أساطير الكنوز الفرعونية.. الإنسان عندما يصنع «لعنته».. ثور وأفعى بطلا المشهد فى الروايات الشعبية.. أرواح ملعونة شبح يطارد المستكشفين بسبب مقبرة الملك الذهبى.. شيوخ لا يستبعدون حراسا من الجن وعلماء: لا يوجد دليل

منذ قرون، تتناقل الألسنة حكايات غريبة ومخيفة عن كنوز فرعونية محروسة بكيانات غامضة، أفاعى عملاقة، وحراس من الجن و أرواح ملعونة، وجنود من عالم آخر! لكن هل فعلا هناك «حُرّاس» للكنوز؟ أم أنها مجرد أساطير تناقلتها الأجيال؟

ثعبان وثور وأرواح ملعونة.. خلال المائة عام الماضية ونظرا لانتشار المقابر بجميع أنحاء الجمهورية كان من الممكن على أى شخص أن يجد مقبرة بالصدفة؛ بل ومرت سنوات خلال تلك المئوية كان بعض المصريين يبيعون المومياوات فى شوارع مصر الغنية بكنوز الفراعنة المخفية تحت أقدامها ولا ندرى عنها شيئا، وتحدثنا عنها الاكتشافات المتتالية يوما بعد.

وبين الحين والآخر تم تداول على ألسنة كبار السن أو حتى إذا تم فتح الموضوع مع أى مواطن فى مواصلات أو على مقهى تجد فى جعبته الكثير من الحكايات عن حراس المقابر والكنوز الفرعونية، ومنها أن ثعبانا عملاقا يحرس المقابر الفرعونية ويطارد اللصوص، لحماية المقبرة من السرقة.

وهناك من يحكى على «ثور ضخم» يغلق المقبرة قبل فتحها ويختفى فى لمح البصر والعض يحكى عن ذئب وآخر يحكى عن حراس من العالم الآخر.

مطاردة لعنة الفراعنة للمكتشفين.. ولعل أشهر القصص التى تروى عن لعنة الفراعنة تلك التى سجلها التاريخ بعدما تم اكتشاف مومياء الملك الذهبى توت عنخ آمون، والتى تم اكتشافها فى عام 1922، على يد المنقب الإنجليزى هوارد كارتر وبتمويل من اللورد كارنافون، وتم فتحها فى 1923، حتى فوجئ العالم بعدد من حالات الوفاة الغريبة، التى أثارت استغراب البعض، وربط بينها وبين قضية لعنة الفراعنة.

new

فى البداية توفى ممول البعثة فى نفس العام الذى فتحت فيه المقبرة، بعد تعرضه لمرض شديد، حيث وصلت درجة حرارته لـ40 درجة مئوية، وكان يرتجف من نوبات القشعريرة، من تأثير الحمى التى أصيب بها، وأدت فيما بعد لوفاة اللورد فى 5 أبريل 1923 عن عمر ناهز 57 عاما.

بينما يقول كتاب «لعنة الفراعنة» للكاتب والمؤلف فيليب فاندنبرج، إن وفاة «كارنافون» كانت سببا فى قدوم أحد محبى التاريخ المصرى وهو جورج جولد ابن أحد الممولين الأمريكان الكبار، فسافر فى جولة من القاهرة إلى الأقصر ثم إلى وادى الملوك، حيث رأى الاكتشاف المثير، ولكن فى الصباح التالى أصيب بحمى عالية مات على إثرها مساء.

وبعد ذلك توفى رجل الصناعة الإنجليزى «جول وود» الذى زار موقع قبر توت عنخ آمون، وبعد انتهاء الزيارة عاد إلى بريطانيا، ولكنه توفى نتيجة إصابته بالحمى العالية، ثم رحل أرتشبولد دوجلاس ريد، الاختصاصى بالأشعة السينية، الذى كان أول من قطع الخيوط حول جسم مومياء الفرعون الميت، وذلك لكى يصورها تحت الأشعة السينية، حيث بدأ بعدها يعانى من نوبات الوهن والضعف ويتوفى بعدها بوقت قصر عام 1924.

ويؤكد كتاب «لعنة الفراعنة» أنه مع حلول عام 1929 كان قد توفى 22 شخصا من الذين لهم علاقات مباشرة وغير مباشر بتوت عنخ آمون ومقبرته، وكان 13 منهم قد اشتركوا فى فتح المقبرة وبين المتوفين كان الأستاذان دنلوك وفوكرات وعلماء الآثار جارى دافس وهاركنس دوجلاس ديرى والمساعدون استور وكالندر.

وكما قال الكاتب فيليب فاندنبرج، فإن زوجة اللورد كارنافون لحقت بزوجها فى عام 1929، وكان سبب الوفاة لدغة حشرة، كما أن أحد مساعدى كارتر وهو رتشارد بيثيل مات فى نفس العام أيضا.

