"استدامة".. تجربة ومبادرة تنموية فى قرى مصر تستحق الدعم

اقتصادات دول كبيرة وصغيرة نهض على أكتاف المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر ( الصغيرة جدا)
في الصين الاقتصاد الأكبر في العالم حاليا، تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة جزءًا أساسيًا من الاقتصاد، فهي تشكل أكثر من 98% من إجمالي الشركات، وتساهم في 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر ثلاثة أرباع فرص العمل. هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة تلعب دورًا حيويًا في النمو الاقتصادي للصين، وتساعد في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتقليل البطالة.
في المقابل واحدة من الدول الفقيرة -سابقا- وهي بنجلاديش قاد فيها رجل أعمال وخبير مصرفي وأستاذ اقتصاد وزعيم مجتمع مدني هو الدكتور محمد يونس تجربة غاية في الأهمية في أواخر السبعينات من القرن الماضي . الدكتور يونس الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006 بدأ العمل على رفع مستوى الفقر في بنجلاديش بتجربة التمويل الصغير، و في عام 1983 تم تأسيس بنك جرامين لتمويل الفقراء من الشعب البنغالي وأسهمت هذه التجربة في انتشال النسبة الغالبة الى فوق خط الفقر وفي سنوات قليلة انتعش الاقتصاد البنجلاديشي وأصبح ثاني أكبر اقتصاد في جنوب آسيا وحقق نموا بلغ أكثر من 7% قبل جائحة كورونا، و يحتل اقتصاد بنغلاديش المرتبة 35 في العالم من حيث القيمة الاسمية، ويعتمد الاقتصاد على الصناعات النسيجية والملابس والمنسوجات والجلود والأحذية والأغذية والتعدين والتكنولوجيا الحيوية.
تجربة يونس في بنجلاديش وبنك جرامين كانت مصدر الهام لحوالي 100 دولة نامية وبعض الدول المتقدمة وأصبح الدكتور محمد يونس رائدا لمفاهيم الائتمان والتمويل الأصغر بدون ربح وواجه كافة الاتهامات له ولتجربته الناجحة من عدد من المؤسسات الهادفة للربح من التمويل الأصغر. وقال يونس في مواجهة " المرابين" :" لا يهدف التمويل الأصغر إلى حث الناس على جني الأموال من الفقراء. هذا ما تفعلونه".
في مصر هناك حاليا تجربة قابلة للنجاح والانتشار على المستوى القومي وتستطيع أن تحقق ما نجحت فيه تجربة يونس في بنجلاديش وهي تجربة المشروعات الصغيرة. ولو قدر لها أن تنمو وتتوسع ويشارك فيها القطاع الخاص والأهلي يمكن أن تفعل الشيء الكثير للغاية والنهوض بالاقتصاد الوطني.. في ظل اهتمام الدولة بالنهوض بقطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر.
التجربة أو المبادرة تتولاها حاليا مؤسسة صناع الخير للتنمية برئاسة الدكتور مصطفى زمزم وهي مؤسسة خيرية تنموية مصرية بدأت بمجموعة من الشباب ذو الخبرات المتنوعة والمتخصصة وبرغبة حقيقية في تنمية المجتمع وخدمة الفئات الأكثر احتياجا.
هؤلاء الشباب يؤمنون يأن العلم والمعرفة هو السبيل الوحيد للوصول بمجتمعنا الى درجات عليا ومستويات أفضل ومن هنا انطلقت فكرة صناع الخير للتنمية لتكون قافلة خير ومسيرة عطاء لتحسين جودة الحياة والارتقاء بصحة المواطنين الأكثر تهميشا واحتياجا.
وكما قال أحد الفلاسفة القدامى في الصين :" عندما تعطي رجلاً سمكة فأنت تطعمه ليوم واحد، علمه كيف يصطاد فأنت تطعمه مدى الحياة". هذا هو الهدف من المبادرة وتركيزها على المرآة في قرى وريف مصر لتمكينها اقتصاديا من خلال انشاء مراكز استدامة لتدريبهن في عدة قرى مصرية. المبادرة انطلقت في أغسطس 2023 وتهدف الى احتراف الصناعات اليدوية والتراثية مما يسهم في انتاج منتجات ذات جودة عالية مطلوبة محليا وعربيا .كما تهدف الى تحقيق هدف قومي وهو العودة لريادة مصر في الصناعات التراثية واليدوية والتركيز على رفع شعار " صنع في مصر " في الأسواق من خلال تطوير وتحسين جودة حياة عدد من السيدات المستهدفين وتمكينهم من التعبير عن أنفسهم وتنمية مهارتهم التي تمكنهم من إدارة مشروعاتهم وتمكينهم اقتصاديا.
والهدف الآخر من المبادرة هو تعزيز المشاركة الاجتماعية بالقرى المستهدفة من خلال تسهيل وصول الأفراد الى الخدمات الاجتماعية ودعم السيدات المستفيدة على تنفيذ مبادرات وخلق فرص تطوعية . وفي ضوء سياسات توظيف السيدات ستحاول أنشطة البرنامج إقامة روابط بين السيدات واقبالهم على الإنتاج جنبا الى جنب مع تنمية مهاراتهم التسويقية والبيعية وتمكينهم من الوصول الى سوق العمل.
المبادرة أيضا تشمل تدريب وتأهيل عدد من السيدات المستهدفين على عدد من الحرف التراثية بحيث يكتسب الافراد المهارات اللازمة للإنتاج منتجات احترافية تمتاز بالقيمة التنافسية، وتحويل القرية الى مركز تدريب وتشغيل عدد من قرى مجاورة تخدم ما يقرب من 200 ألف شخص من خلال انشاء أسواق ومعارض ومشاركة القطاع الخاص بعقود توريد محلية وتعزيز البنية التحتية للسوق وتحقيق النمو الاقتصادي بالمنطقة
وبالطبع هناك معايير لاختيار السيدات المستفيدات من المبادرة ومنها ألا يتجاوز عمر السيدة 40 عاما من الفئات الأشد فقرا والأكثر احتياجا وقلة مصادر الدخل أو عدم توافرها ومن أبناء القرية نفسها أو القرى المجاورة لها.
التجربة حاليا تطبق في عدة قرى في عدد من المحافظات في الجيزة والغربية والمنوفية والفيوم. وهنا ندعو القطاع الخاص الى المشاركة بقوة سواء بالدعم المادي أو اللوجستي. وبالتنسيق والتعاون مع جمعيات العمل الأهلي المعنية في مصر. فهناك تقريبا ما يزيد عن 46 ألف جمعية أهلية، يعمل عدد كبير منها في مجال مساعدة الشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجا.
تجربة ومبادرة "استدامة" لمؤسسة صناع الخير للتنمية جديرة بالرعاية والاهتمام والدعم من كافة الجهات المعنية سواء جهات رسمية أو أهلية.. ربما تصل الى الهدف الأسمى وهو ورفع مستوى الفقر ومواجهته والحد منه وأن تساهم بعد ذلك تلك المشروعات الصغيرة اسهاما رئيسيا ومؤثرا في الاقتصاد القومي.
Trending Plus