مشكلة كشمير.. الجذور التاريخية فى صراع الهند وباكستان

في كل مرة يشتعل فيها التوتر بين الهند وباكستان، تعود الذاكرة إلى عقود من الصراع الذي لم تهدأ نيرانه منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، فالعلاقة بين الدولتين الجارتين ظلت رهينة لملفات متفجرة، في مقدمتها قضية كشمير، التي تحوّلت إلى رمز لصراع جغرافي وديني وسياسي طويل الأمد، ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على الاستقلال، لا تزال الجروح مفتوحة، والحروب السابقة تلقي بظلالها على كل تصعيد جديد، في هذا الموضوع، نعود إلى الجذور التاريخية لهذا الصراع، ونستعرض محطاته الكبرى، لنفهم كيف تشكل الحاضر على أنقاض الماضي؟.
مشكلة كشمير هي أهم المشاكل التي تواجه باكستان اليوم، فإن كشمير وجمو من الناحية الجغرافية تعتبر جزءًا متمِّمًا لباكستان الغربية، أما من الوجهة الاقتصادية فإن كلاهما يعتمد على الآخر، فمثلًا أسواق الفاكهة والخضراوات التي تنمو في كشمير هي روالبندى وسيالكوت بالباكستان الغربية، كما أن المدينتين هما السوق الكبرى للأصواف والسجاجيد التي تُصنع هناك، وأقرب منفذٍ بحريٍّ طبيعيٍّ لتجارة كشمير الخارجية هي كراتشي عاصمة الباكستان.
وكما أن كشمير تعتمد كلية على الباكستان، فإن هذه بدورها تعتمد على الأنهار التي تنبع من كشمير أو التي تمر بأرضها، إذ إن أنهار الباكستان الثلاثة المهمة «السند وجيلوم وشناب» تنبع من كشمير وتصب في الباكستان، ولما كان خط الدفاع الحيوي للباكستان يقوم عند الطريق الحديدية التي تسير بموازاة الطريق البرية التي تبدأ من لاهور وتنتهي عند بشاور مارًّة بروالبندي، فإن احتلال الهند لكشمير يحطم هذا الخط الدفاعي ويهدد كيان الباكستان، وفقًا لما جاء في كتاب تعال معي إلى باكستان"، لفرج جبران.
هذه هي حقيقة الأسباب الاقتصادية والجغرافية التي دعت باكستان إلى التمسك بولاية كشمير والمطالبة بها. فإذا أضفنا العامل الديني وهو تكوُّن غالبية السكان من المسلمين لَأدركنا عمق الخلاف القائم بين الهند وباكستان بسبب كشمير.
وقد زادت السياسة التي سار عليها حاكم هذه الولاية قبيل تقسيم القارة من تعقيد المسألة كما زاد من حدة النزاع عليها بين الهند وباكستان، ولكي نوضح هذه السياسة يجب أن نرجع خطوة إلى الوراء.
فقد حدث عند التقسيم في أغسطس من عام 1947، وبعد ظهور الهند والباكستان، أن بقي في شبه القارة ٥٨٤ إمارة هندية صغيرة، بل أكثر من هذا العدد، كانت تتمتع قبل 15 أغسطس 1947 بدرجات متفاوتة من السيادة.
كانت هذه الإمارات أو «الولايات الأميرية»١ مبعثرة في شبه القارة الهندية، وكان عدد سكانها لا يقل عن ٩٩ مليون نسمة، وكان بعض الأمراء يمثلون السلطة الحقيقية في إماراتهم، ومثل ذلك نظام حيدر أباد الذي كان يحكم ولاية تكاد تبلغ مساحتها نفس مساحة ألمانيا، وعدد سكانها ١٧ مليون نسمة، أما الإمارات الصغرى فقد كانت أصغر حجمًا وأقل سكانًا من ذلك، وكان العدد الأكبر من هذه الإمارات هنديًّا، أما الولايات الإسلامية فلم يكن عددها يزيد على ست إمارات.
وكان الأمراء الذين يتولون الحكم في هذه الولايات «الأميرية» يفخرون بمركزهم الذي يوازي مراكز الملوك، وكانوا يطلبون طاعة وولاء لا حد لهما من رعاياهم، كما كانوا يصرون على أن يلقوا الاحترام الذي يلقاه الملوك كلما سافروا إلى الخارج، وكان الواحد منهم يحمل لقب «مهراجا» إذا كان هندوسيًّا ولقب «نواب» إذا كان مسلمًا، وكان الحديث يوجه إليهم مسبوقًا بلقب «صاحب العظمة»، أما حاكم حيدر أباد فكان يحمل لقبًا خاصًّا هو «نظام» وكان الحديث يوجه إليه مسبوقًا بكلمة «صاحب العظمة السامية».
