التربية الجنسية من منظور الانتقائية
كي لا نفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، في تحقيق أهداف التربية الجنسية، دعونا نؤكد على ماهية الانتقائية، التي تضمن ألا ننحرف عن مسار وخطى الإصلاح المجتمعي، عبر بناء كيان بشري سوي، يمتلك مقومات الاستخلاف في الأرض؛ فقد اخترنا للانتقائية ما تقرره بنية العلم في مكنونها، والتي تتناغم مع فقهنا لعقيدتنا الوسطية، ولا تتعارض مع أسس الصحة العامة للفرد، وهنا نمزج بين الثقافة ونظريات التربية، في إطار تناول مفردات التربية الجنسية، بمعني أن نختار من طيات الموضوعات، بما لا يتعارض مع ثقافتنا وتراثنا الأصيل؛ فندرك أن ما يصلح لمجتمع، لا يقره أو يأخذ به مجتمع آخر؛ ومن ثم نتوافق على ما يدعم ويعزز أصول التربية، في مجتمعنا الشرقي المحافظ بطبعه.
تقوم التربية الجنسية في كليتها على التشارك بين أهل العلم والاختصاص؛ فلا ينفرد بمفرداتها أحد؛ كي نستطيع أن نحقق مستهدفاتها بصورة وظيفية على أرض الواقع، ونضمن ألا نقع في أنفاق مظلمة، جراء من يرغبون في دس السم بالعسل؛ فما نريده انضباط النفس والثقة بالذات، والحماية من وساوس شياطين الإنس والجن على السواء، وما نرغب فيه أن نبعد فلذات أكبادنا عن معاول هدم الشعوب، ومثلثات الشرور، التي تكمن في صور الانحراف المتعددة، المنتشرة عبر الفضاء الرقمي المنفلت، والذي أصاب بأسهمه صلب سياج المجتمعات، واضعف منظومة القيم لديها.
عندما نتوافق على مفردات التربية الجنسية، ونعد لها موضوعات، تترجم الخبرات المراد إكسابها لفلذات الأكباد؛ فإن لبنة المصادر التي توضع لهذا الغرض، والمعبرة في صيغتها النهائية عن صورة المنهج المقترح، يجب أن نلتزم بها؛ كي لا يتدخل هوي من يقوم على تدريسها للفئات المستهدفة في ذلك؛ فنضمن خلو الرسالة من الشوائب، ونصل إلى الغايات المنشودة بصورة آمنة، ونتجنب متغيرات البيئات التعليمية، والتي يأتي في مقدمتها العادات والتقاليد، التي تتباين من بيئة لأخرى، داخل المجتمع الواحد.
الانتقائية تعني في سياقها الحد المعقول من المعلومات والخبرات، التي تقدم للفئة المستهدفة، بما يسهم في تنمية الوعي الصحيح، تجاه النفس والآخرين، وبما يجيب عن تساؤلات واستفسارات تجول في الخاطر، ولا يستطيع أن يترجمها اللسان خجلًا وحياءً، وهنا دعوة صريحة للانضباط، وليس فتح باب لممارسة الفسق والفجور، من قبيل الحقوق، التي تهدر كرامة الإنسان، وتضير بكيانه، وتحوله لباحث عن شهواته ونزواته، ولا يعبأ بمعايير وقيم أسرية، أو مجتمعية؛ فالغاية لديه تبرر الوسيلة.
البحث عن الانتقائية، يقوم على أهداف نامل أن تتحقق بصورة مقصودة، عبر برامج معتمدة، ولا اعتقد أن تخرج عن الإطار المؤسسي؛ لنضمن فعاليتها، ونتأكد من ألا تخرج عن المسار المحدد لها؛ فإذا ما أدرك الإنسان منا المعلومات الصحيحة، عن طبيعة النشاط الجنسي لديه، أمكنه أن يتعامل مع كافة المتغيرات التي تطرأ عليه بصورة سليمة، وإذا ما تعرف على أن هذا المطلب البيولوجي مهم لبقاء البشرية، وإعمار المعمورة؛ فإنه يعي أهمية المعلومات المرتبطة بالتربية الجنسية، وعندما يتعلم المفاهيم الجنسية في سياق علمي رصين؛ فإن التناول لها يصبح غير مربك، أو محرج، أو يشير إلى دلالة خطأ.
التربية الجنسية من منظور الانتقائية، تعمل قطعًا في سياق أهدافها، على تصويب أنماط الفهم الخطأ، وتعديل السلوك غير القويم، وهنا نحاول أن نجنب فلذات الأكباد من الوقوع في بوتقة التجارب غير السوية، التي تقوم على الرغبة الجنسية الجامحة؛ ومن ثم تقيهم شر نتائجها، التي يبقى أثرها في النفس فترات طويلة من الزمن، كما تحظر التربية الجنسية دعوات الإباحية المتعددة الأنماط؛ فلا قبول لانحرافات جنسية، ولا مكان لأفكار هدامة تدعو للشذوذ؛ ومن ثم تكسب الفرد مناعة ضد سبل ترويج الدعوات الباهتة، التي تستهدف النيل من الطبيعة البشرية السوية.
أود الإشارة إلى أن الأسرة لها دور رئيس في إنجاح غايات التربية الجنسية، في إطارها المؤسسي، وهنا نتحدث عن طرائق التعزيز، التي تجعل فلذات الأكباد يهتمون باكتساب الخبرات، في صورتها العلمية الرصينة، عبر مناهج مقننة، وموضوعات محددة، ومحتوى واضح المكون؛ لكن عندما لا تتكامل الأسرة مع السياق المؤسسي، يواجه الأبناء حالة من الصراع الداخلي؛ ومن ثم لا يستطيع الأبن أن يتحدث بما اكتسبه من خبرات، أمام باقي أفراد الأسرة، قد يكون خوفًا، أو استحياءً، وهنا تبدو القناعة هشة، بصور الخبرات التي يتلقاها داخل إطار المؤسسة التعليمية.
نأمل ألا نتأخر كثيرًا عن إعداد الأبناء، في خضم تربية متكاملة، لا تنفك عنها التربية الجنسية؛ كي يحمي الفرد نفسه، ويستطيع أن يتعامل بصورة صحيحة مع ذاته؛ فيسلم على المستوى الصحي والنفسي، كما يتصدى لكل ممارسة غير حميدة، قد تناله من قريب، أو بعيد، في أي مكان كان؛ بالإضافة إلى وعيه بالسعادة وطرائقها العاجلة منها والآجلة؛ ومن ثم يمتلك مقومات تكوين أسرة في المستقبل.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus