حرب الجوع المزدوجة فى غزة.. إخفاق تجربة المساعدات الإسرائيلية وانعدام خيارات حماس

حازم حسين
حازم حسين
بقلم حازم حسين

مشهد مأساوى جديد عنوانه الإخفاق؛ لكنه من نوع الفشل الذى لا يسرُّ للأسف؛ إذ يظل ضارًّا فى الرسوب كما فى النجاح، وربما يكون ضرر التعثُّر أكبر.

سلّحت إسرائيل كلَّ شىء فى حربها على غزة؛ حتى الإنسانية وضروريات الحياة. صار الطعام ميدانًا لاستعراض القوَّة والحط من الكرامة، ولواء جديدًا فى جيش الاحتلال يُحقِّق بالتجويع ما تعذَّر على السلاح.

والناس ما عادوا ينزحون من مكان إلى مكان سيرًا أو حَبوًا؛ بل يزحفون على بطونهم الخاوية. ينتحر الضمير أو يُنحَر علنًا، وتُقدِّم إسرائيل دليلاً لا يقبل الشكّ، ولا نحتاجه من الأساس، على حقيقتها النازية المتوحشة؛ فيما يفركُ العالم عيونه ببطئه المعتاد، ويتوثّب الأُصوليِّون من الناحيتين على أية فرصة للكيد والتشفّى؛ ولو كان المقابل أن يُرَاق ما تبقّى من شرف الحرب نفسها، وتصبح الحقائق الدامغة عرضةً للأخذ والرد ووجهات النظر.

تدافع آلافُ الغزِّيين، الثلاثاء، نحو نقطة توزيع المساعدات غربىّ رفح، ضمن الآلية الأمريكية الإسرائيلية المُستحدثة من خلال "مؤسسة غزَّة" وشركات ذات خلفية أمنية من الولايات المتحدة.

طوفان بشرى هادر من الجوعى، تخطّوا السياج وأفراد الأمن وقواعد التنظيم الموضوعة بدقة خانقة؛ ليضعوا أياديهم على حصص زهيدة من المؤون ومواد الإعاشة.

اضطُرّ المُنظّمون للتراجُع، وتدخلت قوات الاحتلال لإجلائهم، مع فاصل ترهيبى لم يخلُ من طلقات التحذير وزمجرة المدافع والدبابات.

كان المشهد مُؤسفًا تماماً، ومُشينًا للجميع دون استثناء؛ لكنَّ المُشتبكين المُباشرين معه حوّلوه إلى رافعةٍ للمُزايدة وتبادُل الاتهامات، وانصرفوا عن الوجيعة نفسها؛ حتى مع ادِّعاء أنهم ينطلقون منها استشعارًا لفداحتها، ويتحدَّثون عنها إشفاقًا وألمًا ورغبة فى تجاوز مآسيها الصارخة.

تعود الفكرة العجيبة إلى أسابيع خَلَت. كانت تل أبيب قد أوقفت تدفُّق شاحنات الإغاثة منذ مطلع مارس الماضى، قبل أن تنقلب بالكُليّة على تفاهُمات الهدنة القائمة منذ أواخر يناير، وتُجدِّد عدوانها الواسع على أنحاء القطاع.

ومع استفحال الأزمة الإنسانية، واقتراب ما يزيد على مليونَى مدنىٍّ من حافة المجاعة، مُورست ضغوط ظاهرة أو خَفيَّة على حكومة نتنياهو، اضطُرَّ بسببها إلى تمرير موافقة من مجلسه الوزارى الأمنى المصغّر على إنفاذ المساعدات؛ إنما عبر مسارٍ مُغلق مع واشنطن حصرًا، ومُخَلَّق بنكهة سياسية حربية، لا تختلف عن خطط الجيش وتحرُّكاته المُجوقَلَة.

كان النازىُّ المسعور فى خصومة مفتوحة مع المنظمات الأُمَميَّة، ويُصوّب عليها لأهداف تتصل بأجندته المُضمَرة تجاه القضية ومستقبلها؛ فتفتّقت أذهان حلقته اليمينية الضيقة عن مسرب جانبى بديل، يُؤسِرل العملَ الإنسانى ليصبح الإنقاذ فى عهدة القاتل، ويُموِّله باللوجستيات وبرامج العمل فيه، مَن يُذخِّر بنادقه بالبارود لقتل الضحايا المُرَاد إطعامهم.

حكاية لا تقل عن ملهاة كاملة؛ رغم سوادها الظاهر وانحطاطها الموصوف.

وجدلُ الآلية على أهميتها؛ إنما يبدو هامشًا على أصلٍ أكثر حضورًا وتأثيرًا وكشفًا عن الغايات والمُنطلقات. فما آل إليه القطاعُ اليومَ، وبعد نحو عشرين شهًرا من التقتيل الدائم والتجويع المُتقطِّع، ليس عفويًّا ولا من الآثار الجانبية غير المقصودة على الإطلاق.

كان فوهرر تل أبيب الدموى، بنيامين نتنياهو، واضحًا منذ البداية فى أنه ذاهب إلى صناعة هولوكوست كامل الملامح، وليس لعملية تكتيكية، أو حتى لحرب تُؤطِّرها الأعراف والقوانين الدولية.

قال وزير دفاعه السابق يوآف جالانت؛ إنه لا بشر أصلاً فى غزّة؛ بل "حيوانات بشرية"، وسيتعاملون معهم على هذا الأساس، بما يشتمل عليه من حصار خانق وقطع لكل الإمدادات.

وصدق الذئب وقطيعُه فيما قالوا ولوّحوا به، ومن يَومِها تُدار المعركة على الديموغرافيا والجغرافيا معًا، بالإحراق أحيانًا، وبتسييج الحياة بالموت على كلِّ صوره ومعانيه دائمًا.

دُفِعَ الصهاينةُ لخطوة الإغاثة الأخيرة غصبًا واضطرارًا. قال زعيمُهم فى اجتماع تمرير القرار إنهم يحتاجونها لأسباب سياسية ودبلوماسية، وكان يقصد بالطبع أن يهربَ من شبح المجاعة، وارتداداتها على الجدل الدائر بشأن جريمة الإبادة الجماعية، وأن يمتصَّ غضبة المجتمع الدولى ويُليّن مواقف بعض المُتشدِّدين الجدد، أو يُرجئها قليلا.

لكنه لم يُوفّر الثغرة الضيِّقة التى فُتِحَت رغمًا عنه من التوظيف الإجرامى، وتعمّد أن يضعها فى صُلب رؤيته العسكرية.

فى المنشأ؛ كانت اللعبة من بنات أفكار رجال أعمال يمينيِّين وضبَّاط سابقين، وأُعِدّت على هامش مكتبه، وفُتِحَت وحدات الجيش فى محيط القطاع للإشراف على تخطيطها وإرساء ركائز عملها.

وفى التطبيق تعانَق جيشُه مع عملاء سابقين من الاستخبارات المركزية الأمريكية، عبر شركتين مشبوهتين، ومُؤسَّسةٍ اختاروا تسجيلها فى سويسرا؛ ربما للإيحاء بشىء من الاستقلال والطابع المدنى فيها على خلاف الحقيقة.

ومحور التجربة؛ أن تكون الإغاثة عمليَّةً أمنية مُنضبطة ومُطوَّقة تمامًا، وتحت بصر الجيش وسمعه لحظةً بلحظة. وهى باختصار عبارة عن عدَّة نقاط توزيع فى مناطق مُعَقّمة، ينفذ إليها الغزِّيون بعد مسارٍ طويل فى طرقات مرصودة، وعبور حواجز تفتيش وتدقيق فى الهويات والبيانات الحيوية.

وذلك؛ على أن يكون الاستحقاق فرديًّا، وفى إطار قاعدة بيانات واضحة عن العائلات وممثليها؛ بما يضمن، حسب تصوّرهم، ألَّا يمر الحماسيون مع المارّة لتلك المراكز، ولا أن تتسرَّب الحصص الغذائية إليهم لاحقًا من مُتلقّيها المُباشرين.

وفيما وراء الوجه الظاهر، تُطمَر أهدافٌ أكبر وأشد خطرًا أيضًا. وخُلاصتُها أنَّ الاحتلال يُعيد تركيب الهندسة الديموغرافية، وإنجاز أعمال الإزاحة والانتقالات المطلوبة لكَنس المدنيين، أو تفريغ مناطق العمليات المقصودة لجولاتٍ مُقبلة مع بقايا حماس.

بمعنى؛ أن على الناس أن يموتوا جوعًا فى مناطقهم الحالية بالشمال والوسط، أو ينزحوا كالفئران وراء الطُّعم المُعلَّق فى سقف المصيدة، وحال الاستجابة لن يعود بمقدورهم الرجوع إلى نطاقات تمركزهم السابقة.

وبهذا؛ تُحشَد الكتلةُ الهادرة فى الأحواز المُرَاد حشدهم فيها، وتُخلَى بقيَّةُ الخريطة من أىِّ وجود يمكن أن يُعطّل حركة الوحدات القتالية، أو يُوفّر غطاء للمُقاتلين الحماسيين ومَنْ يُعاونونهم فى حراسة الأسرى.

والخطّة بذاك الوصف مشبوهةٌ ومُلوثّة على كلِّ وجوهها؛ أوّلاً لأنها تُحدِّد اشتراطاتٍ بعَينها لإغاثة الناس وإنقاذهم؛ ثمّ تنفِّذ عمليات التهجير بطريقة ناعمة، وتُخلِى الأرضَ من ساكنيها بغرض احتلالها والسيطرة عليها.

وفيما يُفسِدُ الإخفاقُ الأخيرُ بعضًا من الأهداف المُعلنة والمخبوءة؛ فإنه يحتمل ضمن باقة المخاطر أن تنسدَّ أبوابُ الإغاثة مُجدّدًا، ويتمدَّد الجوع فى زحام الجدل بين الأجندات المتصارعة، الشريف منها والوضيع.

كما أن الإزاحات القسرية المُغلَّفة بغلالةٍ رمادية ناعمة، تُحقِّقُ هامشًا مفقودًا من الأمان للمدنيين، بقدر ما ترتكب جريمة التهجير الداخلى المُتكرِّر بحقِّهم، والبديل المُزرى ربما يعود إلى صيغة القصف المساحى والقتل المُنفلت، بكلِّ سوءاته وتكاليفه الثقيلة؛ حتى لو أُعيد تفعيلُ المهام الإنسانية من مساراتها الطبيعية، عبر الوكالات الدولية والهلال الأحمر وجمعيات المجتمع المدنى المعاونة.

أدانت الأُمَم المتحدة الخطة الأمريكية الإسرائيلية استباقًا، ثم جدَّدت موقفَها بعد الإخفاق الافتتاحى بما فيه من مشاهد فوضى وتهديد لحياة الجائعين.

وكالة أونروا قالت إنها "إهدار للموارد وإلهاء عن الفظائع"، ولا تجدُ مُبرَّرا لها فى ظل توافر نظام مناسبٍ لا تنقصه الخبرة والمُؤهّلات.

أمَّا واشنطن؛ فلم تتأخَّر عن الدفاع من موقع الشريك المسؤول عن الفاجعة، فاتّهمت المُنتقدين بالنفاق؛ انطلاقًا من أنهم ينصرفون عن جوهر المهمَّة إلى طبيعة القائمين بها. وزعمَ مُنسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية أن المنظمات الدولية تتقاعس عن أداء أدوارها، فلم تتسلم 400 شاحنة جاهزة على الجانب الغزى من معبر كرم أبو سالم لتوزيعها.

ودخلت حماس على الخطِّ سريعًا؛ مُحتفيةً بالفشل الذريع بأكثر من أساها على الجوعى وإهدار كرامتهم وأرواحهم، وقال المكتب الإعلامى الحكومى التابع لحماس؛ إنَّ ما حصل "دليل قاطع على فشل الاحتلال فى إدارة الوضع الإنسانى"؛ وتلك للحقيقة سخرية فى غير مكانها، أو توظيف سياسى لما لا يحتمل الأَدلَجَة والتجارة الفصائليّة الساذجة.

الاحتلالُ يسرق الأرض بما عليها، ويسعى لإفناء الناس قتلاً أو تجويعًا؛ وليس مَعنيًّا على أىِّ مستوى بانتشالهم من نكبتهم القاسية. ما قدّم نفسه إطلاقًا على أنه فرعٌ من الصليب الأحمر؛ ولو ادّعى فلن يُصدّقه عاقل، أو يُلاقى من أفعاله ما يُبرهِنُ على مزاعمه المُضحكة.

وآخر ما يحتمله السياق الراهن أنْ تُوظّف المسألةُ الإنسانية تحت ظلالٍ سياسية أو حربية. يتعين بطبيعة الحال انتقاد إسرائيل وتجريمها بلا انقطاع، والضغط بكلِّ السبل لإلزامها بما يقع على عاتقها بالقانون الدولى والإنسانى؛ إنما حتى يتحقَّق هذا، لا ينبغى أن تكون الإغاثة موضوعًا للنزاع أصلاً، ولا منصَّة للجَدَل والدَّجَل والمُناكفة.

والاحتلال فيما يُمارس رياضته الإبادية المُفضّلة، وعادته المُلازمة له منذ النشأة؛ فلم يصنع جديدًا أو يُدخِل على المشهد ما لم يكُن معروفًا عنه أو مُتوقَّعًا منه؛ إنما الشُّبهات المُعلَّقة على كاهل الحركة، بشأن الاستحواذ على حصص من المساعدات سابقًا، أو التشدُّد فى الهُدَن وشروطها، والطوفان نفسه قبل كلِّ هذا، كلها تجعلهم آخر طرفٍ يُمكن أن يُؤخَذ منه فى تلك المأساة؛ كما لا حاجة له أصلاً فيما يتحدَّث المنكوبون عن أنفسهم بالأصالة.

استجلبت الفصائلُ حربًا ما استعدّت لها، ولا أهّلت بيئتها لتكاليفها أو حذرتها من تداعيتها المعروفة عقلاً واختبارًا مُتكرّرًا.

أبرمت الهُدنةَ الأُولى بعد شهر واحد من العدوان على شروطٍ زهيدة، وماطلت فيما بعدها لبواعث خفيّة؛ ثمَّ قبلت ما كانت ترفضه منذ جولتى باريس قُبيل تنصيب ترامب مُباشرةً، وهو نفسه من منحته الجندى مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر مجّانًا؛ بعدما كانت تَزِن رأسَه بجبل من المطالب والتطلُّعات.

رفضت مُقترحَ المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف، ثمَّ احتضنت نُسخّة مُهندَمة منه، وستُقرُّ به كما كان أو بضغوطٍ أقسى، بعدما تكون استنزفت مزيدًا من الوقت والحيوات، وفُرص التعافى واستدامة الحلول الوقتيّة، أو تطويرها بما يخدم القضية ونضالَها التحرُّرىَّ الطويل، والمنذور لحلقاتٍ وكبوات مُقبلةٍ، لا تقلُّ عمَّا عاشتها فى كلِّ عقودها الماضية، إن لم تَزِد.

الجوع قوّة دمارٍ شامل، ويهزم أعتى الامبراطوريات. ومثلما أُهين به الغزّيون لشهور طويلة؛ فإنه أهان إسرائيل بالدرجة نفسها، وعرّضها لانتقاداتٍ لن تكون آخر المطاف، وستزداد مع امتداد الأزمة، وتتضاعف حالما تُفتَح أبواب القطاع للإعلام والمُوثّقين المُحايدين من خارجه.

لكنه إلى ذلك؛ يهزمُ حماس أيضًا فى عُقر دارها، وبين أُناسٍ كان يُفتَرض أن يكونوا حاضنتها؛ انطلاقًا من نظرتها إليهم أوّلاً على صِفَة الشريك لا التابع. وتظاهُرات الغضب التى كانت قبل أسابيع حملَت شيئًا من هجاء الموت الخَشِن، وأشياء أكبر من زَمّ الإصرار على تقويض الحياة وقَطع دابرها برعونةٍ يُغلّفها الوهم أو التكبَّر والمُعاندة.

ما كانت إسرائيل فى حاجة إلا للذريعة؛ والحركة قدّمتها مجّانًا من البدء للمُنتهى.

الرهان على كُلفة الوَصْم يبدو بائسًا وشديدَ الوطأة على الضحايا أكثر من الجُناة. لستَ فى حاجة إلى طوابير من القتلى والمبتورين وفاقدى الأمل لتُثبِت على إسرائيل ما ثبّتته الوقائع والتواريخ؛ وما أفلحت مُطلقًا فى نفيه أو التبرّؤ منه.

أوقعت الحركة نفسَها والقضية فى حُفرة؛ ثم لم تتوقَّف من يومها عن تعميقها، وتحاول الإيحاء بأن سلوك العدوَّ بمعاوله وجرّافاته أغرب من سلوكها وأكثر دناءة.
تحرير الصورة لا يبدأ من تعريف المُعرَّف؛ بل من استنكار ما سُلِكَ من سُبلٍ لا توصِل إلا لأعماق أسوأ ضمن المأساة الدائمة، ومُواصلة الإصرار عليها بتبجُّحٍ أو خفّة عقل.

مشروع الإغاثة الصهيو-أمريكى فشل؛ وليته نجح. وفى كليهما تأثيراتٌ ضارّة بالتأكيد؛ إنما من الجلّى لكلِّ ذى بصر وبصيرة أننا تجاوزنا نطاق المُفاضلة فى المأساة، وبِتنا رهائن للاختيار بين السيّئ والأسوأ؛ إذ لا جيِّد ولا قليل السوء على باقة الاحتمالات المعروضة.

نتنياهو ظهره للحائط فعلاً؛ لكن حماس لا تتريّض فى ملعب كُرة مفتوح. فقدت الحركة خياراتها أو أُفقِدت إيّاها غباءً واحتيالاً؛ المُهمّ أنها مُخيّرة اليومَ فقط فى أن تنزل عن الشجرة، أو تبقى عليها إلى أن تُحَشّ من جذورها فتسقط على رؤوس المُستظلّين بها، أو مَن كانوا يتوهّمون فيها الفىء والثمر.

رفح ظهّرت الموقف ولم تصطنعه؛ فهى كاشفة لا مُنشئة. ويُقال فى الأثر "عجبت لِمَن لا يجد قوتَ يومه؛ ثم لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه"، بغض النظر عن تنازُع نسبتها بين علىّ بن أبى طالب وأبى ذرّ الغفّارى. والغزيّون لا سيوف فى أياديهم ليُشهروها؛ لكنهم اقتحموا الثكنة المنيعة طلبًا لِمَا يملأ المعدة؛ مع مُخاطرة السقوط برصاصة أرخص من الوجبة المطلوبة.

بالضبط كما سعّروا حناجرهم وجاهروا بفوائض غضبهم ومخزون قلوبهم المكبوت إزاء الحماسيِّين؛ فاحتال الأخيرون عليهم بالمُداهنة والوعود، أو بالترهيب والتنكيل؛ ومرّت الواقعة بسلام كما يتوهّم الواهمون؛ لكنها ظلّت فى الواقع بين الديون المُعلّقة.

الحقيقة الوحيدة أن غزّة أُبيدَت وتُباد، ولسنا فى وارد الاختلاف على الأنصبة أو التنابُذ بالمسؤوليات. تزليق المساعدات إلى الأنفاق لا يختلف كثيرًا عن تمريرها من قناة المُؤسَّسة المشبوهة، وجريمة القناص لا تقل عن المُتستّر وراء درع بشرى، واضطرار الناس إلى الوقوف أمام كتالوج الموت وانتقاء ما يُناسب مقاسهم لا يصحُّ أن يُعدَّ نضالاً أو مُقاومة مسؤولة.

لا يُمكن أن تُسوّق رهانًا خفيفًا على أن ننزف بلا حدٍّ؛ لقاء أن نُلطّخ وجوه الظلمة بالدم، ثم تعدّه رهانا صائبًا أو مقبولاً فى أية شِرعة وعُرف. تُلام الذئاب دومًا وفى كلِّ مفصل عن افتراس الحِملان؛ لكن اضطلاع بعض القطيع بتكبيل البعض لا يقلّ فداحة؛ ربما لأنه ليس من أدوار الفرائس أن تكون عونا للمُفترس على نفسها.

أشهرت إسرائيل الجوع سلاحًا فى وجوه المدنيِّين العُزّل، وأصابت به منهم مقدار ما أصابت؛ لكنه سيرتدّ عليها حتمًا، كما سترتدّ تأثيراته على حماس وخطابتها، ودوائر رُعاتها ومموّليها والمُنشبكين بها أيديولوجيًّا وتنظيميًّا. الجوع فرسة حرون، يسهُل الانطلاق بها؛ إنما من المستحيل ترويضها أو ضمان وجهتها الآمنة.

فشلت إسرائيل فزادت النكبة ثِقَلاً؛ كما يحدث مع نجاحها، ومع كل إخفاقٍ من الحركة أيضًا. إنها ثنائيّة لعينة يتخاصَم طرفاها بالتصاقٍ حميم؛ حتى لا تعرف مَنْ منهم المُحتلّ ومَن المُختلّ.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ريبيرو يعود للقاهرة غداً لقيادة فترة إعداد الأهلى للموسم الجديد

الخارجية الأمريكية تبدأ عملية تسريح جماعي لأكثر من 1300 موظف

بسبب تغيرات المناخ.. مخاوف من تراجع نحو 10% من محصول الكاكاو في غرب أفريقيا.. كوت ديفوار وغانا ونيجيريا والكاميرون تساهم بأكثر من ثلثي الإنتاج العالمي.. وانخفاض الإنتاج يرفع احتمالات زيادة أسعار الشوكولاتة

اليوم.. السكة الحديد تشغل عربات فاخرة وVIP على خط الإسكندرية القاهرة المنيا

تحركات سياسية وإنسانية مصرية شاملة لنصرة الأهالى فى غزة ودعم حقوق الفلسطينيين.. خبراء وسياسيون: الدولة لم تكتفِ بالجانب الإنسانى فقط بل تصدت لمحاولات التهجير.. وتسعى لحشد موقف دولى ضاغط على الاحتلال الإسرائيلى


تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

باراك: واشنطن لا تدعم إنشاء دولة لـ"قسد" فى سوريا

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

انفجارات عنيفة تدوي في مدينة جبلة السورية

طلاب الهندسة الحيوية بالإسكندرية ينجحون فى تصميم ذراع روبوت بـ6 درجات حرية.. "6-DOF" يُستخدم كمساعد لأطباء الجراحة فى المستشفيات.. تنفيذه يكلف نحو 22 ألف جنيه.. وأعضاء هيئة التدريس يشيدون بالمشروع.. صور


تسونامى المخدرات يهدد أمريكا اللاتينية.. الكوكايين ينتشر فى البرازيل ويضرب 11 مليون متعاطى.. السباق التكنولوجى للتجار فى كولومبيا يؤجج المخاوف.. "مخدر الزومبى" يثير الرعب فى المكسيك.. والفنتانيل ينتشر فى تشيلى

هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل

زى النهارده.. هدف بشعار "غزل الملاعب" بين متعب وغالى فى مباراة الأهلى ودجلة

بالأسماء والرموز.. قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ بجميع محافظات مصر

السيطرة على حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر وبدء عمليات التبريد

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة المنيا

أخبار × 24 ساعة.. النقل تحذر من اقتحام مزلقانات القطارات

بريطانيا: المفوضية الأوروبية تدعم اتفاق إعادة المهاجرين رغم اعتراضات

ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف.. طاقم مصرى يصل الليل بالنهار لإنجاز المشروع.. المكينة تحفر 22 مترا يوميا والنفق حلقات خرسانية يتم تركيبها وتصنيعها محليا.. وهذه طرق تأمين العمال تحت الأعماق.. صور وفيديو

جهود أمنية متطورة بالطريق الإقليمى.. ضبط آلاف المخالفات باستخدام أجهزة ذكية.. خبراء أمنيون لـ"اليوم السابع": التكنولوجيا والتوعية سر نجاح حملات المرور.. ويؤكدون: ضبط 40 سائقا من متعاطى المخدرات و22 محكوما عليهم

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى