أزمة المحتوى الرقمي العربي.. بين الغياب والضعف

يعاني المحتوى الرقمي العربي من أزمة حقيقية ما بين الغياب وعدم الحضور، بسبب الإهمال والتجاهل وعدم الوعي، وبين الضعف بسبب البهتان، وضعف المحتوى وانعدام جودته وهو ما يدعو المخلصين بشأن هذه الأمة إلى ضرورة التصدي لهذه الأزمة، باعتبارها أزمة وجود عربي في المقام الأول.
وتسجل اللغة العربية حضورًا ضعيفًا في محتواها الرقمي على الإنترنت مقارنةً باللغات العالمية الأخرى. حيث أظهر تقرير أن حجم المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3% أو قد يزيد قليلا، وهي نسبة شبه منعدمة مقارنة بنسبة عدد سكان الكرة الأرضية الذين يتحدثون اللغة العربية وهي لغة القرآن ولغة الهوية.
وهو أمر خطير لما يشتمل عليه من ذوبان الهوية الثقافية العربية واستمرار السيادة الرقمية الغربية
في الوقت الذي تُعتبر فيه اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية في العالم، وهي لغة قرآنية ودينية تعبر عن الهوية الثقافية للعرب والمسلمين ومع انتشار العولمة والتكنولوجيا، أصبحت هناك حاجة ملحة لإنتاج محتوى رقمي باللغة العربية يعكس ثقافة الشعوب العربية ويحافظ على استمرارية اللغة. المحتوى الرقمي العربي يمكن أن يكون وسيلة فعالة لنشر اللغة بين الأجيال الجديدة داخل المنطقة وخارجها.
ويمثل المحتوى الرقمي العربي فرصة كبيرة لتعزيز الهوية الثقافية والاقتصادية للعالم العربي. ومع ذلك، لا بد من مواجهة التحديات المتعلقة بنقص الجودة والتنوع وسوء الاستخدام. من خلال التعاون بين الحكومات والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، ويمكن تحقيق طفرة في إنتاج المحتوى الرقمي العربي الذي يعكس تراثنا وطموحاتنا المستقبلية. كما يجب نشر الوعي الرقمي والاعلامي بين الشعوب العربية حتى يستطيع المستخدم التفرقة بين المعلومات الحقيقية والاشاعات الكاذبة.
ومن أهم سلبيات المحتوى الرقمي العربي حاليا نقص الجودة من خلال
الأخطاء اللغوية التي تعتبر من أكبر التحديات التي يواجهها المحتوى الرقمي العربي هو وجود أخطاء نحوية وصرفية شائعة في النصوص المكتوبة. وهذا يؤثر سلبًا على صورة اللغة العربية ويؤدي إلى فقدان الثقة لدى القراء. فالأخطاء اللغوية قد تكون نتيجة عدم الاهتمام بالتدقيق اللغوي قبل النشر كذلك التصميم التقني الضعيف فكثير من المواقع والمحتوى الرقمي العربي يفتقر إلى التصميم الجيد أو التقنيات الحديثة وهذا يؤدي إلى انخفاض معدلات التفاعل مع المحتوى وخروج المستخدم من المنصة بسهولة.
إضافة إلى قلة التنوع من خلال التركيز على مواضيع محددة فيميل الكثير من المحتوى العربي إلى التركيز على مواضيع معينة مثل الدين والسياسة، بينما يفتقر إلى تنوع في المواضيع العلمية والتكنولوجية. هذا يجعل المحتوى العربي أقل جاذبية للجمهور العالمي أو الجمهور الأجنبي الذي يبحث عن معلومات متعددة ومتنوعة.
