يعيشون شبه حياة.. سائل الأسيد الحارق "ماء النار" يدمر مستقبل ضحاياه.. يتركهم للتشوهات أو الوفاة.. أقصى عقوبة للجانى تصل لـ10 سنوات فقط.. والمعتدى عليهم: حياتنا انتهت وتشوهت ملامحنا ولابد من تشريع رادع للجناة

- إحدى الضحايا: نطالب بتشديد العقوبة لتحقيق الردع
- إحدى الضحايا: فزع الابن من رؤية أمه شعور لا يمكن تصوره لكن ربنا ثبت قلبه وأصبح صديقي
- اللجنة التشريعية: عدم تناسب العقوبة مع فداحة أضراره على الضحية ولابد من تعديل العقوبة.. وتعديل النصوص أمر حتمى
- قانونى: من غير المقبول أن يتم معالجة استخدام ماء النار فى باب جرائم الضرب فقط
- جولة "اليوم السابع" فى محافظتى القاهرة والجيزة ترصد بيعه بدون ضوابط فى الأسواق
كانوا يعيشون حياتهم بين أسرهم آمنين مطمئنين يخططون لمستقبلهم وحياتهم يتقلبون ما بين نجاحات وإخفاقات أمل ورجاء، كلها محاولات لصنع مستقبلهم الخاص قبل أن يأتى أحدهم ليقرر بمشيئة منفردة ليغير حياتهم رأسا على عقب من الانفتاح إلى العزلة من محاولات السعى للنجاح سواء على المستوى الشخصى أو العملى إلى البحث عن أى وسيلة لمعالجة الآلام التى يشعرون ويئنون تحت وطأة ضرباتها بعد تعرضهم لهجمات من سائل "الأكسيد الحارق" أو ما يسمى "ماء النار" لتشويه ملامحهم وتبديلها وإصابتهم بألام مبرحة.
فى هذا التحقيق يتم الكشف عن عدم تناسب العقوبة مع نتيجة الأعتداء حيث يتم معاملتها على وقوعها ضمن جرائم الضرب فى المواد القانونية التالية 240 و241 و242 من قانون العقوبات التى تعاقب مرتكبيها بالسجن من 3 إلى 10 سنوات فقط على الرغم من أثاره التدميرية على الضحايا والتى قد تصل إلى التشوية وفقد بعض الأعضاء وصولا إلى العجز الكامل أو الوفاة فى بعض الحالات، فضلا عن تداوله وبيعه بثمن بخس فى محال المنظفات والطلاء المختلفة بأشكال وأحجام متعددة مما دفع عدد من القانونين للمناداة بضرورة التدخل العاجل لمعالجة هذا العوار التشريعى على حد وصفهم بالعمل على إيجاد مواد قانونية مشددة تتناسب مع ذلك الفعل تحقق الردع ووضع قيود على تداول وبيع هذا السائل الحارق تضمن عدم بيعه فى غير الغرض المخصص له.
تسجيل صوتي للقاءات ضحايا ماء النار (بودكاست)
على أطراف مدينة القاهرة تقع "مستشفى أهل مصر" المركز الطبى المختص بعلاج الحروق ولقاء هؤلاء الضحايا الذين تحلوا بروح المبادرة فى نقل تفاصيل ما تعرضوا له لضرب ناقوس الخطر والتحذير من ترك هذا السائل الأسيد" الحارق يتم بيعه فى الأسواق دون ضوابط واستخدامه خارج الأطر المخصص له وإضافة أرقام أخرى فى سجل الضحايا.
بمجرد الوصول إلى المستشفى صعدنا إلى الطوابق هنا خشعت الأصوات فلا تسمع إلا همسا فالكل يعمل بدقة وبهدوء وتركيز لراحة المرضى الذين بمجرد رؤيتهم تقفر عشرات الأسئلة التى تستعصى على التخيل وإيجاد الإجابة عليها هل هناك ما يستدعى مهما كانت الأسباب أن تدفع أحدهم للانتقام بهذا الشكل وتعريض ضحيته لكل هذه الألام الجسدية والنفسية فى لحظة غادرة والمؤلم أن القاسم المشترك فى أغلب القصص التى استمعنا إليها أو قرأنا عنها كانت تجمع بين الضحية والجانى علاقة ما باختلاف تفاصيلها.
فهل هذه الأجساد الواهنة الممدة على الأسرة التى ترضخ تحت عشرات الضمادات، والعظام المتآكلة، والأعضاء التى تلاشت والتى تكشف عن كم الألآم، التى يعانيها هؤلاء ينطقون ويسعون على أرزاقهم ورعاية أسرهم، كانت إلى وقت قريب تنطلق سعيا هنا وهناك على أرزاقها وتعيش حياتها بشكل طبيعى؟، قبل الدخول فى التحقيق والاستماع لتلك القصص يجب الإشارة إلى تواصلنا مع عدد من المؤسسات العلاجية على مدار عدة أشهر بهدف لقاء النزلاء الذين يعالجون بها نتيجة لتعرضهم للأعتداء بهذا السائل الحارق "ماء النار" ولكن لم يتحمس الغالبية منهم لأسباب مختلفة عدم التعافى الجسدى والنفسى لقص وتذكر تلك الوقائع مرة أخرى إلا أن جاءتنا الموافقة من قبل بعض الضحايا وأسرهم الذين يعالجون داخل مستشفى "أهل مصر" بهدف أن تكون قصصهم بمثابة جرس انذار للعمل على تشديد العقوبات ووضع قيود لبيع وتداول هذا السائل الحارق تتناسب مع الأضرار الجسدية والنفسية التى يسببها هذا السائل الحارق فى حال استخدامه فى غير الأغراض المخصص لها وهو الأعتداء والانتقام..
وبحسب الإحصائية التي أمدتنا بها مستشفى أهل مصر، فمنذ افتتاحها العام الماضي، استقبلت 8000 حالة حروق، منهم 5٪ حالات عنف أسري، بما يعادل 400 حالة.
انتشار استخدام مادة الأسيد حول العالم
شعور قاس
أرادت أن تستكمل حياتها بهدوء وتوهب حياتها لابنها ورعايته خاصة بعد انفصالها عن زوجها ولم يكن هناك مورد يعينها على تلك المهمة سوى عملها مصففة شعر سيدات "كوافيرة" وبعد فترة من عملها تقدم لها أحد الشباب للزواج مدعيا بأنه بأنه ينتمى لإحدى العائلات الميسورة ويعمل فى إحدى الوظائف المرموقة لتكتشف زيف تلك الادعاءت مع مرور الوقت وتطلب منه فك الارتباط لكنه يصر على الرفض ويتوعدها بعقاب رادع فى حال إصرارها على فسخ الخطوبة وتكون النهاية لها بإضافتها إلى سجل ضحايا "سائل الأسيد" الذى عمل على تشويه ملامحها بالكامل بحسب ما تقوله "هبة حسنى" إحدى ضحايا الاعتداء بماء النار.
هبة حسنى
وتضيف "هبة": بعد انفصالى عن والد ابنى وكان وقتها بعمر العامين فقط قررت الاعتماد على نفسى فى تدبير نفقاتنا اليومية انا وابنى وأسرتى المكونة من ثلاث شقيقات بالإضافة لوالدى بحكم كبر سنه وعدم قدرته على العمل ،فعملت مصففة شعر سيدات وبدأت خطوات جيدة فى عملى وبعد فترة تقدم لى أحدهم للأرتباط فوافقت خاصة بعد إيهامى بأنه يعمل فى أحد المهن المرموقة وانتماؤه لإحدى العائلات الميسورة ولكنى اكتشفت حقيقته مع مرور الأيام خاصة فى تضارب أقواله بالنسبة لامتلاكه شقة الزوجية وتحديد موعد الزفاف وغيرها.
وأوضحت "هبة":" وهو ما دفعنى بالبحث عنه فى جهة العمل التى ادعى العمل بها وبمساعدة من دوائر معارفى اكتشفت إنه مطلوب جنائيا وحررت ضده العديد من محاضر النصب فطلبت فك الارتباط بهدوء والغريب انه استطاع كسب تعاطف أسرتى خاصة بعد وكانت حجتهم تمسكه الجنونى بى وقولهم " ليس لنا علاقة بماضيه وما يردده الناس المهم والواضح حبه وتمسكه الشديد بكى".
وتابعت "السيدة ثلاثينية العمر":" فوجئت بالرفض من جانبه وإرساله العديد من رسائل التهديد على الهاتف والتى تخوفت منها على نفسى وعلى ابنى بالتزامن مع لجوئه للعديد من الوسطاء للصلح ومحاولة التأثير على للتراجع عن موقفى بفك الارتباط ومع إصرارى على الرفض فوجئت به فى إحدى المرات يتتيع خط سيرى خلال ذهابى إلى عملى بصحبة أبنى وحاولت الهرب من مراقيته لكنه لم يمهلنى وهاجمنى بسائل القاه على كامل كامل جسدى شعرت بعده بالأم شديدة افقدتنى القدرة على النطق والحركة وشعرت بأن جسدى يحترق كليا، مضيفة :" الدخان كان بيتصاعد من وجهى الذى بدأ يتغير فلا توجد ملامح على الفور فلا اثر للأنف ولا العينين لدرجة أن العديد من المارة أخذوا ابنى بعيدا كى لا يرانى على هذه الصورة وبعد هذا الحادث بدأت حياتى فى التغير تماما فقدت عملى ، العديد من الأصدقاء إن لم يكن أغلبهم ابتعدوا عنى وأجريت أكثر من 30 عملية تجميل خلال 10 سنوات من 2010 إلى 2024 ومازلت فى طور العلاج وما أطلبه هو عقوبات صارمة وتشديد الرقابة على بيع وتداول هذه المادة حتى لا يتعرض لها آخرون ويقاسى ما عايشته ويكفى اننى ظللت فترة أخشى من مواجهة ابنى أو مقابلته حتى لا يفزع من مشهدى الجديد وهو أمر قاسى جدا على الأم أن يفزع منها ابنها ".
حرمت من رؤية ابنى للأبد
جسد ممدد لرجل ثلاثينى العمر على سرير طبى يرضخ تحت الضمادات الذى غطت ما تبقى من وجهة وبقايا الرأس التى فقدت أغلب ملامحها يجلس أمامه والده على الأريكة المقابلة ينظر بأسى إلى أبنه يحاول أن مقاومه دموعه وهو يستمع إلى الأنين الصادر من جسد أبنه الذى أنهكه الألم.
هنا فى مستشفى "أهل مصر " التى تقع على أطراف مدينة القاهرة حيث يتلقى "محمد إبراهيم السيد" علاجه منذ عدة سنوات والذى لم يتصور أن يتحول إلى رقم فى سجل ضحايا هذا السائل نتيجة اعتداء تعرض له من شريكه فى أحد الأعمال بسبب خلافات بينهما.
كانت البداية بحسب ما يرويه "محمد إبراهيم من محافظة البحيرة" الشاب الثلاثينى العمر والأب لطفل لم يبلغ عامه الأول بعد وتحديدا بعمر 8 أشهر عندما تعرف على أحد التجار ويعمل فى صناعة الستائر المنزلية ورغب فى مشاركته وبالفعل أعطاه بعض المال لمشاركته وخلال شهور معدودة وكان يرسل له نصيبه من الأرباح بشكل منتظم وحقق مكاسب ضخمة وتوسعت التجارة ولكن بدون سابق بأن عدم الانتظام فى إرسال الأموال حتى انقطعت تماما وبسؤاله بأن اختلاق العديد من الأعذار غير المقنعة حتى طالبته بفض الشراكة ورد أموالى.
وتابع: "فوجئت باستجابته الفورية وذهبت إلى محله التجارى بحسب الموعد المحدد ووجدته يقف أمامه محله التجارى وكان مغلقا فى ذلك اليوم وظل يستدرجنى من مكان لآخر مرددا "لا تقلق سوف ننهى هذا الأمر اليوم" حتى وصلنا إلى أرض زراعية وخلال سيرنا بها طلب منى الجلوس وفجأة استدار من خلفى وألقى سائل احترق معه جسدى بالكامل كان الألم شديدا لا يتصور لم أستطع الصراخ أو الهروب ولكنه تسبب لى فى ضياع ملامح وجهى بالكامل العينان والأنف والفم وجزء كبير من عظام الجمجمة بحسب التقارير الطبية وحرمت من رؤية ابنى مجددا وكان وقت الحادث بعمر الشهرين والآن على مشارف إتمام أول عام بعمره، وما علمته أن الجانى أو مرتكب هذا الفعل تم حبسه 10 أشهر وتم إطلاق صراحه بمساعدة محاميه".
تأثير مادة الأسيد على جسم الإنسان
زوجها هددها بحرقها حال إفشاء سر شربه للمخدرات
سيدة أخرى تعرضت أيضا لمياه نار من زوجها - تحدثنا معها داخل مستشفى أهل مصر – لكنها فضلت عدم ذكر اسمها – حيث حكت واقعتها قائلة :"خلال شجارى أنا وزوجي كان بيننا خلافات منذ عام، حيث كنت أذهب لمنزل والدى وأغضب ثم أعود له مرة أخرى وكان هناك مشكلات بينه وبين أهلى وبدأ يتصل بأهلى ويسبهم ويقوم بأفعال سيئة ويتناول المخدرات فأردت الطلاق منه ولدى طفلين منه، لكنه لم يوافق على طلبي، وطلب منى أن أظل في البيت لأربى الأولاد ويطلقى ثم يتزوج بامرأة أخرى ويعيش معها وطلب مني أن أتنازل عن حقوقى وأربى ابنى الصغير حتى يصل لسن العامين ثم أعود لأهلى فرفض ذلك ".
وأضافت :"طلب منى أن اتنازل عن كل حقوقى وأحصل فقط على ما اشتراه أبى لى خلال زواجي هو عزالى فرفض قلت له أنت تزوجتنى من بيت أهلى عليك إعادة كل ما اشتريته لي، وذكرت له أنني أريد أطفالى فقط فرفض وفقولت له سأخرج لأتحدث مع والدك وكنت حينها أعيش في منزل أسرته فقال لى إذا خرجتى لتقولى لأبي شيء وعرفتيه أنى أشرب المخدرات هولع فيكي، حيث كان في مصحة وتعالج من الإدمان ولكنه عاد للشرب مرة أخرى".
وتابعت :"خلال خروجي من الغرفة للخارج أحضر زجاجة بنزين بها مياه نار ورشها علي وكان هناك شمعة ألقاها على أيضا فأحرقت جسدي، ثم أحضر بطانية لينقذنى أيضا وحضنى بالبطانية لإطفاء النار وظل يلقى النار على وظل يقص لى ملابسي ووالدته جلعتنى ارتدى ملابس أخرى وذهبت للمستشفى للعلاج ".
وقالت :"أنا من سكان إمبابة، وتزوجت منذ 6 سنوات، وزوجى يعمل سائق تاكسي، في البداية عشنا في شقة إيجار وكان قد قدم على شقق الإسكان الاجتماعي في أكتوبر وبعدما حصل على الشقة عشنا فيها لفترة ولكن والده كان مريض في الفترة الأخيرة، حيث كان يغسل كلى ووالدته تعمل وهي سيدة كبيرة فطلب منى أن أخدم والده ولم أرفض، وذهبت لأعيش مع والده لمساعدته".
وأضافت ":زوجي بدأ يشرب المخدرات منذ عام ونصف، ولم أعرف أنه يشرب مخدرات إلا بعد فترة وصارحنا مؤخرا بعد 6 شهور من شربه للمخدرات، ولم يكن يشرب مخدرات في بداية الزواج، فكانت سلوكياته كانت جيدة في بداية الزواج ويعمل ولكن جاءت عليه فترة لا يريد أن يعمل ويريد أن يصرف والده عليه"، متابعة :"أطفالى بعد الحادثة يعيشون مع عمتهم وزوجي أخذ 15 يوما حبس على ذمة القضية ثم جدد له 15 يوما ثم 15 يوما انتظارا للمحاكمة".
زوجته أحرقت جسده خلال مشاجرتها معه
بينما على الجانب الأخر هناك قصة "منصور"، الذي ألقت عليه زوجته مياه نار على وجهه تسببت في حروق جسيمة ويتلقى العلاج بمستشفى أهل مصر، حيث قال :" حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي، ومع تصاعد الشجار هددتني أنها "ستولع في"، ثم سحبت زجاجة مياه نار من حقيبتها، ثم استخدمت ولاعة لإشعالها وألقتها علي".
نقل منصور إلى طوارئ مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق ، وتلقى الإسعافات الأولية قبل نقله إلى وحدة العناية المركزة، وما زال حاليا فى العناية المركزة، يعاني من حروق من الدرجة الثانية والثالثة بنسبة 35%.
السائل يباع فى الأسواق بلا ضوابط
بعد الاستماع إلى هذه القصص من أصحابها كان لابد من إجراء جولة داخل محافظتى القاهرة والجيزة للبحث عن ذلك السائل الذى يتسبب بكل هذه الماسي فى ضحاياه وهل فعلا سائل بهذه الخطورة يتم بيعه وتداوله ببساطة شديدة كما أكد الضحايا ام أن هناك بعض القيود تفرض عليه أو تخوفات لدى الباعة فى حال اقدام أحد الوجوه غير المألوفة على طلب شرائه.
كانت البداية باختيار أحد الأسواق بمنطقة شبرا فى محافظة القاهرة وتحديدا داخل محال المنظفات وتم طلب منها شراء ماء نار مع عمد ذكر الاسم التجارى صراحة لمعرفة رد فعل البائع والذى أفاد بأنها تباع على صورتين صورة سائلة أو معبأة فى زجاجات والمتوافر حاليا فى صورة سائلة مخففة بنسبة بسيطة ويبدأ أسعارها من 10 جنيهات والمركز منها "بدون تخفيف" تبدأ من 20 جنيها ويتم بيعها للجمهور من خلال تعبأتها من أحد البراميل المتواجدة بالمحل داخل كيس بلاستيك شفاف دون أى مراعاة لخطورة سقوط هذا الكيس وتناثر محتواه فى ظل ازدحام السوق وامكانية تعرض عدد كبير من رواده لخطر الإصابة بالحروق المختلفة.

محرر اليوم السابع خلال شراء زجاجةماء النار
وبالانتقال إلى منطقة أخرى بوسط القاهرة فى أحد الأحياء الشهيرة بوجود عدد من المتاجر المتخصصة ببيع وتداول المستحضرات الكيميائية وبسؤال أحد المتاجر هناك عن شراء "ماء النار " أفاد بأنها تباع فى معبأة "جراكن" متفاوتة الأسعار بسبب تفاوت الحجم و تبدأ أسعارها من 70 جنيها.
لا يقتصر بيع هذا السائل الخطير على محال المنظفات فقط وإنما يمتد ليشمل ايضا محال الطلاء والدهانات فمن داخل أحد هذه المحال بأحد الأحياء التابعة لحى الجيزة تم شراء زجاجة دون عليها صراحة "ماء نار " بسعر لم يتجاوز 30 جنيها فقط" وهو الأمر الذى تم تكراره من خلال إعادة التجربة داخل محال أخرى بأحياء مختلفة داخل محافظتى القاهرة والجيزة.
الدكتور محمد زايد، الأستاذ بكلية العلوم قسم الكمياء بجامعة القاهرة، قال مكونات "الأسيد"، مياه النار، موضحا أن هذه المادة تتكون من عنصرين كميائيين وهما حمض الكبريتيك المخفف ويطلق عليه مياه النار، وحمض النيتريك المخفف وهما مادتان حارقتان يتسببان في تشوهات كبيرة في الجسد حال سقوطها عليه مواد كيميائية شديدة الخطورة.
الدكتور محمد زايد
الدكتور محمد زايد، أفاد بدوره أن هذه المادة تباع في شركات الكيماويات ولا نحتاج تصريح من أجل استخدامها، كما أنها تباع بشكل موسع في المناطق التجارية ومنها أحياء مثل العتبة وغيرها دون أي قيود أو تحفظات لأن الهدف من تداولها بالأساس هو استخدامها في الأغراض السلمية.
وعن خطورة هذه المادة يقول الدكتور أحمد حسنين، مدير مركز التجميل والحروق بمستشفى إمبابة العام أن مركب الأسيد المقصود به حمض كبرتيك وهو عنصر حمضى يتسبب في حروق ضخمة بالجسم، لأنها تحتوى على عناصر كيميائية شديدة الخطورة، وكلما كانت تلك المادة مركزة زاد تأثيرها السلبى على الجسم.
وأضاف "حسنين" أن هذه المادة فى حال ملامستها لجسد الإنسان فإنها تعمل وتلحق به أضرار ضخمة سواء كانت فى تشوهات أو فقدان إحدى الحواس وقد يصل الأمر فى بعض الحالات إلى خاصة إذا كانت تلك المادة مركزة بشكل كبير وتغلغلت إلى أماكن عميقة في الجسد.
وشدد "حسنين " على ضرورة تقنين استخدام تلك المادة، ووضع العديد من القيود على تداولها لأنه من غير المقبول أن تظل هذه المادة يتم بيعها بحرية كاملة فى الأسواق والمتاجر رغم خطورتها وثبوت استخدامها فى غير الغرض المخصص من قبل العامة فى أحيان كثيرة فمثلا من الممكن أن يتم تخصيص أماكن بعينها لبيعها أو تشديد العقوبة فى حال استخدامها فى غير الطريق السلمى وهو ما سيحقق عنصر الردع .
مجلس النواب: تشديد العقوبات أمر لابد منه
ومن جانبه قال الدكتور إيهاب رمزى عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب حوادث " حامد الاكسيد " أو مياه النار تندرج ضمن مواد العاهة المستديمة بقانون العقوبات، وهى مادة خطيرة جدا على الإنسان ولابد من تشديد العقوبة فى حال استخدامها فى حالات التعدى على الأفراد أو ترويع الآمنين أو ضمن أفعال البلطجة.
وشدد في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" على أن ضرورة أن يتصدى المشروع لإيجاد نصوص قانونية تعمل على تحقيق عنصر الردع تضمن عدم استخدامها فى الاعتداء أو المشاجرات أو ترويع الأفراد أو بمعنى أخر تضمن استخدام فى الأغراض السلمية فقط خاصة أن الحوادث المتعلقة بمياه النار تسبب ضرر بالغ الجسامة للضحايا وقد تصل بها للوفاة وهو ما يتطلب تشديد العقوبات .
مشددا على أننا فى أمس الحاجة لإيجاد تشريع خاص بحوادث مياه النار ووجود مادة تنص على عقوبات مشددة على مثل تلك الحوادث هو أمر ضرورة وقد يحدث في المستقبل وأن المشرع المصرى لا تغيب عن فطنته هذا الأمر.
عوار تشريعى
ومن جانبه قال المستشار حسام حسن الجعفري المحام بالنقض أن معالجة المشرع لجرائم البلطجة المقترنة باستخدام سائل الأكسيد الحارق أوبما يعرف شعبيا وتجريا بـ "ماء النار" تتطلب تعانى من عوار تشريعيى وتحتاج إلى تدخل وتعديل تشريعى وتشديد العقوبات خاصة فى حال استخدام هذا السائل فى الاعتداء وجرائم البطلجة فلا يكفى ادراجها ضمن جرائم الضرب بحيث لا تتناسب عقوبتها والتى تصل فى حدها الأقصى للعقوبة إلى 10 سنوات مع فضاحة الأضرار التى تسببها فى جسم الضحية من تشوهات وعجز وفقدان الأعضاء لوظائفها وقد تصل إلى الوفاة.
وكد في تصريحات لـ"اليوم السابع" أن استخدام مياه النار تعتبر من الجرائم الخطيرة التي يلجأ إليها المتهم بمباغتة المجني عليه باستخدام تلك المادة الحارقة على الوجه أو الجسد عموما وإلحاق ضرر جسيم بحياة الأشخاص، فمادة مياه النار في حد ذاتها لا يجرم القانون استخدامها وفي حاله استخدامها تمثل جريمة عاهة مستديمة وأحيانا شروع في قتل تصبح جريمة تتطلب العقوبة، حيث يوضح ذلك تحقيقات النيابة العامة وتقرير الطب الشرعي وتحريات المباحث وحالة المجني عليه الصحية واستخدام تلك المادة الحارقة قد تخلف لدي المجني عليه إعاقة ميكانيكية بالفم وعدم استطاعته غلق الجفنين تماماً مما تعتبر عاهة مستديمة.

المستشار حسام حسن الجعفري
ماهي عقوبة العاهة المستديمه؟
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع":" نصت عليه المادة رقم 240 من قانون العقوبات ( على أنه كل من أحدث بغيره جرحًا أو ضربًا نشأ عنه قطع أو انفصال عضو فقد منفعته، أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين، أو نشأ عنه عاهة مستديمة يعاقب بالسجن من 3 سنين إلى 5 سنين، أما إذا كان الضرب أو الجرح صادرًا عن سبق إصرار أو ترصد أو تربص فيحكم بالأشغال الشاقة من 3 سنين إلى 10 سنين، ويضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة إذا ارتكب الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي، أما كل من أحدث بغيره جرحا أو ضربا نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية، مدة تزيد على عشرين يوما يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين، أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيها، ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصرى).
ماهي عقوبة الشروع في القتل ؟
وتابع :"وفقا للمادة 45 من قانون العقوبات معنى الشروع بأنه: “هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإدارة الفاعل فيها، ولا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكاب ولا الأعمال التحضيرية لذلك"، ونصت المادة 46 على: يعاقب على الشروع في الجناية بالعقوبات الآتية، إلا إذا نص قانوناً على خلاف ذلك: بالسجن المؤبد إذا كانت عقوبة الجناية الإعدام، وبالسجن المشدد إذا كانت عقوبة الجناية السجن المؤبد، وبالسجن المشدد مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانونا، أو السجن إذا كانت عقوبة الجناية السجن المشدد، وبالسجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانونا أو الحبس إذا كانت عقوبة الجناية السجن المشدد، وبالسجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانونا أو الحبس إذا كانت عقوبة الجناية السجن، كما نصت المادة 47 على أن تعين قانونا الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع، ونصت المادة 116 مكررًا على: “يزاد بمقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه، أو كان خادمًا عند من تقدم ذكرهم".
وقال :"استخدام أكسيد مياه النار في بعض الأغراض السلمية ليس به أي مشكلة لكن استخدامها في مشاجرة يعاقب عليها القانون، وتمثل جريمتين إما شروع في قتل او عاهة مستديمة، ولا يمكن استخدامها إلا في الأغراض السلمي، وتباع هذه المادة بشكل طبيعي ولا يوجد عوار تشريعي بشأن تداول هذه المادة ولا يوجد نص محدد أن ممنوع استخدام هذه المادة لأن أغراضها سلمية مثل حبة الغلة التي يستخدمها البعض للانتحار ، وهذه القضايا لا يوجد فيها براءة طالما استخدم هذه المادة ضد مجني عليه لابد أن يكون هناك حبس،
وأوضح أن نص المادة واضح في استخدام مادة الأسيد في الجرائم والانتقام، حيث إذا أصبحت شروع في قتل وعاهة مستديمة فالعقوبة من 3 إلى 10 سنوات وإذا أصبحت ظرف مشدد قد تصل العقوبة لـ10 سنوات ولو استخدمت لغرض إرهابي تضاعف العقوبة أي لو 3 سنوات يكون 6 سنوات ولو 10 سنوات يصبح مؤبد ، وعقوبة استخدام حامد الأكسيد مغلظة من الأساس وقد تصل للمؤبد إذا استخدمت لغرض إرهابي، والمشرع غلظها والغرض الإرهابي قد يكون من خلال مشاجرة كبيرة واستخدام المتهم لهذه المادة لإرهاب المجني عليه، ووقف انتشار هذه الحوادث صعب لأن هذه المادة تستخدم في أغراض سلمية وبالتالي لا يمكن حظر استخدامها .
وأكد أن القاضي يعاقب بالحبس بعقوبة لا تتجاوز 10 سنين في مثل تلك القضايا، والقاضي يمكن أن يحكم على المتهم من سنة و60 شهور حتى 10 سنين وهذه سلطة تقديرية للمحكمة وحسب وقائع القضية فالحكم ليس قليل أو كبير لأن هناك نص مادة يحكم الموضوع".
وبشأن قضاء بعض المتهم 9 أشهر بدلا من السنة في بعض الأحكام ومدى انطباقها في قضايا استخدام مياه الأسيد، قال إن الإفراج الشرطي بنصف المدة يخص بعض الجرائم فإذا كانت مياه النار تأخذ بند بلطجة و99 % يأخذ بند بلطجة فليس له إفراج شرطي أو عفو فسينفذ السنة كاملة لأنها جريمة تندرج تحت بند البلطجة أيا كان استخدامها وكيفية الاستخدام لا يمكن ألا تكون بلطجة وتكون عقوبتها مشددة وليس بها إفراج شرطي أو عفو.
وحول استئناف بعض المتهمين على الأحكام وتخفيفها قال إن أي حكم به طعن سواء جنايات استئناف أو نقص والمحكمة وشأنها، حيث يعتمد ذلك على نص مادة العقوبة، فإذا كانت الجريمة متوافرة يتم الحكم عليه عدة سنوات وهذا وفقا لسلطة المحكمة هي من تحدد عدد سنوات العقوبة".
وبشأن حصول بعض الضحايا على تعويضات من تلك الجرائم أوضح أن التعويضات يتم حسابها حسب قرار المحكمة وشأنها والتعويض يتم احتسابه حسب الأضرار التي أصابت المجنى عليه فإذا كانت أضراره بالغة لابد أن يثبت أنه يجرى 4 عمليات ولا يوجد مقياس أو رقم محدد للتعويض قد يكون 100 ألف أو 200 أو 300 ألف و1000 أو 10 آلاف حسب الجرم والأضرار التي وقعت على المجني عليه فتثبت أنها أجرت عمليات كثيرة وإثبات نسبة العجز والمصاريف التي انفقها من خلال تقارير طبية أو مصاريف علاج أو من خلال محامي يتم إثابتها أمام المحكمة.
وأشار إلى أن المادة الخاصة بالعقوبة مرنة تنص على ألا يتجاوز 10 سنوات ويجعل السلطة التقديرية للمحكمة وفقا للقانون، مشيرا إلى أن هناك فراغ تشريعي بقانون العقوبات، حيث يعاقب مستخدم مياه النار في جرائم البلطجة بينما يجب تشديد العقوبة على كل من استخدم مياه النار في جرائم البلطجة أو المشاجرة، فهي جريمه بشعة تدمر المجني عليه وتصيبه بأضرار مادية وأدبية كبيرة.
تاريخ استخدام مادة الأسيد وانتشار الجرائم حول العالم
حوادث الأسيد ليس فريدة في مصر فقط، بل تشهدها عدد من دول العالم، حيث إن نسبة الهجمات بهذه المادة في المملكة المتحدة هي الأعلى عالميا، حيث ذكرت الرابطة الدولية للناجين من الأسيد، أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 420 حادثة من هذا النوع في عام 2021 فقط، فيما تفرض بريطانيا قيودا صارمة على اقتناء الأسلحة، لكن اقتناء هذه المواد الكيميائية لا يعد جريمة مثل مصر، لأنها مواد متعددة الاستخدامات.
تاريخيا، استخدم الحمض في علم المعادن والنقش منذ العصور القديمة، إلا أنه بدأ استخدام الحمض كسلاح في الارتفاع في العديد من الدول النامية، وتحديداً في جنوب آسيا، حيث وقعت أول هجمات حمضية مسجّلة في جنوب آسيا في بنجلاديش في عام 1967، وفي الهند في عام 1982 وفي كمبوديا في العام 1993، وكشفت الأبحاث زيادة في كمية وشدة الهجمات الحمضيّة في تلك البلدان، وكذلك تسجيل تلك الهجمات الحمضية في أمريكا الجنوبية ووسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، بينما دول جنوب آسيا تحتفظ بأعلى نسبة من الهجمات الحمضية.
استخدام مادة الأسيد في بنجلاديش
وكشفت منظمة الناجين من الاعتداء بالأحماض الحارقة التي تتخذ من لندن مقرّا لها، أن 60% من الهجمات الحمضيّة تكون على النساء، حيث كثيرا ما تكون العداوات التي ترتكب على ذكور الضحايا نتيجة مشاكل عقلية.
معدل استخدام مادة الأسيد في بنجلاديش
تأثير مادة الأسيد على جسم الإنسان
ووفقا لأبحاث علمية، تتسب هذه المادة حال إلقائها على جسم الإنسان في تشوه عظام الجمجمة، وتساقط الشعر، وتشوه غضاريف الأذن مما قد يسبب الصمم، بجانب تشوه واحتراق الجفن مما يعرض العينين للجفاف وربما الضرر الشديد الذي ينتج عنه فقد البصر، وإذابة وتشوه غضاريف الأنف، وتشوه الشفتين واحتراقهما مما قد يفقد الفم شكله الطبيعي ويجعل من الكلام وتناول الطعام عملية في غاية الصعوبة، كما قد يسيل الحامض على الرقبة مما يسبب تشوهها وشدّ الجلد مما يحدّ من مجال الحركة الطبيعي للرقبة، وقد يسبب استنشاق أبخرة الحمض ضررًا بالغًا بالجهاز التنفسي والمرئ، ويسبب الحرق الناتج عن إلقاء الحمض تسمم الدم في حالة العدوى الشديدة أو الفشل الكلوي نتيجة تبخر كميات كبيرة من سوائل الجسم عبر الحرق.
وعلى الجانب النفسي، يواجه الناجون من حوادث إلقاء الحمض مشاكل نفسية وعقلية كبيرة نتيجة الآثار البشعة التي يتركها الحمض على أجسادهم، حيث يعاني الناجون من احتمالية أكبر للإصابة بالاكتئاب والقلق ونقص الثقة بالنفس نتيجة الضغط النفسي الناتج عن تشوه مظهرهم.

Trending Plus