سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 31 مايو 1812.. إبراهيم باشا يرتكب «مذبحة المماليك الثانية» ويقتل 400 منهم و200 عبد أسود فى إسنا.. وطبيبه الفرنسى يتوسط لإنقاذ مملوكين وآخر ينجو بسبب صباه وجماله

إبراهيم باشا
إبراهيم باشا
سعيد الشحات

لجأ الماليك الناجون من مذبحة القلعة التى نفذها محمد على باشا فى بداية شهر مارس من عام 1811 إلى النوبة ودنقلة، واختلفت تقديرات عدد ضحايا المذبحة، فهناك من يقدر عددهم بـ1200 حسبما يذكر الفنان والمستشرق الفرنسى «بريس دافين» فى مذكرته «إدريس أفندى فى مصر»، و«دافين» مولود فى فرنسا عام 1807، وأصبح مهندسا معماريا، ثم حضر إلى مصر عام 1829 ليلتحق بخدمة محمد على باشا مهندسا للرى فى بادئ الأمر، ثم أستاذا للطبوغرافية بمدرسة أركان الحرب فى الخانكة، وفى الوقت نفسه مربيا لأبناء إبراهيم بن محمد على.


يؤكد «بريس دافين» أنه قضى فى مصر 17 عاما تعرض خلالها للسجن، ويذكر الدكتور أنور لوقا فى مقدمته للمذكرات التى قدمها وجمعها وقام بترجمتها عن الفرنسية: «أحب بريس المصريين وفهم مشاكلهم، وميز جوهر صفاتهم تحت الأسمال التى ألقاها عليهم الحاضر المظلم، وتعمق مجتمعهم، وتأمل تفاصيل حياتهم ،وتكلم لغتهم واهتم بماضيهم، واستقال عام 1836، وتحرر من القيود الرسمية، وتفرغ لدراسة «الهيروغليفية» ليجتلى تاريخ هذا المجتمع الذى يعيش فيه، وارتدى الزى الشرقى، وسمى نفسه «إدريس» بدلا من «بريس»، وجاب قرى مصر متنقلا من الدلتا إلى الصعيد بين الفلاحين، ومن الصعيد إلى النوبة والجميع يأنسون إليه ويلقبونه بـ«إدريس أفندى».


يصف «بريس دافين» حكم محمد على بطابع القسوة والظلم والإرهاب، وينقل مناظر تعذيب أفراد الشعب، ويؤكد أنه كان تعذيبا رسميا منظما ويتكرر فى كل يوم وفى كل قرية وفى كل مدينة، بل وفى أسواق القاهرة، ويذكر أن الفلاحين أطلقوا على «محمد على» لقب «ظالم باشا» لفرط ما نالهم من التعذيب على أيدى مأموريه، فمن الكى بالقرميد الأحمر المحمى فى النار إلى تسمير آذانهم، إلى تمزيق أجسامهم بالكرباج.


يذكر «إدريس» تفاصيل «مذبحة المماليك الثانية» التى ارتكبها «إبراهيم باشا» ضد الفارين من مذبحة القلعة، ويقدم ملامح شخصية إبراهيم باشا، قائلا: «كل ما يبدو لك من خلقة إبراهيم باشا ينبئ عن رجل سوقى، قامة قصيرة، وحركات مفاجئة، ووجه انتشرت فيه نقط حمراء، ونقرة الجدرى، وعينان رماديتان ترتفعان عند الزاوية الخارجية، وثغر مبتسم دائما يضفى على وجهه الصغير مظهرا مرحا، طبيعته فاترة، ولكنك إذا أضحكته بشئ من التهريج رجع بسهولة عن حدة غضبه، وكان نزقا عنيدا، حذرا، يتوجس من كل شىء، قاسيا، مسرفا فى الانتقام، كان يحب الانتفاع، فلا يدخر وسيلة لتكريس كل ما يطيب له، وبلغ من تكالبه على الكسب أنه أثناء حياة والده كان يزاول التهريب ويسرب إلى القاهرة «تمباك» مزارعه التى كانت فى «القبة»، كان يتكلم كثيرا كلاما ردىء العبارة خاليا من كل علم، والويل لمن كان يجرؤ على أن يتنقص مما يقول أو أن يقدم بعض الاعتراضات على مشروعاته، ولا يكاد يعرف القراءة والكتابة إلا فى مشقة، ويضيف إلى هذه الذخيرة من الجهل غرورا وكبرياء لا تطاق».


