهوية البصرية جزء أساسي من فكرة بناء الإنسان، ذلك المشروع القومي الذي أطلقته الدولة، ولا تزال تعمل عليه، وتسعى بكل الطرق لإنجاحه لأن في بناء الإنسان بناء كل شيء.
وانطلاقًا من هذه الفكرة نطلق مبادرة "توب الهوية.. حفاظا على أزياء مصر" والفكرة مفادها أن نحتفي بما يمثلنا من أزياء، وأن ندفع أطفالنا ليروا في ذلك أمرا يستحق الفخر، وأن نتخلص من التشبه بالآخرين، أو الخضوع لطرقهم في الحياة، فلكل مجتمع حياته، ولكل بيئة امتداد تراثي يستحق أن يعاش .
وهنا وجب القول إن التراث لا يعني أبدًا أنه "فلكلور"، فهناك الكثير من التراث الذي يمكن أن نعيشه، وأن نعيد إليه الحياة مرة أخرى، وأن نرى فيه تواصلا من الآباء والأجداد، وتأكيدا على أصالتنا وهويتنا.
وسنعمل بداية على نشر مبادرة "توب الهوية.. حفاظا على أزياء مصر" في جميع المحافظات، وسيتم التواصل مع جميع المؤسسات المعنية ببناء الإنسان وحياة كريمة، والجمعيات والمؤسسات المعنية بإعلاء قيمة الانتماء بما في ذلك المدارس والجامعات.
"توب الهوية.. حفاظًا على أزياء مصر" هي مبادرة من أجل الشعور بالخصوصية، ومن أجل الجمال، فلا يصح في مجتمع يحب الحياة ويحتفي بها مثل مصر أن نجد المصريات يرتدين ملابس "كئيبة" لا تعبر عنهن ولا عن بيئتن، فقط لأن الآخرين فرضوا عليهن ذلك، ولا يصح أن نجد الرجال يشعرون بخجل لأنهم يرتدون زي أجدادهم، بل عليهم أن يروا الفخر فيه..
لذا معًا من أجل مبادرة "توب الهوية.. حفاظا على أزياء مصر".

سيدات النوبة يرتدين الجرجار

الجلاليب الفلاحي

الجلباب والحبرة الزي الرسمي للنساء

السدارى والتقشيطة والبنطلون الأبيض والعمه
النائب السابق مهدي العمدة من أشهر المتمسكين بالملابس التراثية

ألوان الجرجار

العدد اليومى

العدد اليومى

Trending Plus