تاريخ مصر.. الدولة القديمة كما يراها سليم حسن

يمتد تاريخ مصر إلى الماضي البعيد، كما أن حضارتها العريقة واحدة من أهم الحضارات في العالم القديم، وتاريخها يستحق أن يقرأ وأن يعرف، لذا نتوقف مع موسوعة "مصر القديمة" لعالم المصريات الشهير سليم حسن، ونطلع على ما ورد فيها.
يقول سليم حسن تحت عنوان "الدولة القديمة"
الأسرتان الأوليان
يعد المؤرخون "مينا" أول ملك أسس الوحدة المصرية، وقد كانت له مهابة في قلوب الفراعنة الذين خلفوه، حتى إنهم ألَّهوه بعد موته، وبقيت عبادته زمنًا طويلًا، حتى إننا بعد مضي عشرين قرنًا على وفاته وجدنا تمثاله يحمل في مقدمة كل تماثيل الملوك الآخرين في احتفال ديني في عهد رعمسيس الثالث في معبده المعروف بمدينة هابو في الجهة الغربية من طيبة.
والظاهر أن الملوك الذين حكموا في خلال الأسرة الأولى يبلغ عددهم سبعة، واستمروا نحو 200 سنة (3200–3000 ق.م) وكذلك يمكننا أن نقول بأن الأسرة الثانية حكمت ما يقرب من 200 سنة أيضًا (3000–2780 ق.م) .
وسنرى منذ هذا العصر السحيق أن النظام الحكومي والإداري الذي كانت تسير عليه البلاد كان على أسس متينة، حتى إنه بقي نحو 3000 سنة لم يطرأ عليه تغيير هام إلا في فترات قصيرة جاءت عرضًا، وسنتكلم على هذا النظام بشيء من الإيجاز الآن.
كانت كل القوة مجتمعة في يد الملك، وكان يعهد بتنفيذها إلى كبار رجال دولته، الذين كانوا ينوبون عنه، ومن المحتمل أن هؤلاء العظماء كانوا من الجنس المغير كالملك نفسه، وقد كانت الملكية قبل توحيد البلاد وبعده وراثية، وكان للمرأة حق وراثة العرش، وكانت حاشية الملك تؤلف من العظماء في عهده وأفراد أسرته، ولم تكن منف مركزهم، بل من المحتمل جدًّا أن يكون مركزهم "نخن" (الكوم الأحمر)، وقد نعت "مانيتون" ملوك الأسرتين الأوليين بالطينيين، ولكن ذلك لا يعني أن الملوك كانوا من بلدة "طينة" القريبة من جرجا، ولا أن عاصمتهم كانت في هذه البلدة، بل جاء هذا النعت من أن ملوك هاتين الأسرتين قد شيدوا مقابرهم بالقرب من "طينة" المجاورة للعرابة المدفونة وهي التي شيد فيها قبر "أوزير" في المرتفع المسمى "أم القعاب"، والواقع أن أول من اتخذ "منف" عاصمة للملك هم ملوك الأسرة الثالثة والأسر التي أتت بعدها، وقد دفنوا في جبانتها بسقارة والجيزة، ولهذا السبب المزدوج قد سماهم "مانيتون" بالأسر المنفية.
وقد شوهد منذ أول الأمر أن الحاشية الفرعونية قد خلفت حولها جوًّا صالحًا من المدنية لا بأس به، شجع الفنون والصناعات المختلفة، فلم يكتف الأهلون كما كان الحال في عصر ما قبل الأسرات بصناعة الآلات والأواني من الحجر والعظم والعاج والفخار والخشب بدقتهم المعروفة، بل تخطوا ذلك إلى صناعة آلاتهم من المعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة بمهارة فائقة، وكذلك نجد أن أعمال النقش والنحت التلوين والنسيج والنجارة الدقيقة وصناعة العاج والمجوهرات أخذت تتنوع وتكثر بدرجة عظيمة، ونشاهد منذ بداية هذا العصر التاريخي ظهور فن الطب وجمع المتون الدينية وتأليفها. وكان أعظم من ضرب بسهم وافر في الفنون هم المهندسون المعماريون الذين أظهروا براعتهم في تشييد المقابر الملكية، فكانت مقابرهم في بادئ الأمر حجرات بسيطة من اللَّبِن كافية فقط لأن تضم جثة الملك وأثاثه المأتمي المتواضع، ولكننا بعد ذلك نشاهد أنها أخذت تنمو وتتسع حتى أصبحت ضخمة متعددة الحجرات. ثم أخذت الأحجار الجيرية والجرانيتية تستعمل في بنائها شيئًا فشيئًا إلى أن بلغت مكانة هامة في تكوينها، وقد كان يقام حول هذا القبر الضخم مقابر أصغر حجمًا للأمراء والعظماء من رجال الحاشية وأسرة الملك نفسه، وكذلك نشاهد مقابر أصغر حجمًا من السابقة لعبيد الملك وخدمه الذين يعطف عليهم ويجعلهم يدفنون بجواره في دار الآخرة، ويجوز أنه كان يعتقد أنهم سيخدمونه في آخرته، وسنتكلم عن ذلك بإسهاب في حينه.
Trending Plus