سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 مايو 1954.. عبدالناصر وقيادات ثورة يوليو فى حفل إفطار مع ألفين من الطلاب العرب الدارسين بمصر تنفيذا لخطة ربط ساحات الوطن العربى بالقاهرة

كلف جمال عبدالناصر، الضابط فتحى الديب بإعداد خطة لتحرك ثورة يوليو عربيا على أن تتضمن ربط الوطن العربى بكل ساحاته بالقاهرة، ويذكر «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وتحرير المشرق العربى»، أن هذا التكليف كان فى نهاية أكتوبر 1952، وبعد أسبوع عاد «الديب» بخطته، وكانت إحدى وسائلها الاهتمام بالتجمع الطلابى العربى فى مصر.
يكشف «الديب»، أنه كان من الدفعة الأولى التى التحقت بجهاز المخابرات العامة الذى بدأ تكوينه بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، برئاسة زكريا محيى الدين، ويقول إن عبدالناصر هو من أصدر قرار نقله من قيادة ووحدة مدرسة المظلات إلى جاهز المخابرات، وأن «محيى الدين» أبلغه باختياره بمهمة إنشاء فرع الشؤون العربية، وطالبه بوضع خطة عمل لربط ساحات الوطن العربى بالقاهرة، ويؤكد «الديب» أنه أنجز خطته وعرضها على محيى الدين الذى طالبه بالتوجه إلى عبدالناصر لمناقشتها.
يذكر «الديب»، أنه كان من ضمن تنفيذ خطته التوجه إلى التجمع الطلابى العربى بمصر، ويؤكد أن عددهم وقتئذ تجاوز 35 ألف طالب، موزعين على الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية المصرية، وعدد ضخم بالأزهر الشريف، وبواسطة «إدارة الوافدين» بقيادة محمد عثمان، تمكنوا من تحديد مراكز تجمع لهؤلاء الطلاب، والتعرف على نواديهم وقيادتهم النقابية، وقاموا بالاحتكاك المباشر معهم، والعمل على حل مشاكلهم، وبدأ الطلاب يلمسون عمليا آثار هذا التحرك فى حل مشاكلهم الدراسية والاجتماعية.
يؤكد «الديب»، أنهم تعرفوا على العناصر القيادية المؤثرة، وقاموا بتقييم التجمع الطلابى لكل قطر، ومدى تجاوبه مع أهداف ثورة 23 يوليو، وإيجاد صلات مستمرة بينهم وبرنامج «صوت العرب»، وتشجيعهم على تزويده بكل الأخبار والمعلومات عن أقطارهم عن اقتناع بأن هذه المساهمة هى تعبير عن إحساسهم بمسؤوليتهم الوطنية تجاه شعبهم، وتجسيدا لقناعاتهم بقوميتهم العربية.
يذكر «الديب»، أنهم أجروا دراسة مستفيضة على نوعية هؤلاء الطلاب، وأظهرت أنهم موزعون إلى ست فئات هى، فئة أبناء الأثرياء ممن أرسلتهم أسرهم للدراسة حفاظا على عروبتهم، وعددهم 0.5 % من عدد الطلاب، وفئة أبناء الطبقة المتوسطة ممن لا تسمح مواردهم المالية للإنفاق على تعليم أبنائهم بالدول الأجنبية، ونسبتهم 10 %، وفئة أبناء الطبقة المتوسطة من الأسر العربية الأصيلة التى تنظر إلى مصر كمركز إشعاع علمى للوطن العربى، وفئة أبناء الطبقات الفقيرة الذى يقبلون أملا فى الاستفادة من نظام المنح المالية التى تمنحها الحكومة المصرية سنويا للطلبة الوافدين، وفئة الهاربين من بلادهم لحظر تلقى العلوم العصرية فيها، كما فى اليمن ودول خليجية، والهاربين من المناطق التى يمنع الاستعمار فيها تدريس اللغة العربية مثل دول شمال أفريقيا وخاصة الجزائر.
يكشف «الديب»، أنه مع اقتراب نهاية العام الدراسى 1954، وجد الفرصة سانحة لعقد لقاء مباشر بين قائد الثورة «عبدالناصر» وأعضائها، وبين هؤلاء الطلاب، وحدث خلال شهر رمضان أن دعا صلاح سالم وزير الإرشاد القومى، نحو ألفى طالب للإفطار مع «عبدالناصر» وأعضاء مجلس قيادة الثورة بنادى الضابط بالزمالك يوم 29 مايو، مثل هذا اليوم، 1954، وأقام المذيع أحمد سعيد رئيس «صوت العرب» حفلا ترفيهيا أحياه فنانون عرب، وبعد الانتهاء من الإفطار، ارتجل «عبدالناصر» خطابا عربيا، قائلا: «إخوانى الأحرار، أشكر لكم هذه الفرصة التى أتاحت لخيال كنت أتخيله دائما أن يكون حقيقة واقعة، كنت أتخيل دائما الوطن العربى والقوة العربية، ولم تسمح لى الفرصة للاجتماع بالعرب، حتى أتيحت لى اليوم، فماذا شعرت؟
الحقيقة أننى لم أتمكن من التفرقة بينكم، أى بين الجزائرى والعراقى أو بين الأردنى والسورى، ولم أتمكن من أن أفرق بين الأسماء والأقطار، فكلكم اجتمع تحت اسم واحد هو العروبة، وشعرت فى الوقت نفسه شعورا قويا بالأخوة لكم، لأننى أخ يقف بين إخوته، أخ فى الدين، وفى القومية العربية، والمشاعر والأهداف، لهذا فإننى أشكركم وأشكر أخى صلاح سالم، لأنكم استطعتم أن تجعلوا من الحلم حقيقة، ولا يسعنى فى الوقت نفسه إلا أن أتمثل قول الشاعر: «إلام الخلف بينكمو إلام؟ / وهذى الضجة الكبير علام؟».
نعم لماذا هذه الضجة الكبرى، وهذه التفرقة بين العرب، فإذا نظرنا إلى الماضى وجدنا التاريخ يربط العرب بالوحدة، هذه الوحدة التى أقلقت العالم، فأراد الاستعمار استعباد العرب، والقضاء على قوميتهم فلم يتمكن، هذا الاستعمار الذى لم يتمكن من التفرقة بيننا برسم الحدود وتخطيطها، فجاء يعمل لها بالسيف، ويحاولون اليوم الدخول فى تجربة أخرى هى استعمال الدسيسة والخداع بين شعوب العرب، لقد مزقوا وقطعوا أوصال العرب بعد الحرب العالمية الأولى، وجاءوا بعد الحرب العالمية الثانية فأنشأوا إسرائيل، ثم بثوا الأحقاد والضغائن بين الأمم العربية.
يؤكد الديب، أن هذا اللقاء وما تلاه من اهتمام أدى إلى أن يكون كل طالب وافد فى مصر داعية لثورة يوليو وأهدافها فى بلده.
Trending Plus