أكرم القصاص يكتب: مانجو و«لايك» وبطيخ.. صانع الفبركة وناقل الأكاذيب!

استكمالا لما نكتبه عن أخطاء أو عيوب السوشيال ميديا، هو ظاهرة تداول بعض الكبار منشورات أو أخبارا أو أرقاما غير منطقية وغير صحيحة، وإسهامهم فى نشر الشائعات، بل إن بعضهم يستكبر أن يعتذر عن كونه ينشر خبرا خاطئا.
آخِر - أو أقرب - مثال، هو ما نشر منسوبا لمواقع إخبارية، عن أرقام تصدير المانجو، حيث ظهر «بوست» منسوبا لمواقع إخبارية نقلا عن «الجمارك»، يزعم أن مصر صدّرت مانجو بقيمة 113 مليون دولار، فى حين استوردت عصير مانجو بقيمة 234 مليون دولار، وبالرغم من عدم منطقية الأرقام، وإمكانية كشف الكذب بكل سهولة، وبتطبيق أولويات وسائل التحقق، فقد انتشر البوست، وقام بمشاركته والتعليق عليه عشرات وربما مئات، بالطبع منهم لجان جاهزة للترويج، لكن كان معهم عدد لا بأس به من المثقفين والمفترض أنهم عمقاء.
ومن الواضح، أن هناك جهة تعمدت إنتاج هذا البوست، وتراهن أنه مع اللجان الإلكترونية التى تتلقى الفبركة، يمكن أن يلتقطه عميق من العمقاء، ليبدو عالما وغاضبا ومثلثا تربيعيا، وهو ما جرى بالفعل، والمفارقة أن العدد الأكبر ممن علقوا كانوا مقتنعين بهذا الهراء، بل وعلقوا عليه باعتبارهم من العالمين ببواطن المانجو والبطيخ، وهؤلاء بالطبع أغلبية متابعى هذا النوع من العمقاء، قليلون هم من شغلوا عقولهم وشككوا فى المعلومات، باعتبار أن مصر من أكثر دول العالم تصديرا للمانجو وأيضا للعصير، لكن لا حياة لمن علق، حيث تمسك كل منهم ببوستاته وعمقه باعتبار أن «ناقل الأكاذيب ليس بكاذب، وباعتبار أنه يستند على مصدر، مع أنه لم يكلف نفسه بالضغط على «لينك»، أو البحث عن تأكيد لمعلومة تبدو غير منطقية.
المهم أن هانى يونس، المستشار الإعلامى لرئيس الوزراء، قال إن ما تم ترويجه لا يمت للحقيقة بصلة، ولم يصدر عن مصلحة الجمارك أو أى جهة رسمية، وأن الجمارك ليست هى جهة الاختصاص بهذا النوع من المعلومات، وإنما الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، والتى أوضحت أنه خلال عام 2024 تم تصدير مانجو طازجة بقيمة 143 مليون دولار، فى حين بلغت واردات المانجو الطازجة 4 آلاف دولار فقط، كما تم تصدير عصير مانجو بقيمة 7 ملايين دولار، بينما بلغت وارداته 377 ألف دولار فقط».
طبعا مطلب تحرى الدقة، صعب فى ظل لهاث البعض على جمع اللايكات والتعليقات المهيبة على معلوماتهم الكئيبة، ونعيد التذكير بأن هذا النوع من المعلومات المفبركة يتم إنتاجها عمدا، من منصات معروفة، ولا تحتاج الكثير من الجهد لكشفها، تتبع نظرية نطلق عليها «توثيق الكذب»، وهى نشر معلومات كاذبة ومفبركة منسوبة لموقع إخبارى، ثم اعتبار هذا نوعا من التوثيق، بالرغم من أن أسهل طريقة للتأكد، هى الضغط على اللينك، أو البحث فى المواقع المنسوب لها النشر.
ونحن هنا نذكر خبر التصدير باعتباره آخر مثال، لكن هناك عشرات الأمثلة لهذا النوع من الفبركة الواضحة، التى يحرص عمقاء الكآبة على نشرها انتظارا للايكات معروف مصدرها، وبالرغم من وجود عدد قليل ينبه العميق لكون الخبر واضح الفبركة، لكنه يتجاهل هذا، صامتا أمام لايكات واضح أنها ضمن نفس لجان الإنتاج، بالرغم من أن هذا العميق أو ذاك، يمكن أن يجد عشرات الأمثلة التى يخرج فيها طاقته النقدية، بشكل أكثر فائدة.
لكن طبعا العمق يفرض على العميق أن يتناول كل ما هو أسود، متجاهلا أى ردود أو توضيحات من جمهور عاقل، لأنه يفضل الجمهور «المصفق» حتى يحتفظ بالتأييد، وفى حالة تفاؤل فإنه يطرد من جنة «العمق والتصفيق».

Trending Plus