ديْنَصورٌ نجا.. قصيدة حاتم الأطير في ملتقى بيت الشعر العربي للنص الجديد

يستعد بيت الشعر العربى، بإدارة الشاعر سامح محجوب، على مدار يومى 17 و18 مايو لتقديم (ملتقى بيت الشعر العربى الأول.. للنص الجديد)، ويدعو فيه 50 شاعرًا، تحت سن الأربعين من جميع ربوع مصر، وذلك للمشاركة فى الملتقى، وسيقوم "اليوم السابع" بنشر قصائد الشعراء تباعًا..
حاتم الأطير
ديْنَصورٌ نجا لـ حاتم الأطير
الهوانُ
أطلَّ على الناسِ
واختارني فورَ شاهدني أتمجَّدُ
مَرْوَحَ خُطَّافَهُ ورمى
شدَّني وهْوَ يضحكُ منْ ياقتي
ثمَّ قَهْقَهَ لمّا رفسْتُ الهواءَ
الهواءَ الذي أتأرجحُ فيهِ كدلَّايةٍ
بالمناسبةِ:
الدَّيْنَصورَاتُ لمْ تنقرضْ مثلما شاعَ
يومَ قيامتِها ديْنَصورٌ نجا
واستطاعَ البقاءَ على كوكبٍ وحدَهُ!
ليسَ أوحشَ منْ كوكبٍ فارغٍ
يتردَّدُ فيهِ صدًى هائلٌ
لوْ حَبا قلقٌ بينَ ضرسيْنِ.
سارَ على أملٍ أنْ نجا آخرٌ
وتمنَّاهُ أنثى لتنقعَهُ في الحياةِ
ولكنَّهُ بعدَ أنْ نَخَلَ الأرضَ
لمْ يَهْوِ في رَوْعِهِ أحدٌ
هلْ نجا
أمْ تورَّطَ في عدمٍ نادرٍ
عدمٍ قابلٍ للوجودِ
لوِ اثنانِ يرتقيانِ
على درجٍ في الغريزةِ
صادفَ في سيرِهِ بِركةً
فبكى حينَ شاهدَ صورتَهُ
في المياهِ
لأنَّ وحيدًا رأى أحدًا
في الوجودِ أخيرًا
بكى وأطالَ الوقوفَ
ليشبَعَ مِنْ جِنْسِهِ
جنسُهُ وهْوَ منعكسٌ في المياهِ
بدا وطنًا آهلًا
كانَ يكفيهِ أنْ يتسامى
على قدميْنِ ويرقصَ
لو شاقهُ أنْ يرى
أحدًا منْ أهاليهِ يرقصُ
أوْ يتبسَّمُ حينَ يحنُّ
إلى أنْ يرى أحدًا باسمًا
هكذا هامَ في أردأِ الأُنسِ
أُنسٌ يموجُ على بِركةٍ
منْ شخوصِ هلاوسِهِ
عاشَ..لا، لمْ يعشْ
إنهُ لمْ يكنْ ميّتًا
ذاك أعدلُ وصفٍ
لمنْ قَرْفصتْهُ الثلوجُ
على هضبةٍ
واقشعرَّ وحيدًا
لمنْ رجرجتْهُ الزلازلُ
حتى هوى في الشقوقِ
وَنَاحَ وَحِيدًا
لمنْ وهبتْهُ النباتاتُ
مسغبةً في الفروعِ
وجاعَ وحيدًا
لمنْ قالَ منْ فرطِ وحدتِهِ
سأنامُ لأحلمَ بالآخرينَ
فكانَ المنامُ عمًى
يتخبَّطُ فيهِ وحيدًا
تأقلمَ بعدَ سنينَ
مع الهلعِ الإنفراديِّ
أَلَّهَ مأساتَهُ
ثمَّ ركَّبَ منْ خردةٍ ماورائيَّةٍ
شغفًا
وتنكَّرَ في ثوبِ ديمومةٍ
ونجا منْ كمينِ الفناءِ
وعاصرَ جيناتِهِ طفرةً طفرةً
لمْ يعُدْ دَيْنصورًا!
تحوَّلَ بعدَ قرونٍ إلى صاعقٍ
صاعقٌ عصبيٌّ
وفي غايةِ السوءِ
ما زالَ يَلطِمُ صُدْغَ المدى باحتقارٍ
إلى أنْ توهَّجَ منْ حُمرةٍ وبكى غيْمُهُ
صاعقٌ قذرٌ
طوَّرتْهُ ليالٍ خريفيَّةٌ
منْ ذواتِ الرعودِ الرهيبةِ
وانتخبتْهُ الطبيعةُ
أصبحَ وَيْلًا مهولًا
بعينيْنِ حاقدتيْنِ
تكوَّنَ في بيضةٍ سيكُباتيَّةٍ
حجمُها حجمُ تهلكةٍ
أفْرخَتْ
حينَ جئنا إلى الأرضِ
نحنُ الترابَ المفوَّهَ
ويلٌ مهولٌ بعينيْنِ حاقدتيْنِ
يرانا ولسنا نراهُ
ولكننا نتحسَّسُ آثارهُ
في مضاجعِنا ومدامعِنا
في البدايةِ كانَ بلا اسمٍ
وكنَّا إذا ما اضطررنا
إلى ذِكْرِهِ.. نتأَوَّهُ
لكنهُ الآنَ يُعْرَفُ باسْمِ الهوانِ!
الهوانُ سليلُ الملايينِ
منْ سنواتِ التوحشِ
ناجٍ بروحِ صريعٍ!
صريعٌ بوجدانهِ ظَلَّ يرعى
لمدَّةِ خلدٍ قطيعَ انتقامٍ
ويكرهُنا
نحنُ منْ حطَّمَ اللهُ أسلافَهُ
كي تكونَ لنا الأرضُ
يكرهُنا ويكيدُ لنا
وكما خلَّفتْهُ القيامةُ
في الأرضِ فردًا
تأبَّطَ خُطَّتَهُ
في القضاءِ علينا فرادى
وحينَ رأى أنهُ مستعدٌّ
أطلَّ على الناسِ
واختارني فورَ شاهدني أتمجَّدُ!
مَرْوَحَ خُطَّافَهُ ورمى
شَدَّني وهْوَ يضحكُ منْ ياقتي
ثمَّ قَهْقَهَ لمّا رفسْتُ الهواءَ
الهواءَ الذي أتأرجحُ فيهِ كدلَّايةٍ
أدرِكوني!
بيت الشعر العربي
حاتم الأطير
حاصل على جائزة الدولة التشجيعية للآداب
صدر له:
مسجد على القمر
سابت نفسُها للرقص
باغتهُ الوحش
Trending Plus