شِقاق الأبدان ووِفاق الأدمغة.. عن هُدنة غزة وأسرى نتنياهو وعن الحرب من طرفٍ واحد

حازم حسين
حازم حسين
حازم حسين

الانسداد مُستحكم؛ لكنَّ الآمال عالية. لم يقتنع ترامب فى يناير الماضى بحدود البروتوكول الرئاسى، ولم يرَ مراسمَ الجهة الغربية من الكابيتول كافيةً وحدها للاحتفال بتنصيبه سيِّدًا على البيت الأبيض؛ فاستولد لغزَّة هُدنتَها الثانية بالضغط والتهديد.


وإذ يتحضَّرُ للحلول ضيفًا على المنطقة خلال الأسبوع المقبل؛ فليس أقلَّ من أن يحمل معه هديّةً لها، أو يُجبر الفرقاء على تقديمها. وما من شواهدَ على أنَّ الحرب فى طريقها للانطفاء؛ لكنّه التوقُّع الأبيض، أو لنَقُل إنّه العَشَم أوّلاً وأخيرًا، والرهان على صاحب البندقية أنْ يَحولَ بين حاملها والزناد.


رؤيةُ الرئيس الأمريكى وأفكارُه الفضفاضة عن الشرق ومُستقبله المأمول، تتطلَّبُ القفز على الحواجز واختراق الصناديق المُعتادة، والمُقفَلة على خياراتٍ وبدائل أسوأ من بعضها.


احتياجٌ ماسّ للتعقُّل والتهدئة، من ألطف أطروحاته إلى أشدِّها صخبًا وسيولةً وإحراقًا واحتراقًا. فى الاقتصاد واستقطاب فوائض الأموال، كما فى الدعوة لتوسعة الاتفاقات الإبراهيمية، وبناء محورٍ مُضادّ لإيران وهلالها المُمانِع.


وحتى فى التصوُّر الردىء عن إخلاء القطاع من ساكنيه، وتحويله إلى «ريفييرا الشرق»، وفرصةٍ عقارية للعائلة؛ بعدما ينزلق الرئيس عن العرش ويعود إلى شركاته وتجارته. كلها تبدأ من إلقاء القفَّازات، والسير إلى طاولة التفاوض.


تتطلَّعُ حماس للخروج من الزيارة باتفاق طويل المدى، وقابلٍ للحياة والتنقُّل السَّلِس بين مراحله، على خلاف ما كان فى التجربة السابقة. ونتنياهو لا يخشى شيئًا قدرَ انثناء فوَّهة بندقيَّته أو حشوها بالرمل.


أمَّا الامبراطور؛ فيعرفُ النهاية الاضطراريَّةَ، ويصطبرُ عليها لإشباع غرور الحليف لا أكثر ولا أقلّ؛ لكنه فى اللحظة الفارقة سيأخذُ قرارًا، ويُمرِّره من فوق الرؤوس.


لا يُمكن أن تستمرَّ الحربُ إلى الأبد؛ بل لا مصلحةَ لأحدٍ سوى زعيم الليكود فى إبقائها يومًا أو ساعة واحدة. والخلاف فى التفاصيل مُجرَّد تشغيبٍ عابر، وعَضٍّ للأصابع، وفسحةٍ زمنية لن تُغيِّر كثيرًا فى المآلات. إذ انتصرَ المُحتلُّ فى التكتيك وخسر فى الاستراتيجية، والعكس بالنسبة للقضية الفلسطينية، بينما انكسرت حماس ولو ادّعت العكس، وعادت إلى زمن التأسيس أو ما قبله.


والعودة هُنا على معنى أنها ستحتاج للبداية من الصفر، والتعثُّر فى إعادة بناء أجندتها وتكييفها، والبحث عن حُلفاء جُدد؛ بعدما قطّعَتْ حِبالَها مع السلطة، وباعت مُحيطَها القريب، وخُذِلَتْ وضُحِّىَ بها من الحليف البعيد.


والحال؛ أنَّ إطفاء الجبهة المُتأجِّجة ضرورةٌ ظرفيّة حالّة، إنما ليس الغايةَ ولا نهاية المطاف. وإذا كان إنقاذُ المدنيِّين من المحرقة المُتفجِّرة فى وجوههم حاجةً أخلاقيَّةً عاجلة، ودائمة، ولا يتقدَّم عليها هداف آخر؛ فإنها لا تكتملُ من دون مَنحِهم بديلاً موضوعيًّا عن الوضع الراهن، وإفساح الطريق لمُقاربةٍ تضمن لهم العيشَ الآمن أوّلاً، وتُخلّصُهم بالتزامُن من مُسبِّبات الاشتعال التى تفتعلُ الصدامات، ولا تُجيّرُها لحساب السياسة أو اقتراحات التسوية الدائمة.


والقصدُ ألَّا يكون الخروج من الميدان هامشًا قبل الرجوع إليه، كما تكرَّر فى الجولة الحالية واستقرَّ فى سوابق الجولات، وألَّا تكون الحالةُ الفصائليَّةُ الأُصوليَّة سابقةً على الإجماع والمصالح الحيوية؛ لكى لا يكون لليمين الصهيونى المُتطرِّف مُتَّسعٌ لتمرير أفكاره الجارحة من قناة الاحتداد الدينى، أو تحت ستار من دعايات الإرهاب وغياب الشريك، وشعبويات الوَقْف الإسلامىِّ وفلسطين الكاملة من النهر للبحر؛ وقد صار ثابتًا أنها نداءاتٌ مُستحيلة، وتُعبِّئ رئةَ الدولة الضائعة/ المأمولة، بالغبار بدلاً من إعانتها على التنفُّس وابتكار الحياة.


وكما لا يُؤمَلُ من ترامب أن يكون حَكَمًا عادلاً أو ميزانًا مُعتدلاً؛ فلا يُعوَّلُ على تيَّار المُمانَعة فى إحراز التوازُن، أو حتى إعادة الاختلال إلى نصابه القديم، وقد كان مُحتمَلاً بدرجةٍ ما، أو أقلَّ إرهاقًا مِمَّا حاقَ بالغزِّيين اليومَ.


يستندُ الحُكم فى تل أبيب إلى جدارٍ صلب، مهما اهتزَّ أو اتَّسعت شقوقُه فلن يتدَاعَى، وعلى الطرف المُضادّ أن يُخلِّقَ إسنادَه من داخله، قبل البحث عنه لدى الآخرين.


تحصّلت إسرائيل على تذكرة السفر إلى أرض العرب مجانًا، ومشمولةً بمعونةٍ سخيَّةٍ مُبكّرة فى القوّة والسياسة، لكنها ركّزت أُسُسًا راسخةً لنفسها، وصار العمل معها مُربحًا للطرفين.


أمَّا الفلسطينيون؛ فقد خاضوها فرادى منذ البداية، ولم يَدُم الإجماعُ العربىُّ من حولهم، ثم صار اختلافًا وشِقاقًا ومُنازعاتٍ تُفرّقهم وتتلاعبُ بولاءاتهم، ويبدو أنهم استمرأوا اللعبةَ؛ فباتوا أكثر إخلاصًا لها من مُنشئيها؛ حتى أنها عندما تعطّلت نسبيًّا فى مجالها الأوّل، بحثوا عنها بعيدًا بلُغاتٍ مُغايرة وألوانٍ مختلفة تمامًا.


ما عاد لفلسطين عنوانٌ واحد يُرَاهَنُ عليه، والعملُ مع «رام الله» جهدٌ مُهدَر، ومع الحماسيِّين استنزافٌ للوقت والطاقة والعاطفة، ومُغامرةٌ بالتخديم على أجنداتٍ غير صافية، وقد يصحُّ أحيانًا أن تُحمَل على العداء الخالص، من جانب رُعاتها قبل غيرهم.


وإذ يصحُّ النظرُ للطوفان؛ على الرغم من كلِّ خسائره الثقيلة، باعتباره وَصفةً صعبةً ومُكلّفةً لصناعة «الطبق الساخن». أى الخروج بالمُنازعة من سجون الرتابة والاعتياد، وفَرضها على مائدة العالم ولائحة اهتماماته؛ فإنَّ ما تحقَّق بالدم والتضحيات لم يُستَثمَر لفائدة السياسة والنضالات السلميَّة المُثمرة حتى الساعة.


التهييجُ سبيلٌ لا محطَّة وصول، وفاعلوه أعجزُ من الانتقال به إلى غُرَف التفاوض، أو البناء عليه لجولاتٍ دبلوماسية وقانونية مُقبلة.


الحركةُ موصومةٌ فى الخارج، مُختَلَفٌ عليها داخليًّا، وتنفردُ بالمسألة ولا تقبلُ أنْ يُنازعها أحد، وكلُّها مُقدّماتٌ مِثاليَّةٌ تمامًا لإهدار المُكتسبات الزهيدة، وتعظيم النزف الفادح، ولإعادة إنتاج النكبة الداهمة مرَّةً بعد أُخرى.


سدَّد القسّاميِّون الكُرةَ دون انشغالٍ بالهجمة المُرتدّة، أو تحضيرٍ لِمَا يتوجَّبُ عليهم دفاعيًّا بالسواعد والعقول؛ بل أخلوا مرماهم، فكانت الأهداف سهلةً للمُنافس بمُجرَّد الخروج من منطقة دفاعه.


ينصرفُ انشغالُ حماس اليومَ إلى تأمين حضورها فى مشهد المستقبل؛ ولو ادّعت أنها تبحثُ عن إنقاذ الأبرياء وإخراجهم من الحرب. وإذ تختزلُ الهَمَّ الوطنىَّ العام فى شواغلها الفئوية؛ فإنها تقطع الطريق على التداوى واكتساب المناعة الذاتية، أضعافَ ما يقطعُه الصهاينةُ عليهم.


وذلك؛ فضلاً على أنها تُيسِّرُ لهم أن يشطبوا على مُنظَّمة التحرير، رمزًا ومشروعيَّةً ومشروعًا بديلاً، وأن يُعيدوا الساحةَ إلى الحالة البدائيّة التى اختبروها فى النكبة الأُولى، وحرصوا على إدامتها طوال الوقت، وسُرِقوا فيها نسبيًّا على طاولة أوسلو، ولا يشغلُهم الآن إلَّا أن يُصوِّبوا خطيئةَ «رابين» بأثرٍ رجعىّ.


صارت المعركةُ عبثيَّةً منذ شهرها السادس تقريبًا، أى قبل سنةٍ من الآن على الأقل. لم تعُد حماس فعّالةً فى الميدان، ولا قادرةً على إدارة يوميَّات الغزِّيين. سُلطةُ الحديد والنار لا يتأتَّى من انحلالها إلَّا الانفلات والفوضى؛ ولولا ثِقَل المأساة وقسوة اللحظة الوجودية، لكان القطاعُ استحال مرتعًا للمُجرمين وساحةً للاقتال الأهلىِّ.


حدثت بعضُ الخروقات بالطبع؛ لكنها حتى الساعة هامشٌ ضئيلٌ على متنٍ عريض. ينضبطُ الغزِّيون لأنهم مُنضبطون أصلاً، أو لأنَّ حدودَ التضامن الشعبى بينهم تتخطَّى قسوةَ المحتل، ونظرةَ المُقاوم نفسِه لبيئته.


تلك الحالُ مُطمئنةٌ بقَدرٍ؛ إنما لا يُمكن اعتبارُها حصانةً أو تحت سقف المأمونيّة الدائمة. مُؤخّرًا صُدِمَ المُتابعون بنتائج استبيانٍ أعدَّه مركزٌ فلسطينىُّ فى الضفة الغربية، من بين استخلاصاته العديدة أنَّ نحو 48% من أهالى القطاع يقبلون فكرةَ الرحيل عنه؛ بل يُرحِّبون بها، ومُستعدّون لاتِّخاذ القرار وتنفيذه فورًا.


تآكلُ آلةُ الاحتلال الوحشيَّةُ من تعداد الأَنفُس، وتحرقُ العُصابيَّةُ الأُصوليّةُ بقيّتَهم من الداخل. ويُخطئ الناظرون بعَينِ طائرٍ بعيدٍ إن اختزلوا المُلِمَّات فى قاتلٍ وضحايا، أو فى صمودٍ اعتاد أن يُعيد ترميمَ نفسِه بعد النوازل، مُنطلِقًا من تحت الرماد كطائر الفينيق.


حتى الوطن السَّليب عليه التزاماتٌ تجاه مواطنيه، أقلّها ألَّا يُلقِى بهم فى النار من دون مُوجِبٍ أو طائل. تحفرُ الحربُ فى تُربة القطاع لتقتلِعَ جذورَ الناس، هذا ما نراه ونأسَى عليه؛ إنما ما لا نراه أو نتعامى عنه أنها تُلوِّثُ الصدورَ، وتُعبِّئها بالحنق والجحود، وتُعطِّلُ قُدرتَها على التعافى والإنبات مُجدَّدًا. وما على السطح أقلُّ كثيرًا مِمَّا يعتملُ فى الدواخل، ويُهدِّدُ بإبقاء الأفران مُشتعلةً لعقودٍ مقبلة؛ حتى بعد أن يتوقَّف تدفيعُ الغاز فى مواسيرها الصَّدِئَة.


الأُصوليِّون يعتبرون أنهم مُنتدَبون لواجبٍ عقائدىٍّ، ويخوضون صراعًا أبديًّا فى مهمَّة رساليّة موعدتها النصر أو الشهادة؛ أمَّا الهزائمُ فعثراتٌ مُؤقَّتةٌ، لا تُعَدُّ أصلاً بين الاحتمالات أو بواعث القلق والتدبُّر، ومن ثمَّ فلا يُعترَف بها ولا يُستتابُ المهزومون عنها.


لهم الخِيرةُ فيما أرادوا بالقَطع؛ لكنَّ المجتمعَ ليس أُصوليًّا بكامله، وأكثرُهم يطلبون الدنيا كما يطلبون الدين؛ هذا لو صَحَّ أصلاً الافتراضُ القائل بأنَّ قطعان الراديكالية الرجعيَّة يعرفون الأديان على وجهٍ سليم، أو ينشغلون بها قدرَ الانشغال بالأيديولوجية المُلوَّنة والمصالح الحَركيَّة.


يُصانُ الدِّين بصَون تابعيه، والنَّفْسُ حِفظُها مُقدَّمٌ على المال، وإذا زُعِمَت الضرورةُ فى ملاقاة العدوِّ دون تكافؤٍ أو استعداد؛ فلا مُسوِّغَ للمُكابرة فى مناطحته بدلاً من الالتفاف على الذات، لا سيّما أنه واقعٌ فى كلِّ الأحوال.


يبحثُ الطرفان عن منفعةٍ شخصيّة، ويسيران إلى الهاوية بعيونٍ مفتوحة؛ مع فارق أن نتنياهو يستندُ لحاضنةٍ مُتماسكة نوعًا ما، ولها مُحدِّداتٌ صلبة قادرة على إنقاذها، واحتواء خطايا الأفراد والتعويض عنها بأقلِّ قَدر من الأعباء والاختلالات. وإن عجزَتْ؛ فالرعايةُ الغربية على خطِّ التماس، وجاهزةٌ لاستقبال المخاطر وتحييدها.


أمَّا حماس فإنها كتلةٌ مُتماسكة فى جدار هشٍّ ومُتحَلِّلة أجزاؤه، ترتاحُ لصلابتها العقديّة والتنظيمية بديلاً وحيدًا عن الحاجة المنطقيّة لسياقٍ مُتناغِمٍ، وتكامُلٍ وطنىٍّ يُفعّلُ الطاقات جميعًا ويُعزِّز قُواها. وإذ يُشطَبُ الناسُ بالآلاف من السجلات حوالَيها؛ فإنها تكتفى بالرمزية عن الأثر، وتُطربُها دعاياتُ البقاء فوق حَدِّ الإفناء، والاستمرار على الرغم من شهور القتال الطويلة.


بالأساس، تستمدُّ هالتَها من القَدح فى غيرها؛ لهذا يُرطِّبُ قلبَها أن تُرَى فى صورة البطل الوحيد فى مُحيطٍ من الخانعين الأوغاد، فما كسرَها المُحتلُّ ولا اضطُرَّت للمُلاينة أو التفريط؛ حتى لو خرجت بأنفٍ نازفٍ وأطرافٍ مبتورة، وبينما ترى العدوَّ يلوكُ أكبادَ الأبرياء الذين لم تتوقَّف عن دَفعِهم لمذبحِه النَّهِم فى مواكب قرابين مجّانية.


وما تستمتعُ به الحركةُ، ويُضخِّمُ شعورَها بالثبات والفاعليَّة، هو بالضبط ما يتوخّاه نتنياهو، ويُحقِّقُ له طموحاته مع فسحةٍ عظيمة فى الوقت والترتيبات. كان باديًا من أوَّل وَهلةٍ أنه لا ينشغلُ بالأسرى، وسرَّب المعنى على صورٍ شتّى قبل أن يُجاهِرَ به مُؤخّرًا.


المُؤكَّد أنه يعرفُ استحالةَ الشَّطب النهائى على حماس؛ لأنَّ الأفكارَ مغناطيساتٌ لا تملُّ من اجتذاب المُريدين والأتباع. وإذ يُنادى بالإفناء؛ فإنه يضعُ هدفًا بعيدًا، ليظلَّ قادرًا على المُطاردة دون قيودٍ أو حواجز.


الرهائنُ مُجرَّد ذريعة، وهو حريصٌ على سلامتهم لتبقى الورقةُ صالحةً للتوظيف وجَنى الأرباح. القائلون برغبته فى الخلاص منهم يُحلِّلون باستخفافٍ أو جهل، وأجهَلُ منهم الذين يَرون أنَّ الفصائل تغلُّ يَديه بهم، أو تُديرُ على الأحياء منهم والجثامين مُساومةً ناجحة.


القَتلى الإسرائيليِّون فى الأنفاق أخطاءٌ عارضة. نتنياهو يعرفُ أنَّ رجالَ القسَّام أحرصُ على حياتهم منه، وبهذا تتأمَّنُ له وَصفةٌ سهلة وغير مُكلِّفة للحرب. نقطةُ الضعف الوحيدةُ شِبه مُحيَّدة، فضلاً على أنها ليست الأهمَّ من الأساس، والعدوُّ ظِلٌّ بلا جَسَد، فلا هو يُقاتل ولا ينسحبُ من الحلبة.


لَكمَاتٌ مُتتابعة فى اتّجاهٍ واحد، والخسارةُ يتكبَّدُها الغزِّيون حصرًا، وتتآكَلُ صورةُ المُقاومة فى عيون جمهورها، وتتضاءلُ قُدراتُهم الضئيلة، ويُرَمِّمُ الملكُ اليهودىُّ صُورتَه المُتشقِّقة؛ على أمل أن يهزمَ خصومَه فى السياسة والشارع الغاضب، أو يُبرِمَ صفقةً قانونيَّةً للخروج الآمِن، وفى كلِّ الأحوال سيصلُ إلى محطَّة الانتخابات فى موعدها الطبيعىِّ؛ هذا إذا لم يَلتَفّ عليها بالظروف الاستثنائيَّة طمعًا فى الإرجاء لمُهلَةٍ إضافيّة.


تتصادَم الأبدانُ وتتصالحُ الأدمغةُ للأسف. كلاهما ينطلقُ من الأرضيّة ذاتها، ويُفكّر بمفاتيح الآخر أو على مُرتكزاته العميقة. اليمينُ المُتطرّف على الناحيتين وجهٌ واحدة فى مرآةٍ مُستوية، أحدهما ظالمٌ والآخر صاحبُ حقٍّ طبعًا؛ لكنهما يسعيان لإنهاء المسألة بالإلغاء، ويطمعان فى حسمِها بما لا يُقبَل على الذات، ولا يصلحُ للإمضاء على الغير.


يتلطّخان بطِين الحاضر من القَدَم حتى الرأس؛ إنما الأرواحُ ما تزالُ مُقيمةً فى الماضى، وتستميتُ فى استدعائه من كهوفه المُظلمة لإجابة سؤال الواقع بمادّةٍ غير مادّته. الأرضُ كاملةً تحت غطاء دينىٍّ، بينما النصوصُ المُقدّسةُ بطابعها الإلهىِّ لا تقبلُ الجدل والمُواءمَة. المِلكيَّةُ تُختَزَلُ فى عِرقٍ، والعِرقُ فى دين، فكأنَّ اليهوديَّة والإسلام يخوضان امتحانًا وجوديًّا، ومعروفٌ بالبديهة أنَّ هذا اختصاصٌ عُلوىٌّ خالص، لا ولايةَ لأحدهما فيه على الثانى، ولا على السماء قطعًا.
وفى ورشةٍ صاخبةٍ كتلك؛ لا بديلَ عن القتال إلى أن يُفنِىَ فريقٌ فريقًا، أو أن تَبقَى المَجمرةُ مُتّقدةً ويُلاقونها بالحَطَب البشرى، حسبما يتوافرُ لكلٍّ منهما من قوّة وغَلَبة. تُزَاحُ الجغرافيا جانبًا فى المُمارسة العَمليَّة، وتُنقَلُ المُنازعة إلى الديموغرافيا، ويصيرُ الاستعراضُ المتاحُ على أبدان البشر من الناحيتين. فى الطوفان كما فى العدوان التالى له، وفى سجون إسرائيل كما فى خنادق حماس. أسرى أو قَتلَى أو خصومٌ دائمون، هكذا يُنظَر لكل طرفٍ من الجانب المُقابِل، وما من بديلٍ أو اختيارٍ رابع.


وعلى ما فات؛ فالرهائنُ المُحتجَزون لدى حماس ليسوا مُجرّد ورقة تفاوضٍ لصالحها، ولا مهانة تُخاض الحربُ لأجل تجفيف آثارها، ومُداواة جُرح الكرامة وانخلاع ضلعٍ من القفص الصدرى للمُجتمع. إنهم ذريعةٌ مُتبادَلة للأسف، تُجسِّدُ الحركة من خلالهم صورتَها المُتوهّمة عن البأس والاقتدار، كما تحتمى فيهم، ويُبرِّر بها زعيمُ الليكود حربه الشخصية الهائجة، ويُطيلُ عُمر ائتلافه ولو على حساب ناخبيه أنفسهم.


قامرَ الحماسيّون بما لا يملكونه، ولا حقَّ لهم فى تقرير مصيره بمُفردهم. ويجرُّ نتنياهو بلدًا كاملاً من ورائه فى مُغامرةٍ خاسرة بكلِّ الحسابات العقلانية المُجرّدة. نكبةٌ اختُرِعَت من عَدَم، ونزلت نوائبُها على رؤوس الغزّيين دون مُبرِّر مُلحٍّ أو مُقنع. والحرب الأطول للدولة العِبريّة مع غريمها الأضعف على الإطلاق. ربحت يونيو 1967 فى ستّة أيام، وخسرت 1973 فى ستِّ ساعات؛ لكنهما كانتا مع جيشٍ نظامىٍّ قادرٍ ومُحترف.


