الزفة الكدابة.. حين تصير الكثرة عبئًا

في زمنٍ صارت فيه الأصوات أعلى من القلوب، والصور أوضح من النوايا، نُخدع بسهولة ببريق الزحام حولنا، ترى الكثيرين يصفقون، يهللون، يبتسمون...، لكن هل سألت نفسك: كم منهم باقٍ حين تخفت الأضواء؟ كم منهم يساندك في عتمة الحزن كما يفعل في وضح الفرح؟
لا تفرح بكثرة الناس من حولك، فالكثرة ليست بالضرورة قوة، وربما كانت وهمًا يُبهرك لحظة، ثم يخذلك عمرًا، قليلٌ مخلص خير من كثيرٍ مزيف، فالوفاء لا يُقاس بعدد المتواجدين، بل بعمق وجودهم.
"الزفة الكدابة" مصطلح شعبي، لكنه يحمل من الحكمة ما يفوق كتبًا، هي تلك الاحتفالات المصطنعة، ذلك التجمهر من أجل الواجهة، لا من أجل المحبة، تجدهم حولك حين ترتدي النجاح، ويغيبون عنك إذا ما خلعتك الظروف من مقامك، هؤلاء لا يهمهم قلبك بل موقعك، لا يعنيهم ما تشعر، بل ما تملك.
الحياة، وإن بدت مسرحًا صاخبًا، فهي في حقيقتها غرفة اختبار، لحظات السقوط فيها كاشفة، لا تُجامل، ولا تُموّه، فيها تنكشف المعادن، فتلمع النفوس الأصيلة كالذهب، ويصدأ غيرها تحت أول قطرة ألم.
احرص، لا على توسيع دائرتك، بل على تنقيتها، فالدائرة الضيقة التي تضم قلبًا واحدًا صادقًا، أكثر أمنًا من حشود تُصفق لك اليوم وتصفعك غدًا، لا تُدخل حياتك من هبّ ودبّ، فالعلاقات ليست بالكم بل بالنوع، الصداقة لا تُقاس بطول السنوات، بل بمدى الحضور في اللحظات الصعبة.
ابحث عمّن إذا بكيت، بكى معك، وإذا ضحكت، فرح لك لا منك، من يذكّرك بنفسك حين تنساها، ويشدك إلى النور حين تغرق في العتمة، هذا هو الذهب الحقيقي، الذي لا يبهت ولا يتغير مهما تغير الزمن.
في زمن السوشيال ميديا، حيث يمكن لأي أحد أن يكون "صديقًا" بـ"ضغطة زر"، أصبح الوفاء عملة نادرة، فاحرص على محفظتك العاطفية، لا تملأها بالنقود المزيفة، اختر القلوب لا الأشكال، الأرواح لا الأرقام، الحضور الحقيقي لا الوهمي.
الحياة قصيرة، لكنها واسعة بما يكفي لكي نعيشها مع من يستحق، فلا تغتر بزفة لا تعرف من أين جاءت، ولا لمن تُزف، فربما كنت العريس في عيون الناس، لكنك الحزين في داخلك.
Trending Plus