السؤال هنا والجواب فى واشنطن.. حال غزّة وهُدنتها بين الرغبة والإمكانية والمصلحة

لا تكفى الرغبةُ وحدها للوصول إلى الغايات المأمولة. ينبغى أوّلاً أن يكون الهدف واضحًا ومحلَّ اتفاق، وأن تتوافر الإمكانية وتنضج الظروف بما يتلاقى مع التطلُّعات.
وعلى ما يبدو؛ ما زال النزاع محتدمًا بين الاحتلال وحماس، وفى داخل كل جبهة على حدة، بين ما يُريده أحدهما وما يُرَاد منه، ثم ما تفرضه الأوضاع القائمة أو تسمح به للطرفين.
كلاهما يضغط على الآخر ويستميت فى امتصاص ضغوطه، وتُدَار اللعبةُ فى إطار ثنائىٍّ مُغلق عليهما، تُستَثنَى منه الاعتبارات الإنسانية، والأولويات السياسية كما تراها الحواضن اللصيقة، ويُنظَر فيها للتسوية المطروحة على أنها صفقة بين شريكين/ خصمين.
أمَّا الشارع المُتأجِّج فى إسرائيل، والبيئةُ الغزيَّة المنكوبة؛ فليسا أكثر من أوراق لعب على طاولة، يُوظِّفها كلُّ لاعب إزاء المنافس، ويتَّفقان ضِمنيًّا، ومن دون اتّفاق، على عدم الاعتناء بها من الأساس. لا نتنياهو يحترمُ غضبةَ جمهوره أو يخشاها، ولا الحيّة وفريقه ينشغلون أصلاً بمأساة المدنيِّين فى القطاع.
قد يبدو الكلام قاسيًا فيما يخص موقف الحركة، وتعاطيها مع المشهد الوطنى المأزوم قبل الطوفان وبعده، لا سيّما بعد الفواتير الباهظة والتضحيات الثقيلة؛ لكنها الحقيقة المُجرَّدة للأسف الشديد.
لم تكن هجمة الغلاف مُخطَّطةً أصلاً لتكون حلقةً ضمن مسار النضال التحرُّرى الطويل، أو محاولةً لتقويض انفلات الاحتلال، وتحسين شروط الحياة لما يزيد عن مليونين محبوسين فى نحو 365 كيلو مترا.
وبالدرجة ذاتها؛ فالردُّ الصهيونى لم يكن مَعنيًّا منذ البداية باستعادة الأسرى، ولا إنفاذ عقاب مُتناسبٍ مع حجم العملية؛ بغرض الثأر للكرامة المُهدَرة وإعادة بناء حالة الرَّدع مع الفصائل ورُعاتها الخارجيِّين.
كان السنوار يُفتِّشُ عن مصالح أكبر من قُدراته، ومن الجغرافيا الواقعة تحت رحمته؛ فيما انصرف نتنياهو منذ اللحظة الافتتاحيّة للانتفاع بالهدية المجَّانية لخدمة أجندته الخاصة، والدفاع عن بقائه فى السلطة، تحت ستار الحرب الاضطرارية وإلزامية التصدى للخطر الوجودى.
وصلت رسالةُ الفصائل صبيحةَ السابع من أكتوبر؛ وما كان عليها بعد ذلك إلَّا أن تنسحب تكتيكيًّا مهما كانت التكاليف؛ لا سيَّما أنها تُعاين بعد عشرين شهرًا مِحنةً لم تخطر على بالها بالتأكيد، وبأسوأ فاتورةٍ مُمكنةٍ وأعلاها، ودون أيَّة منفعةٍ ملموسة على الإطلاق.
وكذلك ذئب الليكود العجوز؛ فقد استردَّ الهيبةَ بالنار والدم، وحوّل الأرض بما عليها إلى أُمثولةٍ بطشٍ وترويع. تضرَّرت قُدرات المجموعات المُسلَّحة لدى حماس وغيرها، وتأكَّد له من جولات التبادُل أنه لا أُفقَ للتفاوض المُثمر تحت القصف، ولا سبيلَ لاستعادة رهائنه إلَّا بتوافُقاتٍ تُرتِّب التزامات، وتضطرّه للتراجع عن خياراته الحادة، بقدر ما تُليّن مواقفَ خصومه المُتشدِّدين أيضًا.
والمعنى؛ أنَّ الجنون استنفد أغراضَه على الناحيتين، وعرفَ كلٌّ منهما أنه ماضٍ فى طريق لن تُفضى لما يتمنّاه، وستمنح الآخر بقدر ما تخصم منه، والعكس.
فكأنهما يخوضان بالقَصد جولةً مفتوحةً من الاستعراض وعَضّ الأصابع، رهانًا على المشهد الختامى وحده، وما يُمكن أن يُسَوَّق منه على سبيل النصر.
وإزاء تلك الحالة؛ فالانسداد باقٍ طالما تُرِكَا لحالهما، ولم تُوظَّف عناصرُ القوَّة الخارجية للضغط والاحتواء، وترويض المواقف الهائجة هُنا وهناك. فيما لا يبدو أنَّ الولايات المُتَّحدة بصدد إنفاذ فاعليّتها على حكومة الاحتلال، ولا أنَّ المُنكشفين بعُمقٍ على دوائر القرار الحماسى لديهم رغبة فى إرخاء حبل المذبحة، أو إنقاذ الخزَّان البشرى المُستباح؛ طالما كان فى ذلك ما يتعارض مع مصالح الحركة وحُلفائها المُباشرين.
إنه نزاعٌ عميق وشديد الحِدّة بين ثلاثيّةٍ مُتشابكة: الرغبة، والإمكانية، والمصلحة. وإذ يقول المفاوضون من الجانبين إنهم راغبون فى التهدئة، لا تبدو المسألةُ مستحيلةً عَمليًّا باعتبارها مُرتبطةً بقرارٍ وكبسة زرّ.
والأصل فى المصلحة أنها مُتعارضةٌ طبعًا، ويزدادُ التعارُض استفحالاً بشخصنة العام فيها، واختزال الكُلِّ فى الجزء. إنما من موقف عملانى بحت؛ يسمح وَقفُ المَقتلة لإسرائيل باسترداد المُحتجَزين، وتجفيف نزيف الإهدار المفتوح فى المكانة والرمزية الأخلاقية، كما يُعيد تجميع شتات البلد وترتيب إدارته وإنعاش اقتصاده وعلاقاته الخارجية.
وإلى ذلك، يُوفِّر للغزِّيين مُتَّسعًا لالتقاط الأنفاس واستدراك الأمل، ووَضع أقدامهم على بداية الالتئام الوطنى، والتعافى سياسيا ومعيشيا.
ولا يقع الخلاف مع تلك الباقة من المنافع المُشتركة؛ إلَّا لأن أصحاب القرار على الناحيتين يعزلون أنفسهم عن بيئاتهم وأولويَّاتها، ويضعون مصالحَهم الذاتية فوق المجموع، وذلك من دون أىِّ تجميل أو افتراضاتٍ رومانسية ودعائية ساذجة.
لم يتوقَّف الحديث عن الجولة الجديدة من الهُدنة الثانية، منذ انفلت نتنياهو منها بعد إتمام مرحلة واحدة من ثلاث مراحل، ثمَّ ضرب حصارًا خانقًا على القطاع لِمَا يزيد على أحد عشر أسبوعًا حتى الآن.
قدّم المبعوث الأمريكى اقتراحًا إثر آخر، وأعدَّت مصرُ تصوُّرًا وسيطًا، وتردَّدت أقاويل مُتتابعةٌ عن التبدُّل بين القبول والرفض من جانب الحماسيِّين والصهاينة.
وأحدثُ الإفادات قبل يومين، عندما نُقِلَ إعلاميًّا عن مصدر من الحركة أنها وافقت على طرح واشنطن الأخير؛ فردَّ مبعوث ترامب بما يُشبه النفى، وبعدها قال نتنياهو إنه يُعوّل على إعلان أخبارٍ جادَّة بشأن الرهائن خلال يوم أو اثنين؛ ثمَّ عقَّب مكتبُه لاحقًا بأنَّ حديث رئيس الحكومة لم يشتمل على موعدٍ مُحدَّد.
إرسال وفد إسرائيلى إلى الدوحة، يتبعه كلامٌ عن سحبه إثر الانسداد وتشدُّد حماس، والأخيرة تهدى عيدان ألكسندر مجّانًا لسيّد البيت الأبيض، فيما تتعالَى على أيّة صفقةٍ تُؤمِّنُ للغزِّيين فسحةً من الحياة، وتتسرّب من دواخلها إشاراتٌ شديدة التناقُض، بين المُوافقة على مُغادرة المشهد أو التمسُّك بنهائيّة السلاح.
