الدكتور على جمعة: مساحة الاجتهاد في فقه المواريث "ضيقة".. أكثر من 30 حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه.. وحالات ترث هى ولا يرث الرجل.. و4 حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل

من حين لآخر يثار أمر ميراث المرأة وتظل الفكرة الخاطئة عن ظلم المرأة سائدة لدى بعض الأشخاص ، والتى يتخذها البعض ذريعة لإثارة الجدل والحديث عن ضرورة المساواة فى الميراث، الدكتور على جمعة ، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ، لديه بحث فند فيه كل تلك الادعاءات بل ذكر كل الحالات التى ترث فيها المرأة اكثر من الرجل ، والذى اكد أنه من الأمور المهمة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن المسلم الواعي أن مساحة الاجتهاد في فقه المواريث خاصة ضيقة، وأحكام المواريث في أغلبها ليست إلا تطبيقًا لنصوص الشارع الحكيم، فالذي قسم تلك الأنصبة هو الله سبحانه وتعالى وعندما استقرأ العلماء هذه التقسيمات زاد يقينهم بالله وسبحوا ربهم على حكمة التشريع الرباني وقالوا صدق ربنا : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}.
وتابع الدكتور على جمعة :يتردد كثيرًا قول بعضهم : «إن الإسلام ظلم المرأة؛ حيث جعل نصيبها في الميراث نصف نصيب الرجل »، ونحن المسلمون نؤمن بثوابت راسخة عن صفات الله تعالى، تجعل تلك الشبهة لا تطرأ على قلب أي مسلم أو مسلمة، وتتمثل تلك الثوابت في أن الله سبحانه حكم عدل، وعدله مطلق، وليس في شرعه ظلم لبشر أو لأي أحد من خلقه : {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}]، {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } ، {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ، { وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } ، { فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} .
وإن الفروق في أنصبة المواريث هي أساس قضية المواريث في الفقه الإسلامي، ولا تختلف الأنصبة في المواريث طبقًا للنوع؛ وإنما تختلف الأنصبة طبقًا لثلاثة معايير :
الأول : درجة القرابة بين الوارث والمورث : ذكرًا كان أو أنثى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث ؛دونما اعتبار لجنس الوارثين، فترى البنت الواحدة ترث نصف تركة أمها (وهي أنثى) ،بينما يرث أبوها ربع التركة (وهو ذكر) وذلك لأن الابنة أقرب من الزوج ؛فزاد الميراث لهذا السبب.
الثاني : موقع الجيل الوارث : فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها، بل تصبح أعباؤها - عادة - مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - وترث بنت المتوفى أكثر من أبيه كذلك في حالة وجود أخ لها مثلًا .
الثالث : العبء المالي : وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفـاوت لا يفـضى إلى أي ظـلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح.
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في العاملين الأولين (درجة القرابة، وموقع الجيل) - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكورًا وإناثًا - يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات، والحكمة في هذا التفاوت، في هذه الحالة بالذات هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى - هي زوجه - مع أولادهما، بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكر إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.
فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها الذي ورث ضعف ميراثها أكثر حظًّا وامتيازًا منه في الميراث؛ فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة، لجبر الاستضعاف الأنثوي، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات، وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين، ومن أعباء الرجل المالية ما يلي :
1- إن الرجل عليه أعباء مالية في بداية حياته الزوجية وارتباطه بزوجته، فيدفع المهر ، يقول تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [النساء: 4]، والمهر التزام مالي يدفعه الرجل للمرأة من تشريعات بداية الحياة الزوجية، والمرأة تتميز عن الرجل؛ حيث ليس من حقه أن يطالب بمهر من المرأة إذا ما أرادت أن تتزوج منه.
2- إن الرجل بعد الزواج ينفق على المرأة؛ وإن كانت تمتلك من الأموال ما لا يمتلكه هو، فليس من حقه أن يطالبها بالنفقة على نفسها فضلًا عن أن يطالبها بالنفقة عليه؛ لأن الإسلام ميزها وحفظ مالها، ولم يوجب عليها أن تنفق منه.
3- إن الرجل مكلف كذلك بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقتهم، حيث يقوم بالأعباء العائلية والالتزامات الاجتماعية التي يقوم بها المورث باعتباره جزءًا منه، أو امتدادًا له، أو عاصبـًا من عصبته.
هذه الأسباب وغيرها تجعلنا ننظر إلى المال أو الثروة نظرة أكثر موضوعية، وهي أن الثروة والمال أو الملك مفهوم أعم من مفهوم الدخل، فالدخل هو المال الوارد إلى الثروة، وليس هو نفس الثروة؛ حيث تمثل الثروة المقدار المتبقي من الواردات والنفقات.
وبهذا الاعتبار نجد أن الإسلام أعطى المرأة نصف الرجل في الدخل الوارد، وكفل لها الاحتفاظ بهذا الدخل دون أن ينقص سوى من حق الله كالزكاة، أما الرجل فأعطاه الله الدخل الأكبر وطلب منه أن ينفق على زوجته وأبنائه ووالديه إن كبرا في السن، وعلى من تلزمه نفقته من قريب وخادم. وما استحدث في عصرنا هذا من الإيجارات والفواتير المختلفة؛ مما يجعلنا نجزم أن الله فضل المرأة على الرجل في الثروة؛ حيث كفل لها حفظ مالها، ولم يطالبها بأي شكل من أشكال النفقات.
ولذلك حينما تتخلف قضية العبء المالي كما هو الحال في شأن توريث الإخوة والأخوات لأم؛ نجد أن الشارع الحكيم قد سوَّى بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى منهم في الميراث، قال تعالى : {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]. فالتسوية هنا بين الذكور والإناث في الميراث؛ لأن أصل توريثهم هنا الرحم، وليسوا عصبةً لمورثهم حتى يكون الرجل امتداداً له من دون المرأة، فليست هناك مسئوليات ولا أعباء تقع على كاهله بهذا الاعتبار.
وباستقراء حالات ومسائل الميراث انكشف لبعض العلماء والباحثين حقائق قد تذهل الكثيرين؛ حيث ظهر التالي :
أولًا : أن هناك أربع حالات فقط ترث المرأة فيها نصف الرجل.
ثانيًا : أن أضعاف هذه الحالات ترث المرأة فيها مثل الرجل.
ثالثًا : هناك حالات كثيرة جدًّا ترث المرأة فيها أكثر من الرجل.
رابعًا : هناك حالات ترث المرأة فيها ولا يرث نظيرها من الرجال.
وتفصيل تلك الحالات فيما يلي :
أولاً : الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل :
1- البنت مع إخوانها الذكور، وبنت الابن مع ابن الابن.
2- الأب والأم ولا يوجد أولاد ولا زوج أو زوجة .
3- الأخت الشقيقة مع إخوانها الذكور.
4- الأخت لأب مع إخوانها الذكور.
ثانيا : الحالات التي ترث فيها المرأة مثل الرجل :
1- الأب والأم في حالة وجود الفرع الوارث .
2- الأخ والأخت لأم.
3- أخوات مع الإخوة والأخوات لأم.
4- البنت مع عمها أو أقرب عصبة للأب (مع عدم وجود الحاجب).
5- الأب مع أم الأم وابن الابن.
6- زوج وأم وأختان لأم وأخ شقيق على قضاء سيدنا عمر رضي الله عنه، فإن الأختين لأم والأخ الشقيق شركاء في الثلث.
7- انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبًا، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًّا. وذلك أيضاً لو ترك أبًا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبًا، ولو ترك أمًّا فسترث الثلث فرضًا والباقي ردًّا عليها.
8- زوج مع الأخت الشقيقة؛ فإنها ستأخذ ما لو كانت ذكرًا، بمعنى لو تركت المرأة زوجًا وأخًا شقيقًا فسيأخذ الزوج النصف، والباقي للأخ تعصيبًا. ولو تركت زوجًا وأختًا فسيأخذ الزوج النصف والأخت النصف كذلك.
9- الأخت لأم مع الأخ الشقيق ، وهذا إذا تركت المرأة زوجًا، وأمًّا، وأختًا لأم، وأخًا شقيقًا؛ فسيأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والأخت لأم السدس، والباقي للأخ الشقيق تعصيبًا وهو السدس.
10- ذوو الأرحام في مذهب أهل الرحم، وهو المعمول به في القانون المصري في المادة 31 من القانون رقم 77 لسنة 1943، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروض ولا عصابات فإن ذوي الأرحام هم الورثة، وتقسم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى (بنت بنت، وابن بنت، وخال، وخالة) فكلهم يرثون نفس الأنصبة.
11- هناك ستة لا يحجبون حجب حرمان أبدًا وهم ثلاثة من الرجال، وثلاثة من النساء، فمن الرجال (الزوج، والابن، والأب)، ومن النساء (الزوجة، والبنت، والأم).
ثالثا : حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل :
1- الزوج مع ابنته الوحيدة.
2- الزوج مع ابنتيه.
3- البنت مع أعمامها.
رابعا : حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال :
1- لو ماتت امرأة وتركت (زوجًا، وأبًا، وأمًّا، وبنتًا، وبنت ابن)، وتركت تركة قدرها 195 فداناً مثلاً، فإن بنت الابن سترث السدس وهو 26 فدانًا، في حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفرًا؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيبًا ولا باقي، وهذا التقسيم على خلاف قانون الوصية الواجبة الذي أخذ به القانون المصري رقم 71 لسنة 1946، وهو خلاف المذاهب، ونحن نتكلم عن المذاهب المعتمدة، وكيف أنها أعطت المرأة، ولم تعط نظيرها من الرجال.
2-لو تركت امرأة (زوجًا، وأختًا شقيقة، وأختًا لأب)، وكانت التركة 84 فدانًا مثلًا، فإن الأخت لأب سترث السدس، وهو ما يساوي 12 فدانًا، في حين لو كان الأخ لأب بدلاً من الأخت لم يرث؛ لأن النصف للزوج، والنصف للأخت الشقيقة والباقي للأخ لأب ولا باقي.
3-ميراث الجدة : فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد، وبالاطلاع على قاعدة ميراث الجد والجدة نجد الآتي : الجد الصحيح (أي الوارث) هو الذي لا تدخل في نسبته إلى الميت أم مثل : أبي الأب، أو أبي أب الأب وإن علا، أما أبو الأم أو أبو أم الأم فهو جد فاسد (أي غير وارث) على خلاف في اللفظ لدى الفقهاء، أما الجدة الصحيحة فهي التي لا يدخل في نسبتها إلى الميت جد غير صحيح، أو هي كل جدة لا يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أُمَّيْنِ، وعليه تكون أم أبي الأم جدة فاسدة، لكن أم الأم، وأم أم الأب جدات صحيحات ويرثن.
4- لو مات شخص وترك (أبا أم، وأم أم) في هذه الحالة ترث أم الأم التركة كلها، حيث تأخذ السدس فرضًا والباقي ردًّا، وأب الأم لا شيء له؛ لأنه جد غير وارث.
5- وكذلك ولو مات شخص وترك (أم أم، وأبا أم أم) تأخذ أم الأم التركة كلها، فتأخذ السدس فرضًا والباقي ردًّا عليها ولا شيء لأبي أم الأم؛ لأنه جد غير وارث.
إذن فهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه ، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل. تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسـائل الميراث في عـلم الفرائض (المواريث).
Trending Plus