كما لا يزال هناك نقص كبير في هذا المجال مقارنةً بالمحتوى الغربي. فالأفلام، والمسلسلات، والأغاني العربية الرقمية لا تزال بحاجة إلى تطوير لتنافس الإنتاج العالمي بالإضافة الي الآفة الكبري بالسرقة والانتحال الثقافي من خلال نسخ المحتوى الغربي فيتم نسخ المحتوى الغربي دون تعديل ليتناسب مع الثقافة العربية، مما يؤدي إلى فقدان الهوية المحلية وهذا يعني أن المحتوى العربي لا يعبر بشكل حقيقي عن ثقافة الشعوب العربية، بل يعتمد على نماذج غربية قد لا تكون مناسبة تمامًا وفقدان الأصالة عندما يتم نقل المحتوى الغربي إلى اللغة العربية دون تعديل.
وقد يحدث فقدان للأصالة والقيم الثقافية التي تميز المجتمعات العربية. مما يؤدي إلى خلق نوع من "الهوية الهجينة" التي لا تعكس الواقع الحقيقي للثقافة العربية. بالإضافة الي التحديات التقنية وضعف البنية التحتية: في العديد من الدول العربية، ولا تزال البنية التحتية الرقمية ضعيفة، مما يحد من قدرة المستخدمين على الوصول إلى الإنترنت أو إنتاج محتوى عالي الجودة مع ارتفاع تكلفة التكنولوجيا: بالنسبة للكثير من المستخدمين العرب، فتكلفة الحصول على أجهزة حديثة وبرمجيات متقدمة مرتفعة للغاية. وهذا يجعل من الصعب على الأفراد إنتاج محتوى رقمي عالي الجودة.
وإدمان التكنولوجيا بالإفراط في استخدام الإنترنت والمنصات الرقمية قد يؤدي إلى إدمان التكنولوجيا والفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية، مما يعني أن هناك شريحة كبيرة من السكان لا تتمتع بنفس الفرص في الوصول إلى الإنترنت أو إنتاج المحتوى الرقمي.
ورغم أن هناك العديد من المبادرات السابقة في المحتوى الرقمي العربي في المنطقة العربية تهدف إلى تحفيز صناعة المحتوى الرقمي العربي وتعزيزه في حاضنات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مسارات عدة مثل: المحتوى المرئي، النشر، الترجمة، ألعاب الفيديو، الموسيقى، التدوين الصوتي.
وبالرغم من تبني الدول لهذه الاستراتيجيات، الا ان التحديات لا تزال تواجه المحتوى العربي الرقمي؛ ونذكر منها أن بعض هذه السياسات تفتقر إلى "خطط تنفيذ فعالة" ولا تعتمد على تكنولوجيا المعلومات بشكل كلي ما يضعفها مع عدم وجود الاستمرارية، حيث إن إثراء المحتوى والتحول الرقمي يحتاج إلى جهد متواصل لمدة طويلة. والاستراتيجيات المتبعة تعتمد على الزخم الإعلامي لفترة محددة وبعدها تبدأ في التلاشي، بالإضافة إلى قلة المبادرات المحلية والإقليمية التي تشجع على الانتاج والتجارة بالمحتوى العربي أولا وبالمحتوى العربي الرقمي.
ثانيا نقص الكفاءات والخبراء في مجال المحتوى العربي الرقمي. لأنه يوجد العديد من الشروط التي يتطلبها المحتوى الرقمي التي من الممكن ان تؤثر على اللغة العربية المستعملة.
ولكن الحقيقة أن صناعة المحتوى العربي الرقمي تمثل مصدرا غير مستغل لخلق فرص عمل جديدة بالأخص للشباب. فعملية صناعة المحتوى تضم عدة مراحل، وبتواجد سوق واسع للمحتوى العربي ومع ازدياد التوجه نحو التحول الرقمي لكل الصناعات، فان صناعة المحتوى يمكنها ان تكون من القطاعات الاقتصادية للدولة.
وأن صناعة المحتوى بإمكانها الترويج للدول اقتصاديا واجتماعيا ما يفتح فرص التعاون الدولي ويدفع بعجلة الاقتصاد المحلي والإقليمي.
ومن العوامل التي تسهم بشكل فعال في هذه العملية هي انشاء المحتوى الرقمي بالعربية فعند النظر الى تطوير المحتوى العربي من الجهة المشرقة فإننا نرى سوقا خصبة وفرصا عديدة للراغبين في اكتساح هذا المجال.
وستزيد الفرص أكثر لان الدول العربية مؤخرا أصبحت منفتحة أكثر على الاستثمارات الخارجية، ما يعني ان الشركات سترغب في الترويج لخدماتها ومنتجاتها بالعربية عند استهدافها للجمهور العربي.
وعليه فيجب على العرب التعامل مع موضوع تعزيز وإثراء المحتوي الرقمي العربي باعتباره امرا فائق الاهمية واهمها تعزيز الهوية الثقافية واللغوية و الحفاظ على اللغة العربية ونقل التراث الثقافي: من خلال المحتوى الرقمي فيمكن نقل التراث العربي والإسلامي إلى العالم بأكمله. سواء كان ذلك عبر الكتب الإلكترونية، أو الفيديوهات الوثائقية، أو حتى الألعاب التي تعكس التاريخ العربي الغني. وهذا النوع من المحتوى يعزز الاعتزاز بالثقافة العربية ويجذب المهتمين بها من مختلف أنحاء العالم مع التواصل بين الشعوب العربية حيث جعل الإنترنت العالم أكثر اتصالًا من أي وقت مضى فالمحتوى الرقمي العربي يتيح للأفراد من مختلف الدول التواصل بسهولة، مما يعزز الروابط الاجتماعية والثقافية بينهم.
والمنصات الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك" تلعب دورًا كبيرًا في هذا الجانب ودعم الاقتصاد الرقمي مما قد يعد ركيزة أساسية لنمو التجارة الإلكترونية في المنطقة. مع زيادة عدد المستخدمين العرب الذين يشترون المنتجات عبر الإنترنت، أصبح من الضروري توفير محتوى عربي يسهل عملية الشراء ويزيد من الثقة بين البائع والمستهلك.
وتمكين الشباب العربي يعتبر من النواحي الايجابية فهم يمثلون نسبة كبيرة من السكان في المنطقة، وبالتالي فإنهم يشكلون قوة دافعة لتطوير المحتوى الرقمي. من خلال إنشاء محتوى رقمي، فيمكن للشباب الحصول على فرص عمل جديدة في مجالات مثل الكتابة، التصميم، البرمجة، والتسويق الرقمي.
الإبداع والتعبير: المحتوى الرقمي ويمكن للشباب استخدام المنصات لتقديم أفكارهم ومشاريعهم للعالم.
ورغم كل ذلك من إيجابيات وسلبيات ازمة المحتوي الرقمي العربي ووجود عدد من المبادرات والمشاريع العربية الجادة، في أكثر من دولة عربية، لكنها تبقى محدودة الأثر وبعيدة عن وقف اتساع الهوة، ما لم نتبنى مقاربة شاملة، تجعل صناعة المحتوى الرقمي وتنميته قضية مجتمعية، فالهوة الرقمية لا يمكن جسرها دون أن نبدأ بإعادة بناء النظام التعليمي العربي، فالإرادة القوية، والعمل المدروس الممنهج، والتشارك الإقليمي الجاد مع احترام التخصص ، هو أشد ما نحتاجه، في القيام بالمزيد من الجهود على طريق بناء وتعزيز المحتوى الرقمي العربي، وجسر الهوة الرقمية وهو ما يحتاج الي مبادرةً عربية قوية لإثراء المحتوي الرقمي العربي تجمع كل الرؤي السابقة وتعمل بروح الفريق بشكل متكامل حديث يعتمد علي العلم والتكنولوجيا وجودة صناعة المحتوي في إطار الهوية العربية التي عمادها لغتنا العربية الجميلة والتي يجب الحفاظ عليها وهنا يمكن إعتبار. أزمة المحتوي الرقمي العربي أزمة وجود يجب التصدي لها من أجل حماية الوجود العربي.
Trending Plus