ولم يعُد واضحًا ما الذى يمنحُه الوقت و"عربات جدعون" للصهاينة، ولم يُدمِّروه أصلاً طيلة الشهور الماضية، ولا فيمَ تختلفُ الحركة إن كانت تُقرُّ بالتنحِّى عن السلطة وإفلات زمام القطاع من بين أصابعها!
تتسارَعُ الماكينات ولا تتحرَّكُ الدواليب؛ كأنها جعجعةٌ من دون طحنٍ. إسرائيل تُراهن بكلِّ ما لديها لأجل رجلٍ وحيد، والحماسيِّون يُغامرون لأهدافٍ غامضة تمامًا. وإزاء التسارُع خلال الساعات الأخيرة، وتعقيب الوسيط الأمريكى الذى يُزعج ولا يُطَمئن، نُقِلَتْ عن مصدرٍ مصرىٍّ مسؤولٍ تصريحاتٌ تُؤكِّد استمرار جهود الوساطة، وتدعو الطرفين إلى التحلِّى بالمرونة اللازمة لإنجاز اتفاقٍ يُخفِّف حِدَّة الأزمة الإنسانية فى القطاع.
والخلاصة؛ أنه لا ملامحَ واضحةً لصفقةٍ مُكتملة حتى الساعة، ولعبةُ الرسائل المُتبادَلة تستكمل مناكفات الميدان لا أكثر. فيما لا يُمكن الجَزم باحتمالية حَسم ما استعصى على الحرب بالإعلام والمناورات الدعائية، بقدر ما يستحيل خداع المَعنيِّين الأُصلاء بالتهدئة على الناحيتين بتلك الألاعيب الصغيرة، وتقاذُف كُرة النار بين فَريقَى التفاوض ومَنْ يتحدَّثون عنهما.
فالصورة لم تعُد غامضةً على الإطلاق: لا نتنياهو يُريد الأسرى إلَّا بشروطٍ تُبقِى آلته الحربيّة نشطةً وغير مُقيَّدة، ولا حماس يعنيها الغزِّيون إلَّا بقَدر ما يُوفِّرون من ستارٍ للمُراوغة، ومحاولات انتشال الحركة من الفخِّ الذى أوقعَتْ نفسَها فيه، وأوقعت القضيّةَ كلَّها للأسف.
تنعَدمُ الرغبةُ فِعليًّا بمُجرّد أن تُرَدَّ إلى اعتباراتٍ أيديولوجية أو شخصية خارج العقل والمنطق. والإمكانية محكومةٌ طوال الوقت بابتزاز التوراتيِّين أو بإملاء المُمانَعة ودوائرها المتقاطعة. أمَّا المصلحة فتنطوى على تعريفٍ وحيد يُؤبِّدُ التعارض بين تيَّارَى الأُصوليّة المُتشدِّدة على الجانبين، حتى لو ترجَّحت احتماليّةُ التوفيق، وقتيًّا على الأقل، بين أولويَّات غزّة ومُتطلّبات إسرائيل.
وكما يتمسَّكُ نتنياهو بالنقاط الخمس المُحتلّة من جنوب لبنان دون مُبرِّراتٍ مُقنعة، ويُراوغ "حزب الله" فيما يخصُّ استكمال تفعيل القرار الأُمَمىِّ 1701 وحصرية السلاح فى يد الدولة؛ فالعُقدة الشمالية تُستَنسَخُ بحذافيرها جنوبًا، وفيما يشى بانتظار مُخرجات التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران، للإشراف منها على المستقبل الجيوسياسى للمنطقة، وحدود الانفلات العِبرىِّ فى أرجائها، وما إذا كان سيُترَك لطهران أىُّ هامشٍ إقليمى مفتوح، أم ستُغلَق عليها المنافذُ جميعًا، وتُرَدّ بتوافُقٍ ناعمٍ أو مصادمةٍ خَشِنَة إلى ما وراء حدودها التاريخية فى فارس.
مهما أُفِيضَ فى حديث البواعث والمُسبِّبات الداخليّة؛ فإنَّ الطوفان كان من نتاج حركيَّة المنطقة فى الفترة القصيرة السابقة على وقوعه.
تستندُ حماس إلى مَظلمة فلسطينية راسخة فى الزمن والوقائع، ولديها إمكانات الهجوم منذ سنوات؛ بل إنها تدرّبت على الخطَّة نفسِها قبل شهور طويلة؛ لكنها لم تذهب إليها باكتمال جاهزيّتها أو للتصدِّى لجرائم سابقة.
المُستَجَدُّ أنَّ طهران أبرمت اتفاقًا مع الرياض ربيع العام 2023، وتتابَع الحديث عن تطبيع الأخيرة، وما عاد بإمكان رأس المُمانَعة أن ينقُضَ شروط التهدئة مع محيطه العربى القريب.
فالبندقية الحماسيّة باختصارٍ، كانت بديلاً عن صواريخ الحزب ومُسيَّرات الحوثىِّ؛ لهذا كانا الوحيدين المَدعوَّيْن للالتحاق بالمُغامرة. والعمليَّةُ كلُّها مُجرَّد تغيير للترتيب والتكييف، واستحداث للشرارة من جبهة غير الجبهات المعتادة.
ولأن غزَّة انتُدِبَت لمهمَّة لا تخصُّها أصلاً، وتتخطَّى الجغرافيا الفلسطينية وشواغلها؛ فإنَّ قرار الخروج من المشهد الاحتراقىّ الواسع ليس فى عُهدتها من الأساس، ويجب أن تحصل على الموافقة الخارجية فيه، أو يُملَى عليها القرار مِمَّن سَيّروها إلى تلك الوِجهة.
فيما زعمَ الاحتلالُ أنه يستجيبُ لمُثيراتٍ لم يصنعها؛ لكنه يظلُّ فى الحقيقة محكومًا بالخريطة الجيوسياسية الواسعة، بتشابكاتها العميقة وتقاطعاتها الحادة.
والعدوان مثلما كسّح حماس تقريبًا؛ كان مدخلاً لبَتر أذرُع الشيعية المُسلَّحة، وكَسر هلالها من خاصرته السورية الهشّة، بإسقاط نظام الأسد، وكلُّها تُحقِّق مصالح أمريكيَّةً؛ حتى لو لم تَسِر الأخيرةُ إليها قَصدًا.
ما يعنى أنه على العكس من التصوُّر الشائع، بشأن استجلاب واشنطن للميدان وتوظيف إمكاناتها لخدمة ائتلاف الليكود المُتطرِّف، كانت الولايات المُتَّحدة تستفيد من غضبة تل أبيب، وتُوجِّهها وترعاها؛ لتحرير حركة الصفائح التكتونية، وإعادة بناء توازُنات الشرق على قواعد ومُرتكزاتٍ مُغايرة تمامًا.
اندفاعة إدارة بايدن لم تكن ناشئة عن حماسته الصهيونية فحسب، ولا لتقدير الظرف والحاجة إلى مُجاراة الحليف المطعون فى كرامته. السياسة لا تُدَار بالهوى، والقرارات فى إدارة أمريكية كلاسيكية لا تُصنَع بالتفضيلات الشخصية. ربما يصحّ هذا اليوم مع ترامب؛ لكنّ سلفَه انطلَق قطعًا من تقديراتٍ استراتيجية مُعَدَّة أمنيًّا؛ ولاعتباراتٍ أكبر من تمكين الاحتلال أن يُنجز جريمة مُضافة لسوابقه العديدة، أو يُوجّه لحماس دَفقًا ناريًّا يفوق قدرتها على الاحتمال، ويتخطَّى الحدَّ الطبيعى المطلوب لتفكيك قدراتها، أو إبادتها تمامًا.
وعلى ما فات؛ تبدو الدائرة مُحكَمَة الإغلاق للأسف. حماس تنظر لحُلفائها وتأتمر بإرادتهم، وهم يتطلّعون للشيطان الأكبر فى مسار التفاوض على البرنامج النووى الإيرانى، وإدارة ترامب تسعى لإنجاز هبوط ناعمٍ بعد شهورٍ طويلة من التحليق الهائج؛ لكنها تسعى لتجميع المُتناقضات وإدارتها معًا بالتزامن.
وبتلك الرؤية؛ تُوظّف طهران وما تُثيره من غبار لعَقلنة مواقف نتنياهو، وتستخدم الأخير لإرعابها وإضاءة المصابيح الحمراء عن كُلفة التحدِّى وعدم الرضوخ، وفى قلب المُثلّث يحضر الحوثى والحزب وحماس ديكورًا يملأ الفراغ ويُحسِّن نكهة الدراما، بالضبط كما تُعرَض سوريا على المسارين أداة إغراء أو تخويف، أكان بإحلال العثمانية بديلاً عن الفارسية، أو بإخراجها من هوى المُمانَعة إلى مُعتَقَد الاتفاقات الإبراهيمية.
هُدنة غزّة تتّصل بأبعادٍ عِدّة؛ آخرها القطاع نفسه ومأساة ساكنيه. ليس لدى نتنياهو ما يُحقِّقه أكثر مما توصّل إليه، ولا فى عُهدة حماس ما يُضاف إلى خسائرها الفادحة. التهجير ما يزال خيالاً فوق الإمكانية، وبقاء الحركة يُلامس حدود الوهم. وفيما تضمن التهدئة مصالح الطرفين، والحزام القريب من دول الاعتدال؛ فالأزمة أن القطاع بالنسبة للطرفين مُجرّد ساحة فرعيّة، ومنصّة لاختبار الخيارات والتوازُنات، ولن تنقضى فاعليّة ورشة التجريب إلا بعدما تُقرِّر واشنطن أنه لا حاجة للذهاب إلى الأهداف المقصودة من مسارات جانبية.
وبإيجاز؛ فإن على الفاعلين فى نطاق حماس المُبادرة إلى ترويضها وتهذيب خياراتها، وكبح التأثيرات الباقية من مجارير الشيعية المُسلّحة. وعلى إدارة ترامب أن تكون أكثر حسمًا فى تحديد الأدوار ونطاقات الحركة، وأن تُقايض نتنياهو بما تعدّه له خارجيًّا، مع ما يُحقِّق مصالحها الوقتية وبعيدة المدى بالنسبة للمسألة الفلسطينية؛ لا سيما أنها تتّصل عضويًّا بشبكة علاقاتها ومنافعها فى الإقليم، وبروابطها الوثيقة مع مراكزه التاريخية الراسخة، وعلى رأسها مصر.
قرار الهُدنة فى واشنطن، لا فى تل أبيب، ولا فى فنادق الدوحة أو خنادق القطاع. وكلُّ تأخيرٍ فى اضطلاع البيت الأبيض بأدواره لا يُعقِّد المسألة الإنسانية فحسب؛ إنما يُعلِّق المسائل السياسية على إحنٍ وترسُّباتٍ وأكلافٍ باهظة، لن تتبدَّد سريعًا، ولن يسهُل الخروج منها لمُجرَّد الرغبة فى ذلك، أو افتراض الإمكانية أيضًا. المصلحة ضلع أوّل بين مُتساوين، وهى تقضى بالمواءمة بين أولويات الإسرائيليين والفلسطينيين الوقتية، واعتبارات الفواعل العربية الكُبرى، وحصانة الدور الأمريكى ليظل قادرًا على الاضطلاع بمهمّة الوسيط الضامن، بأكثر مِمَّا يتورّط فى صِفَة الشريك المُنحاز.
إن تباعَد الاتفاق؛ فلأن الولايات المُتّحدة تريده بعيدًا، أو تصطبر على إنجازه فيما لا يحتمل الصبر والإرجاء. وإن أُبرِمَت اليوم أو غدًا فسيكون لأن واشنطن فعّلت الديناميكيّة الغائبة، وألزَمَت نفسها بما يقع على كاهلها فعلاً. حماس تُشاغب قطعًا، ونتنياهو يناور ويُقطِّع الوقت؛ لكن صاحب البندقية وحامل خرطوم الإطفاء هُناك فى عاصمة العالم الأوّل، يُراقب ويشجب ويقترح؛ لكنه يُمَدِّدُ المُهَل لغاية فى نفسه، ربما لديه ما يُعلِّلها؛ لكنه بالتأكيد يفتقدُ تمامًا لِمَا يُبرِّرها سياسيًّا أوّلاً، وإنسانيًّا وأخلاقيًّا فى المقام الأول، وقبل كل شىء.
Trending Plus