وعن المذبحة الثانية، يذكر «إدريس أفندى» أن الذين فروا من مذبحة القلعة التجأوا إلى النوبة ودنقلة، واضطروا مكروبين من ناحية بعقبات الطبيعة، ومن ناحية أخرى بتعقب «إبراهيم» لهم، إلى أن يلتمسوا المأوى فى الجبال التى يقطنها العبابدة والبشارية، وأجبرتهم هذه القبائل على أداء ثمن باهظ عن تلك الضيافة، وأنفق البكوات لإمداد جنودهم بالقوت اللازم فى قلب تلك الصحراء جميع ما ملكت أيديهم، وعلى الرغم من التضحية بذخائرهم هلكت جميع جيادهم من قلة الغذاء، وهلك كثير من رجالهم نتيجة لشدة الحرمان.


يؤكد «إدريس» أنه مع صعوبة الحياة أمام هؤلاء المماليك، قبلوا أن يستمعوا إلى عرض الصلح الذى أرسله إبراهيم مع مندوبين له، ولم يشمل وعدهم بسلامة حياتهم فقط، وإنما إعادتهم إلى المناصب التى فى مستوى رتبهم، وأن يرد لهم ممتلكاتهم، شرط أن يعترفوا بحكومة محمد على، ويذكر «ادريس»: «خلبت هذه الوعود نحو 400 مملوك فأنستهم الدرس القاسى الذى تلقوه منذ عام خلا، وكان على رأسهم بكوات مختلفون، فقبلوا المقترحات، وفى نهاية مايو، مثل هذا اليوم، عام 1812 نزلوا من الجبال قوافل صغيرة واتجهوا نحو «إسنا» حيث كان مقر قيادة إبراهيم، فلما اجتمعوا ورأى ابن محمد على أنه لا ينبغى انتظار قدوم آخرين تستدرجهم تلك الوعود المغرية، أصدر أمره بالإجهاز على أشتات هؤلاء الجند الذين كانوا ذوى صولة فيما مضى، وفى ليلة واحدة ذبحوا جميعا بلا رحمة، ولقى مائتا عبد أسود مصير سادتهم».
يكشف «إدريس» أن وساطة قام بها طبيب إبراهيم وكان فرنسيا، أنقذت مملوكين فرنسيين من هذه المذبحة الرهيبة، ويذكر أنه التقى بمملوك آخر فى إسنا يدين بنجاته من هذه المذبحة إلى ما كان عليه من الصبا والجمال.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تفاصيل أول اجتماع استمر 4 ساعات بين أحفاد الدكتورة نوال الدجوي

النيابة تتحفظ على سيارة صدمت 4 أفراد من أسرة واحدة وتطالب بتفريغ الكاميرات

هاني سعيد: بيراميدز أول فريق يتوج بلقب أفريقيا بدون جمهور

بروتوكول تعاون بين النيابة وبنك مصر لتقسيط المخالفات المرورية للمواطنين

الكراوتى كرونسلاف يوريتيتش يحصد اللقب الثامن فى تاريخه والأغلى بمشواره


مهند لاشين يرفع علم فلسطين خلال احتفالات بيراميدز بأول لقب أفريقي ..صور

تطورات فى أزمة نوال الدجوى.. أول لقاء تصالحي بين الأحفاد بعد عامين قطيعة

زلزال يضرب الغردقة بقوة 3.3 ريختر.. إنفوجراف

راينرز يسجل هدف صن داونز الأول في شباك بيراميدز.. والنتيجة 2 / 1 للسماوي

زلزال على بعد 44 كيلو متر شمال غرب الغردقة بقوة 3.3 ريختر


نجل تامر حسني وبسمة بوسيل يتعرض لأزمة صحية.. ووالدته تطلب الدعاء

15 دقيقة.. بيراميدز يتعادل مع صن داونز سلبيًا فى نهائي أفريقيا

ليلى أحمد زاهر تتغزل في زوجها هشام جمال: أنت حب العمر

انقطاع الخصومة بدعوى عدم دستورية مادة إخلاء الأماكن بقانون الإيجار القديم

نيابة الأقصر تفتح تحقيقا موسعا مع مسئولى الثقافة عقب واقعة التنقيب عن الآثار

الأهلي يشارك بـ6 أجانب فى كأس العالم للأندية.. ورحيل يحيى عطية الله بعد البطولة

وزير العمل: إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص من 5 لـ9 يونيو

اعتماد نتيجة الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية خلال ساعات

الزمالك يمنح الرمادي حرية حسم مصير مشاركة زيزو فى نهائي كأس مصر

تتويج سان جيرمان بدوري أبطال أوروبا يُكلف ناصر الخليفي 4.86 مليار يورو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى