رزق اليومية الحلال.. قصص بطولية من قلب الأرض للمرأة الريفية.. يعملن بالأجرة لإعالة أسرهن ويصنعن المجد من عرق الجبين.. يواصلن العمل بكرامة لا تساوم.. ويؤكدن: شقيانين وعنينا مليانة وشيلنا المسئولية زى الراجل

كانت الشمس لم تشرق بعد، والضباب لا يزال عالقًا فوق الحقول، والشوارع لا تزال نائمة، حين بدأت "أم سعيد"، كعادتها، تجمع سيدات يشبهنها في الحلم والتعب، يبدأن معًا رحلة كفاح يومية، لا يملكن فيها رفاهية التوقف أو التراجع. كلهن رغبة في أن يجدن فرحة صغيرة في نهاية اليوم، ويعدن إلى بيوتهن بحلم جديد أو ضحكة تُنسيهن أوجاع الساعات الطويلة التي يقضينها في الأرض من أجل كسب لقمة عيش حلال.

موسم حصاد البطاطس في البدرشين

العاملات بالأجرة
وبينما تستعد القرية لتفتح أبوابها، تعرف أن العاملات باليومية هن أول من يبدأن رحلة اليوم وآخر من ينهينها. يسرن الكادحات بخطى ثابتة، في عيونهن إصرار لا يُكسر، في أيديهن قفة بالية، وعلى أكتافهن شال قطني يحتمين به من برد الصباح القاسي وشمس الظهيرة الحارقة، يزرعن في كل خطوة حلمًا لأبنائهن بأن يكبروا بعيدًا عن التعب الذي صار جلدًا ثانٍ لهن. فيبدأ يومهن بلا راحة، وينتهي بلا وعد بيوم أفضل، لكن رغم ذلك، يمضين بعزيمة ورضا وقلب يصر على ألا يستسلم بكل خطوة في درب لم يخلُ من الألم.

عاملة باليومية في موسم حصاد البطاطس

عاملة باليومية في البدرشين
تعمل "أم سعيد" باليومية في الأراضي الزراعية، مع بزوغ كل فجر، تجمع النساء والفتيات من القرى المجاورة، وتقودهن إلى الحقول، يعملن حتى الظهيرة في جمع البطاطس، أو قطف الفاصوليا، أو تعبئة الخضروات والفواكه، بشقاء شريف: "أحنا بننزل نلم محصول من الأرض باليومية وبنكافح على لقمة عيشنا... بجمع الأنفار من الفجرية وننزل الأرض نشتغل لحد الساعة 1 أو 2 الظهر، والأجرة بتاعتنا 150، 170 جنيه بنروح نعمل بها مصالحنا.. ما فيش إلا ماهيتنا هي دخل البيت في اليوم".

كفاح في موسم الحصاد

محصول البطاطس في البدرشين
بدأت شمس الصباح تنبعث على وجوههن المرهقة، لكنها لم تكن قادرة على مسح آثار الجهد والتعب. تخوض "أم سعيد" معركتها اليومية بلا شكوى، تجمع البطاطس، تحصد الفاصوليا، وتلحق بمواسم الطماطم، العنب، البصل والقرنبيط، يدها القاسية من العمل، تحفظها من أن تُمد لغير الله، ترفض أن تنتظر مساعدة، وتستقوي بإرادتها: "بنطلع على لقمة عيشنا بنلم الستات ونطلع نكافح بأيدينا وعرقنا عشان أولادنا وراسنا مرفوعة.. هي اليومية بس اللي جاية وعايشين منها، لا في شهرية ولا أي مصدر دخل تاني".
.jpg)
حصاد محصول البطاطس

فرحة حصاد المحصول
لا تعرف "أم سعيد" الكلل، تسعى خلف رزقها برأس مرفوعة، حاملة على كتفيها هم بيت، ومسؤولية زوج مريض، وأبناء لا تملك لهم إلا قوت يومهم، إذ سقط زوجها من أعلى سقالة بناء، وأصبح عاجزًا عن العمل لأكثر من عام، لكنها لم تتوقف.. لم تستسلم.. ولم تسمح للظروف أن تكسرها، فتقول بفخر: "طالما ربنا مدينا القوة إن إحنا نطلع نجيب الجنيه بالحلال خلاص الحمد لله.. إحنا راضيين إن إحنا نعيش عيالنا بالحلال ويبعدنا عن الحرام".

عاملات اليومية

نقل المحصول لتجهيزه وتعبئته
العرق الذي تسكبه "أم سعيد" لا يذهب سدى. ففي موسم حصاد البطاطس، تصف تفاصيل يومها بدقة العامل الحريص على كل حبة تخرج من الأرض: "بنلم المحصول ونركنه على جنب ونردم، ولو فيه حباية مردومة نطلعها عشان متجيش تاني تحت التراب، ونرجع نلمها ونعبيها في القُفة وفي الآخر بنعبي المحصول في الشكاير ويتخزن ويدخل تبريد".

المحراث البلدي

عاملات اليومية يحصدن المحصول
في كل جهد يبذل، تُكتب قصة كفاح، تعبر عن صمودهن وإصرارهن على العيش بكرامة. "أم سعيد" لا تهاب العمل الشاق، بل تواجهه بأمانة وشرف: "أحنا ستات شيلنا مسؤولية كبيرة زي الراجل، وبنعرف نجيب الجنيه الحلال إزاي، بالاحترام والأدب نعرف نجيب الجنيه"، بكلماتها البسيطة التي تخرج من قلبها قبل لسانها، تحكي عن تعبها بفخر: "الجنيه اللي بجيبه بعرقي، أحسن من مية جنيه تيجي من طريق تاني".

جمع محصول البطاطس

محصول البطاطس
وبينما كانت خطواتها تتناغم مع أنغام الرياح التي تلامس وجهها المتعب، وعيناها تحملان قصة من الصبر والفخر لا نهاية لها. قالت أم سعيد عن أسعد لحظاتها: "أكتر حاجة بتسعدني إن عيالي جنبي وحواليا.. دي بالدنيا كلها.. لما أطلع الجنيه وأقول لبنتي خدي هاتي بيه حاجة.. بكون فرحانة وفخورة أن الجنيه ده جاي من عرقي ومجهودي".

شقاء العاملات بالأجرة

كفاح العاملات في موسم الحصاد
لـ"أم سعيد" رسالة لكل امرأة مصرية تكافح في صمت من أجل لقمة عيشها، تتحمل مسؤولية بيتها وأبنائها، تقاوم بعزيمة لا تلين مع كل موجة من التحديات التي تواجهها: "بقول لكل ست بتكافح الله يقويها ويعينها على لقمة عيشها اللي بتجيبها بالحلال.. كل ست في مصر طلعت اشتغلت وجابت القرش بطفح الدم، الله يقويها ويعينها".

محصول البطاطس

عاملات اليومية فى موسم الحصاد
تقدم العاملات باليومية تضحيات يومية، من أجل تأمين قوت يومهن وتلبية احتياجات أسرهن. يعانين من ظروف عمل شاقة، ومع ذلك يواصلن العمل بأمل وصبر، متحمّلات أعباءً جسدية ونفسية وتحديات يومية لا حصر لها، لكنهن يظلون صامدات في مواجهتها. كل يوم هو معركة جديدة بالنسبة لهن، حيث يغامرن بصحتهن، لكي يوفرن لأبنائهن أبسط مقومات الحياة.
.jpg)
حصاد محصول البطاطس

حصاد محصول البطاطس في البدرشين
ففي كل لحظة تعب، كان هناك وعد جديد تقدمه "وفاء" صاحبة الـ24 عامًا لطفلها الذي لم يتخطى الخامسة من عمره، قد تكون أيامها مليئة بالتعب، لكنها لا تعرف الاستسلام، على أرض لطالما كانت سندًا لها طوال 15 عامًا: "أنا باشتغل في كل المواسم، البطاطس، والطماطم، والبلح، وفي المصانع كمان. أنا مطلقة، عندي ابن صغير عمره 5 سنين، هو حياتي، وبكافح عشان أربيه".

عمل النساء في موسم الحصاد
تتحدث وفاء عن يومياتها التي لا تعرف الراحة، عن استيقاظها في الخامسة صباحًا لتبدأ يومها منذ اللحظة الأولى بالعمل الشاق: "أصحى الصبح، أجمع العمال. معايا 25 عامل، ملزومين مني في كل موسم. ننزل الأرض، نقسم الشغل بينا، نعبّي البطاطس، ونحمل الشكائر.. شغلنا مش سهل، كله عتالة، لكننا بنقسم الجهد، والهدف واحد: توفير قوتنا".

عاملة بالأجرة

حصاد محصول البطاطس في البدرشين
بين كل قطرة عرق يروين حلمًا لا ينتهي، يبدأن يومهن بكفاح لا يتوقف، ويتحملن على أكتافهن هموم أسرهن دون أن يطلبن شيئًا في المقابل: "الكل هنا بيكافح، مش بس عشان نفسه، لكن عشان أولاده وأسرته. كل واحد فينا عنده مسؤولية، وكل واحد عنده حلم. حلمي أني أربي ابني وأكبره، وهفضل أكافح لحد ما أشوفه عريس، ده حلمي، وإن شاء الله هيكون".

موسم حصاد البطاطس
طوال أيام العام، يتناغم العرق مع الأرض، ويزهر الأمل مع كل بذرةٍ تُغرس بنضال وإرادة قوية لا تقهر، لتصبح هذه النساء اللواتي يكدحن بصمت يليق بالعظيمات، حاملات على عاتقهن عبء الشقاء في سبيل الرزق الحلال، جزءًا لا يتجزأ من طبيعة الأرض. يزرعن ويحرثن ويحصدن فيها ويحاربن دون كلل أو ملل من أجل أسرهن، رغم تحديات الحياة، فكل يوم بالنسبة لهن هو معركة جديدة من أجل لقمة العيش.
Trending Plus