المؤشر العالمى للفتوى يحلّل (100) فتوى حول "الحج والتنمية المستدامة".. ويكشف: هناك تأصيل شرعي للتنمية المستدامة فى الحج يستند إلى نصوص القرآن والسنة.. ويؤكد: تطبيق هذه المبادئ بات ضرورة شرعية

 تقتضيها مسئولية المسلمين تجاه البيئة والموارد وحقوق الأجيال القادمة

أكد المؤشر العالمي للفتوى (Global Fatwa index)، التابع لـ دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن فريضة الحج تمثِّل ركنًا أساسيًّا من أركان الإسلام، وشعيرة عظيمة تجمع ملايين المسلمين سنويًّا، مضيفًا أن هذه التجمعات المهيبة لا تقتصر على الجوانب الروحية والعبادية فقط؛ بل تنطوي أيضًا على تحديات تتعلق بالجوانب التنظيمية واللوجستية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك توفير بيئة صحية وآمنة، ومكافحة انتشار الأمراض من خلال مبادرات التوعية الصحية والنظافة.

وتابع مؤشر الفتوى أنه في هذا السياق، تبرز الفتاوى الصادرة عن المؤسسات والهيئات الدينية المعتبرة، كأداة توجيهية شرعية للمسلمين في أداء مناسكهم، وفي التعامل مع مختلف القضايا التي قد تطرأ خلال أداء الشعائر.

من هذا المنطلق، حلّل مؤشر الفتوى نحو (100) فتوى رسمية صادرة من مؤسسات وهيئات وشخصيات معتبرة، لبيان كيفية تناول الفتاوى المعاصرة لقضايا الحج وعلاقتها بمبادئ وأهداف التنمية المستدامة، ومساهمتها بشكل فعّال في توجيه الجهود نحو حج أكثر استدامة ومسؤولية، بما يتماشى مع تعاليم الإسلام السمحة وأهداف التنمية الشاملة.

محاور فتاوى الحج والتنمية المستدامة

أشار المؤشر العالمي للفتوى إلى أن مفهوم "الحج المستدام" فقهيًّا يطلق على أداء مناسك الحج بما يحقق مقاصد الشريعة، مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ على البيئة والموارد، ويضمن العدالة في فرص أداء المناسك للأجيال الحالية والمستقبلية.
وكشف المؤشر أن فتاوى "الحج والتنمية المستدامة" دارت حول ثلاثة محاور رئيسية؛ تصدرتها قضايا الاستدامة البيئية في الحج بنسبة (41%)، تلاها قضايا الاستدامة الاقتصادية بنسبة (36%)، وأخيرًا جاءت قضايا الاستدامة الاجتماعية في الحج بنسبة (23%).

وحول أبرز الفتاوى الرسمية المتعلقة بقضايا الاستدامة البيئية في الحج، لفت مؤشر الفتوى إلى أن أهمها فتوى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والتي أكد خلالها أن "اتباع الإجراءات التنظيمية للجهات المنظمة لعبادة الحج أمرٌ مطلوب شرعًا"، ولا يجوز للإنسان أن يتجاوزه، بناءً على أن تصرفات هذه الجهات تراعي مصالح الناس جميعًا، وتجاهل ذلك يؤدي إلى مفاسد عدة، من أهمها إفساد العبادة على الغير.

وفي السياق، حذر الأزهر الشريف من الحج غير النظامي، مشددًا على أن "حفظ النفس مقدَّمٌ على أداء الفرض"، واستندت الفتوى إلى أدلة شرعية من الكتاب والسنة النبوية المطهرة، حيث قال تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة» (البقرة: 195)، وقول النبي ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار" (أخرجه الدار قطني (3/77))، وأكدت الفتوى أن الجهات المنظمة للحج هدفها الأول هو سلامة ضيوف الرحمن وراحتهم لا التضييق عليهم.

كما أكدت هيئة كبار العلماء السعودية في فتوى موسمية لها أن الحكم بوجوب استخراج التصريح لمن أراد الذهاب إلى الحج، استند إلى عددٍ من الأدلة والقواعد الشرعية، يأتي في طليعتها ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير على العباد في القيام بعبادتهم وشعائرهم، ورفع الحرج عنهم.

واتفقت الفتاوى السابقة مع مضمون فتوى كويتية جاء فيها أنه "لو تأمل المنصفون ممن أفتوا بجواز الحج دون تصريح في مآلات فتاواهم لما تسرعوا بإصدارها، ولأدركوا أن فتح الأبواب على مصاريعها لكل من أراد الحج دون ضوابط فيه فتح لأبواب فساد عظيمة وتحريض على الفوضى، وتشجيع على ارتكاب محرمات تُعدُّ من الكبائر منها: الكذب والتزوير والتدليس، والتحريض على الإلقاء بالأنفس إلى التهلكة".

ورصد مؤشر الفتوى فتاوى أخرى متعلقة بالحفاظ على البيئة والمكان، وهي من أبرز أهداف التنمية المستدامة، مثل: حكم استخدام المواد الصديقة للبيئة أثناء الحج (مثل أدوات الطعام القابلة للتحلل)، وعدم ترك المخلفات في المشاعر أو الطرقات بعد أداء النسك، وتطبيق حملات "الحج الأخضر"، بهدف جعل مناسك الحج والعمرة صديقة للبيئة، وتخصيص حملات حج وعمرة تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية واستخدام الطاقة النظيفة، والتخلص السليم من النفايات، وتقليل إنتاجها، وتشجيع إعادة التدوير، وترشيد استخدام المياه والكهرباء.. وغيرها.