وكانت العلاقات بين التاج البريطاني وهذه الإمارات قائمة على المعاهدات التي خوَّلت للسلطة العليا في شبه القارة أن تتولى شئون السياسة الخارجية والدفاع في الإمارة على أن تضمن للأمير حقوق وراثة الحكم والاستقلال بالسلطة الداخلية، وهكذا كانت الهند البريطانية (أي قبل 1947) ترتبط مع هذه الولايات الأميرية بنوع من الاتحاد الشخصي، وكان نائب الملك في الهند يعتبر ممثل التاج البريطاني لدى كل أمير في ولايته.
ولا شك أن هؤلاء الأمراء كانوا يفضلون الحياة في ظل هذه العظمة بعزلة عن الأحداث التي كانت تجري في الهند البريطانية، ولكن لم يكن في وسعهم أن يصدوا عن رعاياهم نسيم الحرية الذي كان قد أخذ يغمر شبه القارة حتى اكتسحها اكتساحًا، كانت الأحزاب السياسية قد أخذت تتكون في بعض هذه الولايات على غرار حزبَي المؤتمر الوطني (الهندي) والرابطة الإسلامية.
وفي عام 1921 أنشأ الأمراء لأنفسهم مجلسًا في دلهي، وكان الغرض الأساسي منه هو الاهتمام بدراسة التطورات السياسية في شبه القارة، وما إن بدأ التفكير يدور في منح الهند استقلالها، في ربيع 1946، حتى أثيرت في الحال مسألة السيادة على الولايات «الأميرية» ولمن تكون.
فلما صدر قانون استقلال الهند قضى بمنح هذه الإمارات حريتها الكاملة واستقلالها وبزوال السيادة عنها.
وقد حدث بعد ذلك أن ظهر اللورد مونتباتن، نائب الملك في الهند وقتئذ، أمام مجلس الأمراء، وكان ذلك في يوم 25 يوليو من عام 1947، لكي يشرح للأمراء بصورة واضحة تطبيق قانون الاستقلال فيما يتعلق بهم، وقد أكد مونتباتن للأمراء أنه سيكون لزامًا عليهم أن يتنازلوا لحكومتي الهند أو باكستان عن شئون الدفاع والتمثيل الخارجي والمواصلات، وأنه في مقابل ذلك لن تتعرض إحدى الحكومتين — أي الهند وباكستان — للمسائل الداخلية أو المتعلقة بالسلطة في الولاية، ولكل ولاية أن تنضم بعد ذلك لإحدى الدولتين.
وأخذ مونتباتن يحث الأمراء على ضرورة اتخاذ قرار سريع لأن اليوم الحاسم 15 أغسطس، كان يقترب بسرعة، فإذا حل اليوم المذكور كان عليهم إجراء أي نظام يرونه بوصفهم حكام دول مستقلة. وكان من المسلَّم به أن الولايات الهندوسية ستتبع الهند والولايات الإسلامية ستتبع باكستان.
وكان من رأي قادة الهنود وقتئذ أن يكون أمر انضمام أية ولاية إلى الهند أو إلى الباكستان قائمًا على الرغبة التي يبديها شعبها لا بناء على رأي حكامها فقط.
وحدث بعد ذلك أن اضطربت الأحوال في ولايات حيدر أباد وجوناجادا وكشمير، فحيدر أباد كان يحكمها حاكم مسلم ولكن غالبية سكانها من غير المسلمين، وجوناجادا التي تلاصق الباكستان عن طريق البحر كان عليها حاكم مسلم ولكن أغلبية سكانها كذلك من غير المسلمين، أما كشمير فكان حاكمها هندوسيًّا ولو أن غالبية سكانها من المسلمين.
وقد كان لأمراء هذه الولايات الثلاث موقف خاصٌّ، إذ إنهم وقفوا موقف التردد بين الانضمام للهند أو لباكستان، وهم أمراء حيدر أباد وجوناجادا وكشمير، فما لبثت الإمارات أن اعتبرت مستقلة فعلًا من 15 أغسطس 1947.
وكان لسياسة هؤلاء الأمراء أسوأ الأثر على رعاياهم الذين دفعوا ثمن سياسة الضعف والتردد.
فلما استقر رأي نواب جوناجادا فيما بعد على الانضمام إلى باكستان كان الجيش الهندي قد اقتحم حدود الولاية وأمَّن السكان على حقهم في تقرير مصيرهم، وكذلك حدث أن نظام حيدر أباد حاول أن يرجئ اتخاذ قرار حاسم فما لبث الجيش الهندي أن اقتحم الولاية وضمها إلى الهند في سبتمبر من عام 1948.
أما في كشمير فقد أخذ المهراجا هو الآخر يؤجل اتخاذ القرار الحاسم الخاص بولايته من يوم إلى آخر مع أنه كان من المفروض أصلًا أن هذه الولاية ستنضم إلى باكستان بسبب أغلبيتها المسلمة، بل إن حرف «ك» في كلمة «باكستان» قد وُضع ليرمز إلى كشمير وكان ذلك منذ ولدت هذه الكلمة في عام 1940 واتخذها مسلمو شبه القارة الهندية شعارًا يتطلعون إلى تحقيقه، ولم يجد الهندوس منذ ذلك الوقت سببًا يدعوهم إلى الاحتجاج أو المعارضة.
وقد حاول مونتباتن نفسه أن يتدخل في الأمر في شهر يوليو من عام 1947 فزار مهراجا كشمير وقضى في الولاية أربعة أيام، ولكنه لم يتمكن في نهايتها من حث المهراجا على اتخاذ قرار إما بالانضمام إلى الهند أو باكستان.
وقد كانت هذه السياسة الحمقاء القائمة على التردد من جانب المهراجا هي التي سببت النكبات التي توالت فيما بعد على الولاية أولًا ثم على باكستان والهند.
فقد حل يوم 15 أغسطس من عام 1947 وولاية كشمير لم تحدد موقفها من الدولتين الكبيرتين، كما أن رغبات الأغلبية العظمى من السكان لم تتحقق … ولما أراد المسلمون في ذلك اليوم المشهود الاحتفال بيوم الباكستان أمر المهراجا بتمزيق الأعلام التي رفعوها وبإغلاق جميع الصحف الموالية لباكستان.
وتابع المهراجا بعد ذلك سياسة العسف والشدة، وإن كان قد ارتبط مع الباكستان في ١٥ أغسطس من عام ١٩٤٧ بميثاق انتقلت بمقتضاه إلى الباكستان الواجبات والمسئوليات التي كانت تضطلع بها حكومة الهند قبل التقسيم في جمو وكشمير فيما يتعلق بالمواصلات والبريد والبرق. ومن الغريب أنه لم يبرم مثل هذا الاتفاق مع الهند.
وتظاهر المهراجا بأنه يريد أن يقف موقف المحايد بين الهند وباكستان، ولكنه في حقيقة الأمر كان لا يرغب إطلاقًا في أن يعلن انضمام الولاية لباكستان.
وهكذا أخذت الثورة تسري في نفوس السكان ولم يكن المهراجا يجهل ذلك، كما أنه لم ينتقص من خطورة الموقف فأخذ في تقوية الحاميات العسكرية المكوَّنة من السيخ والهندوس في المناطق الإسلامية، وأصدر أمرًا في أواخر شهر يوليو يقضي بأن يسلم المسلمون أسلحتهم للبوليس.
فقد وقع الانفجار في كشمير ذات الأغلبية المسلمة والحاكم الهندي الذي كان يعتمد على الهند، وملتقى الطرق للاجئين المسلمين والهندوس، وبدأ الانفجار في فجر يوم 22 أكتوبر إذ أغار رجال قبائل الأفريدي٢ وغيرهم على حدود كشمير للدفاع عن المسلمين بعد أن وصلت إليهم أنباء الاضطهادات التي وقعت لهم.
وكان من نتيجة ذلك أن فشلت حركة كشمير «الحرة» وهرب المهراجا قبل 26 أكتوبر سنة 1947 من عاصمة ملكه سرينجار إلى جمو، ومن هناك كتب خطابًا إلى حاكم عام الهند طلب إليه فيه أن يرسل له قوات هندية، ولما لم يكن من الممكن أن يتم ذلك إلا إذا ضم بلاده إلى الهند فإنه عرض على الهند أن ينضم لها!
واستجابت الهند لهذا النداء وبعثت بقواتها إلى كشمير بالطائرات واحتلت سرينجار، فاضطرت باكستان إلى الهجوم بقواتها على كشمير من حدودها الغربية مستعينة بقوات من المجاهدين الوطنيين من أهالي كشمير الذين أعلنوا عصيانهم ضد المهراجا.
وظلت المعارك دائرة بين الجيش الهندي والباكستاني مدة طويلة حتى لجأت الهند إلى مجلس الأمن، الذي أمر بوقف القتال بين الطرفين وأرسل بعثة من المراقبين الحربيين نجحت في وقف القتال وحددت خط الهدنة بين الجيشين المتحاربين حتى يتم الوصول إلى حلٍّ سلميٍّ. وتحتل الهند الآن منطقتي جمو ووادي كشمير بأكمله، كما تحتل باكستان معظم المناطق الشمالية والغربية.
الهند
الهند وباكستان
باكستان
حرب الهند وباكستان
باكستان والهند
الهند و باكستان
بين الهند وباكستان
الحرب بين الهند وباكستان
كشمير الباكستانية
ترامب
كشمير
الهند تضرب باكستان
اخبار الهند وباكستان
الهند وباكستان الان
الهند وباكستان اليوم
سبب الحرب بين الهند وباكستان
الهند ضربت باكستان
الهند تقصف باكستان
الهند وبكستان
ماذا يحدث بين الهند وباكستان
india Pakistan
india
Pakistan
india and Pakistan
Trending Plus