الرأى العلمى والدينى فى وجود حراس المقابر.. إن العلم يجزم بأنه لا يوجد دليل مادى على وجود «كائنات خارقة» تحرس الكنوز وأن هناك تفسيرا نفسيا يؤكد أن خوف الناس من المكان أو المقبرة يوحى لهم أنهم يرون أشياء أو مخلوقات غير حقيقية.

أما عن الرأى الدينى فبعض الشيوخ أكدوا أن ما يُقال عن «حُرّاس من الجن» قد يكون صحيحا، لأن بعض الناس تستعين بالجن لاكتشاف الكنوز، لكنهم شددوا إن هذا حرام شرعا وخطير جدا.

ويقول المتخصص فى الآثار المصرية مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير، إننا كثيرا ما نسمع عن حكايات غريبة مرتبطة بالمناطق الأثرية، مثل وجود «حراس كنوز فرعونية»، أو أن من يفتح مقبرة فرعونية يتعرض للّعنة أو يهاجمه ثعبان، وكأن هناك من يحرس هذه الكنوز من العالم الآخر. فهل لهذه القصص أى أساس من الحقيقة أم أنها مجرد أوهام شعبية؟.. هذا سؤال يتكرر كثيرا، وهو يعكس fascination الناس بالحضارة المصرية القديمة وغموضها، دعنا نوضح الأمر بشكل علمى ودقيق: لا يوجد أى دليل علمى على وجود ما يُسمى بـ«حراس كنوز» بشكل غيبى أو خارق، ولا على وجود لعنة تصيب من يفتح المقابر.

وأضاف، هذه القصص تنتمى للتراث الشعبى والأساطير، وغالبا تنتشر فى المجتمعات التى تحيط بالمواقع الأثرية، وهذا أمر طبيعى فى أى حضارة عظيمة ممتلئة بالرموز الدينية والأسرار، والفراعنة بالفعل كانوا يكتبون تحذيرات على جدران المقابر، لكنها كانت رمزية، وجزء من طقوس دينية، هدفها تخويف المعتدين ليس أكثر، أما موضوع «لعنة الفراعنة» الذى يتحدث عنه  الناس كثيرا ، فبدأ فعليا بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون سنة 1922، عندما مات بعض أعضاء فريق هوارد كارتر. فالناس وقتها فسّرت ذلك على أنه لعنة، لكن الحقيقة أن الدراسات العلمية فسّرت الوفيات بأسباب طبية: غازات سامة أو جراثيم ناتجة عن غلق المكان لفترة طويلة.

وأكمل حسين عبدالبصير، أما بالنسبة للثعابين أو الحيوانات التى من الممكن أن تهاجم المستكشفين، فهذا  طبيعى جدا فى بيئة صحراوية أو فى مقابر مغلقة منذ  آلاف السنين. لكن لا وجد أى «حراس خارقين»، وخلاصة الأمر أن المكان كان مغلقا مما يجعله غير مأهول لفترة طويلة، فتسكنه بعض الكائنات، والخلاصة، لا نوجد  «لعنات» ولا «حراس كنوز» بالمعنى الغيبى، لكن فى حضارة عظيمة، ناسها كانوا بيحترمون الموت والدفن بشكل كبير، وهذا انعكس فى طقوسهم ونقوشهم، وحب الناس للأسطورة  صنع فكرة اللعنة.

حسين عبدالبصير

من جانبها، أكدت الدكتورة منى حمدى، استشارى علم النفس، أن لعنة الفراعنة لا تزال بين أساطير الحراس وغموض العلم والتحليل النفسى، وأن كل ما يتردد فى الأوساط الشعبية من حكايات عن «حراس الكنوز الفرعونية»، مخلوقات خرافية أو كائنات غير مرئية، يُقال إنها تحرس المقابر القديمة وتمنع البشر من الاقتراب منها، هو محض خيال ووهم علميا ونفسيا.

وتابعت: رغم عدم وجود أدلة مادية ملموسة عليها، وجدت وما زالت تجد لها طريقا إلى العقل الجمعى لتتحول إلى شبه حقيقة مؤكدة ومعتقد راسخ، وقد قدم كثير من العلماء والباحثين فى هذا المجال ️التفسير العلمى والأدلة على أنه لا وجود لما يسمى لعنة الفراعنة، فهل هناك لعنة فعلا!

الدكتورة منى حمدى

ولفتت، إلى أن علماء الآثار والباحثين فى علم الجراثيم يؤكدون أن ما يُطلق عليه «لعنة الفراعنة» ليس إلا نتيجة التعرض لغازات سامة أو بكتيريا عالقة فى جدران المقابر المغلقة منذ آلاف السنين، وذلك لأن أغلب المقابر تحتوى على مركبات كيميائية مثل الفورمالدهيد أو غاز الرادون، والتى قد تسبب مشكلات تنفسية أو حتى الوفاة فى بعض الحالات، فلماذا إذن ما زال الناس تصدق بلعنة الفراعنة رغم تقديم الدلائل المنطقية والتفسير العلمى، الحقيقة أن العامل النفسى له عامل قوى هنا يفوق تأثير العلم والمنطق فلماذا نصدق لعنة الفراعنة؟

وأكدت انه من منظور علم النفس، فإن تصديق «لعنة الفراعنة» يرتبط بقوة الإيحاء والرهبة من المجهول، فالدماغ البشرى بطبيعته يبحث عن تفسيرات سريعة وغيبية لما لا يفهمه، خاصة إذا كان فى سياق خرافى أو له طابع درامى او مرتبط بوقائع تراثية وأسطورية، تجعل الفرد يميل إلى تصديق هذه الظواهر الغامضة، خصوصا إذا ارتبطت بالموت أو الكنوز أو التاريخ العريق، الوهم والإيحاء النفسى فى هذه الحالات يمكن أن يُولد أعراضا حقيقية جسدية ونفسية، كالإرهاق، التعرق، ضربات قلب وتنفس مرتفع نتيجة ارتفاع الادرينالين بسبب الخوف النفسى، أحيانا هلاوس وقتية؛ سمعية أو بصرية أو شمية، وقد تصل الأعراض الجسدية بسبب الوهم والإيحاء النفسى لدرجة الأزمات الصحية، كما أن قوة الإعلام والدراما التى تروج للفكرة والأسطورة المعاد تدويرها تغذى هذه الأساطير وتعيدها بقوة، فكلما ازداد الحديث عن لعنة تصيب المستكشفين، كلما ازدادت القناعة الشعبية بأنها حقيقية، ولو دون دليل.

وتابعت: فكيف يصنع العقل لعنته الخاصة بقوة الإيحاء والوهم، من المدهش أن الإنسان قادر على أن يتأثر نفسيا وجسديا بأفكار لا أساس لها من الواقع المادى، وهو ما يعرف بـ«قوة الإيحاء»، وهى قدرة العقل على توليد ردود فعل نفسية وجسدية بناء على اعتقاد أو تصور معين، حتى وإن كان غير حقيقى، فى حالة «لعنة الفراعنة»، يلعب الإيحاء النفسى دورا محوريا، مجرد سماع قصة عن وفاة عالم آثار بعد اكتشافه لمقبرة، قد يدفع الآخرين للشعور بالقلق أو التوتر لمجرد وجودهم فى المكان نفسه، ومن ثم تبدأ سلسلة من الأعراض الجسدية: زيادة ضربات القلب، ضيق التنفس، التعرق، وأحيانا الإغماء. هذه ليست خرافات، بل تفاعلات بيولوجية حقيقية سببها حالة الفزع الإيحائى، كما أن الوهم المُعدى والمعتقد الجماعى والانسياق لعقلية القطيع تشير إلى أن المعتقدات الشائعة يمكن أن تنتقل بين الأفراد كأنها عدوى نفسية، إذا صدّق المجتمع وجود لعنة، يبدأ العقل فى استدعاء أدلة تؤكد الفكرة، حتى لو كانت غير منطقية ويُعرف هذا فى علم النفس بـ»التحيز التأكيدى confirmation bias»، حيث يسعى العقل لإثبات صحة ما يؤمن به.

وأتمت: وفقا لعلم الأعصاب فالتجربة الجسدية لأفكار غير ملموسة يلعب فيها الإيحاء القوى دورا فعالا، حيث يستطيع تنشيط نفس المناطق فى الدماغ التى تنشط أثناء الشعور بتجربة حقيقية رغم عدم حدوثها بما يصاحبها من شعور بالخوف، الفزع، الصدمة وحتى الألم أو المرض الحقيقى بكل أعراضه رغم أنه متوهم،  وهذا ما يفسر كيف أن شخصا مؤمنا بلعنة الفراعنة قد يُصاب فعليا بمرض أو انهيار نفسى بمجرد زيارته لمقبرة فرعونية - ليس بسبب لعنة حقيقية، بل بسبب «توقعه» لها، وإيمانه القوى بها وتصديقه الراسخ بالمعتقد، وبذلك يصنع الخوف حقيقة لا وجود لها، ولأن الإنسان يميل بطبيعته إلى ربط الأحداث المأساوية بعوامل غامضة فى محاولة لتفسيرها، فحين يتوفى أحد الباحثين بعد فترة قصيرة من فتح مقبرة، يربط البعض الوفاة بـ«اللعنة» رغم احتمال وجود أسباب صحية أو بيئية حقيقية، وأن الخوف هنا لا يفسر الحدث فقط، بل قد يخلقه أحيانا.

التقرير فى عدد اليوم السابع