انتحاريّةٌ حماسيّة، تُقابلُها انتهازيّة بنيامينيّة، ويتخادَمان بإصرارٍ كما لو أنهما مُتّفقان مُسبَقًا، وهكذا كانا من زمن أوسلو إلى انقلاب 2007.. دماغٌ واحدٌ وجِسمان يَبدُوَان مُتصارِعَين؛ ولا أمل فى تهدئة طويلة أو تسوية دائمة، كما لا فُرصةَ لنصرٍ أو هزيمةٍ كامِلَين؛ طالما الأفكارُ واحدة، والأهداف أيضًا، ومَدَد الضحايا لا ينفدُ، ولا هم يجدون مَنْ يُنقذهم من فِخاخ المخابيل.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الزمالك يفقد فرصة المشاركة فى دورى أبطال أفريقيا رسميا بعد الخسارة من بيراميدز.. صور

بيراميدز يعود للانتصارات فى الدورى ويهزم الزمالك بهدف إبراهيم عادل.. فيديو

يسرا تتألق بفستان أحمر بصحبة عمرو منسى بمهرجان كان السينمائى (صور)

صحتك بالدنيا.. أعراض تتطلب المساعدة الطبية فى الهواء المحمل بالأتربة؟.. الشاى الأسود يحتوى على مادة تحارب الشيخوخة.. دراسة تثبت فعالية أدوية للسكر فى مكافحة سرطان البروستاتا.. وتغيير بسيط يفقدك 3 كيلو فى شهرين

شاهد هدف فوز الأهلي على سيراميكا بتوقيع بن شرقي


أفضل 10 إطلالات للنجمات على السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائى.. صور

ترامب يرفع العقوبات عن سوريا ويلتقى أحمد الشرع غدًا فى الرياض

وفاة "سما عادل" المصابة فى حريق خط غاز طريق الواحات

جدول ترتيب الدورى بعد مباراة الأهلي وسيراميكا وقبل لقاء الزمالك وبيراميدز

الداخلية تضبط المتهم بالاستعراض بسيارة بموكب زفاف.. فيديو


حماس تفرج عن الجندى الأمريكى عيدان ألكسندر دون مراسم..الاحتلال يواصل العداون ويغتال الصحفى حسن إصليح..اقتحام مدرسة تابعة لـ الأونروا.. نتنياهو: الحرب لن تتوقف رغم الضغوط..والأمم المتحدة: السلام هو الدواء الوحيد

شاهد الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة السلاح الأبيض داخل مسجد بالسلام

وزير العمل يعلن 1072 فرصة عمل فى الإمارات بمرتبات تصل لـ55 ألف جنيه

بعد افتتاح مصنع اليوم.. سفير تركيا: استثمارات جديدة بـ500 مليون دولار فى مصر

كيف نفهم عودة ارتفاع سعر الذهب عالميا رغم التهدئة فى الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟.. الأسواق تعيد ضبط اتجاه الأسعار وترقب نتائج بيانات التضخم.. ومشتريات محدودة تدفع الأونصة للتحرك حول 3250 دولارا

موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

الأهلي السعودي يقرر رحيل فيرمينو

جدران ذهبية ومكتب خاص وتسع لـ90 راكبا..قصر ترامب الطائر يثير الجدل"صور"

قتلى وجرحى باشتباكات بين الميلشيات المسلحة فى طرابلس.. تصفية قائد ميليشا بارز بمعسكر التكبالى.. استنفار عسكرى فى صفوف المسلحين بالعاصمة الليبية..حكومة الوحدة تعلن سيطرتها على "بوسليم"..ودعوات أممية لوقف التصعيد

مشكلة أمنية.. واشنطن بوست تفجر مفاجأة حول الطائرة القطرية المهداة لترامب

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى