حارص عمار النقيب: الأزياء الشعبية بصمة تميز كل دولة عن أخرى

ترتبط الأزياء بالهوية المصرية، فكلما حافظ المجتمع على أزيائه القديمة كلما عبر بشكل أساسي وواضح عن هويته الثقافية القديمة وتأثره وارتباطه به، وهناك عدد كبير من المثقفين والمختصين في التراث الشعبي القديم الذين قدموا اهتماما بالغا حول أهمية الأزياء المصرية القديمة وارتباطها بالهوية المصرية، حيث تواصلنا مع الدكتور والباحث حارص عمار النقيب، الذي تحدث عن أهمية الأزياء وكيفية الحفاظ على الهوية المصرية القديمة والحفاظ على الأزياء من خلال عدد من الطرق المختلفة.
أكد الدكتور والباحث في التراث الشعبي حارص عمار النقيب، إن الأزياء الشعبية تعتبر بصمة تميز كل دولة عن أخرى، ومزيج من التراث الشعبي المتوارث عبر قرون طويلة جدًا، والأزياء الشعبية تحمل في طياتها العوامل المؤثرة فيها مثل العوامل الطبيعية الموجودة في البلد مثل المناخ الذي يؤثر بشكل مباشر على تصميمات الأزياء وعلى خاماتها، فعندما نتحدث عن الصعيد سنجد أن الأزياء الشعبية الموجودة في الصعيد تتميز بتصميمات وخامات محددة لتتأقلم مع مناخ الصعيد وهو ما نسميه المناخ الصحراوي الحار الجاف، ولذلك فإن الأزياء الموجودة في فصل الصيف تتميز بالألوان الفاتحة الواسعة على شكل "مخروط" كنوع من التهوية.
وتابع الدكتور حارص عمار في تصريح خاص لـ "اليوم السابع" في إطار الملف الذي أعده اليوم السابع بعنوان "أزياء مصرية.. نسيج وهوية"، أن تصميم تلك الأزياء متقارب بشكل كبير مع البناء الذي يتميز بنفس الشكلي المخروطي والذي يساعد على التهوية الجيدة، على عكس الشتاء الذي تتسم ملابسه بالألوان الغامقة وصغيرة على الجسد حتى تمتص حرارة الشمس وتزيد من تدفئة الجسد.
وأضاف الدكتور حارص عمار النقيب: لقد استمرت التصميمات بالخامات المصنوعة محليًا أو المستوردة ولكنها خامات طبيعية ومنها القطن والكتان الخفيف أو الصوف، وهم الخامات الثلاثة الطبيعية واستمر الحال هكذا حتى مطلع القرن الـ 18، وخلال القرنين الـ 18 والـ 19 بدأ دخول منتجات أجنبيه، ومع بداية القرن الـ 20 ومع تطور الصناعات البتروكيماوية وظهور المنسوجات الصناعية، بدأت تحل بالتدريج محل المنسوجات الطبيعية خاصة في منطقة الصعيد وذلك يرجع إلى ترويجها من قبل الدول المصنعة والمنتجة مثل الصين ودول الغرب، بالإضافة إلى قلة تكلفتها مقارنة بالمنتجات الطبيعية الأخرى، وفي بدايات القرن الـ 21 ومع ظهور الانترنت والثورة المعلوماتية والتواصل، بدأ الضغط الإعلامي على الملابس يزداد وهو ما جعل الكثير من الأشخاص يستبدلون الأقمشة المحلية بأقمشة مستوردة وإن كانت لا تحمل نفس صفات المحلية.
وتابع الدكتور "حارص" ولم تتأثر الأزياء في كونها أزيار فقط أو كمظهر شعبي، بل كان لها تأثير كبير على صحة الإنسان كذلك؛ بسبب أن المنتجات المستوردة الصناعية لا تتأقلم ولا تناسب مع الظروف المناخية الموجودة في مدن الصعيد، وقد أدى إلى ظهور أمراض جلدية متنوعة ومختلفة، أما من ناحية التصميمات فقد ظهر عليها تغيير إجباري أيضًا بسبب ارتفاع تكلفة الصناعة المحلية والأقمشة المحلية، وهو ما أثر على شكل الملابس حيث قلت كمية وحجم الأقمشة المستخدمة في صناعة القطعة الواحدة وبالتالي أثر على شكل القطعة بعد تصميمها.
وأضاف "النقيب" ومن العوامل التي أثرت بشكل كبير أيضًا على الأزياء هو ارتفاع طبقة المتعلمين، ففي الأمس البعيد كان عدد المتعلمين في مناطق الصعيد 5% فقط، مقابل 95% غير متعلمين وعاملهم الأساسي هو الزراعة، على عكس الوضع الحالي حيث زادت بشكل كبير نسبة التعليم في القرى ومدن الصعيد والريف، وهو ما يتطلب تطورا في طريقة ونظام الأزياء، فلا يمكن أن تذهب الفتاة إلى المدرسة بالعباءة فتجد أصدقاءها يلبسون الزي الرسمي للمدرسة والذي يتكون من بنطال وقميص أو "تي شيرت"، وكذلك الولد لا يمكنه أن يذهب إلى مدرسته بالجلابية كما كان يحدث من قبل، وبالتالي ينشأ الطفل في مراحله الأولى من العمر على عادات جديدة تؤثر بصورة مباشرة على شكل وطبيعة أزيائه.
وأكمل الدكتور حارص، ورغم ذلك إلا أن هناك البعض من كبار السن الذين لا يزالون يتمسكون بتراثهم الشعبي في الأزياء ولكنها تقل يومًا بعد يوم، والأزياء بوجه عام تختلف باختلاف المدن حيث تختلف ملابس الصعيد عن غيرها في الوجه البحري وسيناء ومطروح وغيرهم من المدن الأخرى فكل مدينة لها طابع خاص وزي خاص متوارث حسب عاداتهم وتقاليدهم وحسب طبيعة المناخ في المنطقة.
وحول طريقة الحفاظ على التراث قال الدكتور حارص النقيب، إنه من الصعب أن يتم تقييد منطقة معينة أو أشخاص معينيين بأزياء محددة أو لهجة محددة ولذلك فهناك حل أعمل عليه منذ حوالي 5 سنوات أو أكثر، وهو تسجيل ما بقي من التراث، سواء من خلال الكتب أو الفيديوهات أو الصور، مع شرح أسباب الالتزام بذلك الزي وأسباب تغيره، بالإضافة إلى عمل معارض ومتاحف للأزياء الشعبية والتراثية، وهو موجود في مختلف أنحاء العالم، ففي الولايات المتحدة مثلًا تجد معارض لأزياء الهنود القديمة وكذلك أسلحتهم وكل ما يتعلق بالمجتمع القديم، وبذلك يمكننا عمل معارض أزياء شعبية في القاهرة والمدن المختلفة حيث يمكن لجميع الثقافات المتنوعة الاطلاع على ثقافات المجتمعات والمدن الأخرى دون الحاجة إلى زيارتها، وفي حالة اندثارها وعدوم وجودها يظل هناك مرجع لتلك الفترة وتلك الأزياء التي كانوا يرتدونها في تلك الأماكن.
Trending Plus