وحول الفتاوى الرسمية الخاصة بالاستدامة الاقتصادية في الحج، أكد المؤشر أن أبرزها فتاوى تناولت دعم الاقتصاد المحلي، وتمكين المجتمعات المضيفة للحجاج، وفتاوى تعزيز الإنفاق المسئول وتجنب الإسراف والتبذير، وضمان الشفافية والعدالة في إدارة الموارد المالية للحج.

كما استشهد المؤشر العالمي للفتوى بأبرز فتاوى الاستدامة الاجتماعية في الحج، والتي تكرر مضمونها أو محتواها في أكثر من دولة، مثل: وجوب ضمان حقوق وسلامة جميع العاملين في قطاع الحج، وتحسين ظروف إقامة الحجاج وتوفير بيئة مريحة وآمنة لهم، واستحباب التفاعل الإيجابي بين الحجاج من مختلف الثقافات، وضمان سهولة الوصول إلى الخدمات والمرافق لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، والمسئولية الاجتماعية لشركات الحج والعمرة تجاه تحقيق الاستدامة في خدماتها.. إلخ.  

التأصيل الشرعي للتنمية المستدامة في الحج

وكشف المؤشر العالمي للفتوى أن هناك تأصيلًا شرعيًّا للتنمية المستدامة في الحج يستند إلى نصوص القرآن والسنة، ومقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، لافتًا إلى أن تطبيق هذه المبادئ ليس مجرد خيار؛ بل بات ضرورة شرعية تقتضيها مسئولية المسلمين تجاه البيئة والموارد وحقوق الأجيال القادمة، وبما يضمن أداء هذه الشعيرة العظيمة في أفضل الظروف وأكثرها استدامة.

وحلل المؤشر التأصيل الشرعي للتنمية المستدامة في الحج من خلال عدة جوانب، أولها الأدلة الشرعية من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فمن القرآن الكريم نهى الله تعالى عن الإفساد في الأرض بأي شكل من الأشكال، وهذا يشمل الإسراف في الموارد والتسبب في التلوث، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، وهذه الآية تعتبر قاعدة أساسية في الحفاظ على البيئة ومواردها، وهو جوهر التنمية المستدامة.

كما دعا الإسلام إلى التوازن والاعتدال في كل شيء، بما في ذلك الاستهلاك، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. وهذا المبدأ يوجه سلوك الحاج نحو الاستخدام الرشيد للموارد المتاحة في الحج.

وفي السنة النبوية المطهرة، أولى النبي - صلى الله عليه وسلم - اهتمامًا كبيرًا بالنظافة وإزالة الأذى من الطرق والأماكن العامة. قال صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس» (رواه مسلم). وهذا يشمل الحفاظ على نظافة المشاعر المقدسة وأماكن أداء المناسك.

كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلويث المياه والموارد الطبيعية. قال صلى الله عليه وسلم: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» (رواه مسلم). وهذا يوجه الحاج إلى الحفاظ على نظافة مصادر المياه وعدم الإضرار بها، وأخيرًا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتصاد وعدم الإسراف في استخدام الماء وغيره من الموارد حتى في العبادات.

وأشار المؤشر إلى أن الشريعة الإسلامية تهدف إلى حفظ الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، والتنمية المستدامة في الحج تساهم في حفظ هذه الضروريات من خلال توفير بيئة صحية وآمنة للحجاج (حفظ النفس)، وضمان استدامة الموارد للأجيال القادمة (حفظ النسل والمال، وبمعنى أوسع يشمل الموارد)، وتهيئة الظروف المناسبة لأداء العبادات (حفظ الدين).

وتابع مؤشر الفتوى أن مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد يُعد من أهم مقاصد الشريعة، ولا شك أن تطبيق مبادئ التنمية المستدامة في الحج يهدف إلى جلب المصالح للحجاج والمجتمع على المدى الطويل من خلال الحفاظ على البيئة والموارد، ودرء المفاسد الناتجة عن التلوث والإسراف.

توصيات

وفي النهاية قدّم المؤشر العالمي بعض التوصيات الخاصة بموضوع الحج والتنمية المستدامة، والتي يمكن أن تساهم في تعزيز الوعي وتطبيق الممارسات المستدامة في موسم الحج:
 للمؤسسات الدينية والجهات المسئولة عن الحج:
- إصدار فتاوى تشجع على تبني الممارسات المستدامة وتذليل العقبات أمام تطبيقها.
- تضمين خطب الجمعة والدروس والمحاضرات التوجيهية للحجاج مفاهيم الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية في سياق الحج.
- إنتاج مواد توعوية (كتيبات، مقاطع فيديو، تطبيقات) بلغات مختلفة لتثقيف الحجاج حول الممارسات المستدامة.
- إبراز النصوص الشرعية التي تحث على الحفاظ على البيئة وترشيد الاستهلاك وتجنب الإسراف.

 للحجاج:
- زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وترشيد الاستهلاك أثناء أداء مناسك الحج.
- الالتزام بالإرشادات والتوجيهات المتعلقة بالنظافة والتخلص السليم من النفايات.
- ترشيد استخدام المياه والطاقة في أماكن الإقامة.
- تجنب الإسراف في الطعام والشراب والتسوق.

 لوسائل الإعلام:
- إنتاج محتوى إعلامي جذاب يسلط الضوء على أهمية تبني ممارسات مستدامة في الحج.
- استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي وتشجيع الحجاج على تبني سلوكيات صديقة للبيئة.
- استضافة خبراء ومتخصصين لمناقشة قضايا الحج والتنمية المستدامة.

المؤشر العالمي للفتوى