نهضة الأوطان رهن بناء الإنسان

بناء الأوطان يعتمد على توافر مقوم رئيس، يتمثل في بناء إنسان، يمتلك الوعي الرشيد، والخبرة النوعية، التي يستطيع من خلالها أن يحدث نقلات غير مسبوقة في مجاله؛ ومن ثم لا يرتضي حد المشاركة، ولا يتوقف عند مستويات أداء الواجبات، بل يتبني سبل الريادة، من خلال تنافسية، تحثه على مزيد من العمل والعطاء المستدام؛ كي يصل لغايات رسمها في خلده، وثابر من أجل أن يحققها.
نهضة الأوطان، تحتاج لإنسان يضيف لنسق الحضارة، ويعزز الإرث الثقافي، ويعضد مسار النهضة، ولا يتوقف عن مراحل الإعمار، وهذا يتأتى من مسلمة رئيسة فحواها: أنه يمتلك منظومة من النسق القيمي النبيل، ما يجعله يحافظ مقدرات الوطن، ويدعم كل ما يقوي أواصر المحبة، ويقوي نسيجه؛ فتصبح فلسفة التكافل من الثوابت الأساسية، لكافة أطياف المجتمع؛ فلا ترقب الضيم بين أفراده، ولا العوز في متسع أرجائه.
بناء الأوطان يقوم على إدراك إنسان لمخاطر الخلق غير القويم؛ فتراه يمنع انتشاره، ولا يعزز من يقوم به، ولا يمنحه الفرصة لأن يتمادى في غيه، ولا يترك سبيلًا نحو دحر محاولات القضاء على هذا النمط من الخلق غير القويم، ومن هنا تعلو الهمة نحو دروب الخير، والحض عليه موظفًا منابره ومداخله، كما تزداد العزيمة حيال إيقاف من يريد النيل من مقدرات الوطن، التي تكمن في ثروته البشرية؛ كونها ساعد التنمية وأداة البناء الرئيسة.
نهضة الأوطان، لا تنفك عن إنسان يحوز وجدان راق، يتغذى على الفضيلة، ويعتمد في طيفه على قيم نبيلة، ويسير على هدى مبادئ، تأتت من إيمان عقدي وسطي، لمجتمع له هوية، ويعي ماهية الوطن، عبر غور حضارته، وملامح أنماط ثقافته؛ ومن ثم لا يشوب فكره مفاهيم مغلوطة، أو من يتبنى سلوكيات، تقوم على ثقافات مستوردة بعيدة كل البعد عما يتبناه أبناء الوطن.
البناء القويم لإنسان يعشق تراب وطنه، من خلال فقه لماهية الولاء والانتماء، لا ينفك البتة عن بنى معرفية غير مشوبة، بل خبرة عميقة، تجعل الفرد قادر على فرز الغث من الثمين؛ فلا تستهويه أطياف سحر الثقافات، التي تهتم بالمادة، وما يرتبط بها من متع، ولو كانت في جملتها غير منضبطة، أو تنافي ما تربينا عليه من قيم، وأخلاق، وعادات، تتسم بالنبل، وتحافظ على الكرامة، وتصون الشرف، وتعضد العفة؛ فيصبح بنيان المجتمع قوي، لا يفت عضده، ممن يروجون لمغريات الثقافات المستوردة.
الإنسان القادر على تصويب ما يقع فيه من خطأ، ولديه الرغبة الصادقة، في أن يصل لغايته، ويمتلك العزيمة تجاه مواجهة التحدي، والتحلي بالإيمان، والمثابرة؛ من أجل أن ينجز مهامه وتكليفاته، ويخوض غمار العمل العام، رغم كلفته من وقت، أو جهد، أو مال، دون انتظار مقابل، ويحاول مرارًا وتكرارًا؛ كي يعبر بوابة الأشواك، ويصل لمأمنه بحكمة وتريث، ولا ينساق لتوجيهات تضير بأمنه واستقراره؛ ومن ثم يدرك أهمية التنظيم، والتخطيط، والتنفيذ، والتقويم.
رغم ضرورة مواكبة التطور، واللحاق بقطار النهضة العالمية، في شتى مجالات الحياة؛ إلا أن هنالك ثوابت، لا يتخلى عنها الإنسان، الساعي بكامل طاقته تجاه بناء الوطن؛ كونها تشكل سياج أمن وأمان، من سموم تبث ليل نهار، عبر منابر تنشر شائعات مغرضة؛ كي تهدم صورة المستقبل المشرق، وتستبدلها بساحات من الضباب، والوعود المكذوبة، التي أسس لها أهل الضلال منذ عقود.
من يبني الأوطان، لابد أن يمتلك المقدرة على التفكير القويم، المصبوغ بإيجابية، تجعله محبًا لما يقوم به من عمل، بل وتحثه على السعي المستدام تجاه اكتساب مزيد من الخبرات المثمرة، التي تمكنه من مواجهة التحديات، وحل المشكلات، وهنا نتحدث عن تشكيل قواعد وطنية، تعمل في منظومة متكاملة ومتناغمة؛ كي تعلو راية الوطن.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus