مطربون وزواحف وبلوجرز وزومبى لأجل "التريند"

فى هذا العالم الافتراضى العميق والسطحى، والمتنوع، يجد المستخدم العادى نفسه عرضة لآلاف البوستات والفيديوهات والمقاطع، وأخبار النميمة، الطلاق بين اثنين كانا قبل ساعات يحتفلان بذكرى الزواج السعيد، بلوجر تحتفل بطلاقها فى احتفال مهيب، سمسار ونصاب يتحدث عن أهمية احترام القانون، عروس تسجد فرحا بعريسها، وبعد أسابيع تهاجمه وتتهمه بالبخل والقسوة، مذيعة تريد ركوب التريند بشهادة فى حادث سرقة، وهجوم على سيدة انفصلت عن زوجها، كل هذا وأكثر يتفاعل ويتقاطع ويتداخل ويتوالد بالخوارزميات والنظرات واللفتات ليصبح «تريند»، كيف وماذا ولماذا العالم عند الخوارزميات؟ وفى هذا الواقع، لا يهم ماذا تفعل، المهم كيف تظهر وتتشقلب لتظل عالقا فى الصورة، والمهم أن يبقى النجم فى «بؤبؤ» الاهتمام، ويظل تحت الأضواء بصرف النظر أو بصرف صحى عن كيفية هذا البقاء متشعلقا فى فوانيس العواميد.
ولهذا على مدى سنوات يبقى المطرب المخضرم عائما على سطح الأحداث ، وبالرغم من أنه يحتفظ لنفسه بالاستمرارية والتجديد مقارنة بغيره، لكنه يصر على استخدام أكثر الأساليب مظهرية وأحيانا هيافة، معتقدا أن الظهور بملابس ممزقة، أو كلسون أو تركيب حلق، هى طرق تقربه من أجيال من المراهقين أو منتمين لفئات يهتمون بما يسمى «لايف ستايل»، والواقع أن هؤلاء بالفعل هم جمهور «مطرب الشيفون» أو الكلسون، وغير هذا ممن يشتهرون بأفعالهم وليس بأصواتهم، مثل الفنانات اللائى توقفن تقريبا عن التمثيل ويظهرن فى الفوتو سيشن، أو الخناقات والصدامات والتصريحات العجيبة والملابس الغريبة.
فهذا المطرب يشتهر بملابسه الغرائبية، وارتداء ملابس سحلية، أو يضع سلسلة فى قدمه، أو برنيطة فى رجله، أو يركب سيارات غريبة، ويخرج فى «لايفات» يتحدث فيما لا يعرف، والمفارقة أن هذه الحركات هى التى تنجح غالبا فى جذب الجمهور وتربية التريند، ربما لا يكون هؤلاء أغلبية، لكن أعدادهم كافية لصناعة تريند والإبقاء على هذه الأشياء والكائنات تحت الأضواء، حتى لو كانوا يبدون غالبا مجرد زومبى، أو زواحف طائرة ترطن بكلام خال من المعنى، لكنه يصلح لمن يدفعون آلافا فى تذاكر هذه الحفلات، لا أفرق هنا بين مطرب مخضرم، أو ممثل ومطرب لم يعد أحد يذكر له سوى لايفاته المستفزة، وجهله المركب، وادعاءاته وعقده النفسية، أو مطرب مهرجانات تحول فرحه إلى نوع من الفرجة، بلوجر.
والواقع أنه كل ساعة أو عدة ساعات، هناك عدد من التريندات والأشخاص يصعدون ويهبطون وينامون ويستيقظون على نجوم تظهر وتختفى، فجأة يظهر اسم ليحتل صدارة العالم الافتراضى، على تويتر «إكس سابقا» أو على فيس بوك، ويبدو الشخص العادى مندهشا، يسأل فى سذاجة وحيرة: لماذا فلان هو اليوم على سطح العالم الافتراضى، بينما هذا الفلان لم يصنع شيئا مهما، قد يكون ظهر فى صورة أو قال كلمة، أو أطلق تصريحا، سرعان ما يتحول إلى نجم لليوم أو الساعة، وبعد ساعات يختفى ليظهر غيره، وهذه الصناعة ترتبط بتفاصيل وتحركات وتصرفات ويكون هؤلاء أشهر من أعمالهم، بل إن منهم من ليس له عمل أو مهنة ومع هذا فهو يتخذ من هذا الهلام مهنة، تحوله إلى كائن «ترينداوى» ينافسه فيها مطربون وممثلون وعابرو سبيل.
قد يرى مستخدم السوشيال ميديا أنه لا يفترض أن يأخذ كل ما يقرأه أو يسمعه فى العالم الافتراضى ومواقع التواصل بجدية، لكن الحقيقة أنه إذا ابتعد عن هذا العالم، فسوف تطارده صور المطرب بملابس العناية المركزة، أو تصريحات الفنانة التى توقفت عن التمثيل وتفرغت للاستعراض بملابس متنوعة، حيث يصعب فى العالم الافتراضى التفرقة بين الجاد والهازل، العالم والجاهل، المدعى والصادق، الكل يتنافس على نفس الفضاء وبعضهم يكذب بينما يقول حكما هو أول من يخالفها، فى عصر يتيح للناس ميزات التواصل والتفاهم وتبادل الأفكار، وأيضا الاستعراض والادعاء والكذب المنظم المنهجى.

فوز الشركة المتحدة
Trending Plus