محمد دياب يكتب: بين سيف الأخلاق وفوضى النظرات

 محمد دياب
محمد دياب

"إني امرؤ سمح الخليقة ماجد ........ لا أتبع النفس اللجوج هواها

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ...... حتى يواري جارتي مأواها"

بيتٌ من الشعر، يحمل في عمقه ميثاق نخوةٍ مطبوعاً على صفحات المروءة، بخط الرجولة وسُمُو الخلق. قاله عنترة بن شدّاد في صحراء قاحلة، فامتدت من حرفه جذورُ الحياء، ونبتت في ضمائر السامعين أشجارُ الشهامة، تنتظر منّا اليوم قطرة وعي لتزهر من جديد

ذلك السيفيُّ الأسمر، الذي عرفه الناس فارساً لا يُشقّ له غبار، كان إذا مرّت جارته، أشاح ببصره عنها، مطرقاً في حياء، لا كما يفعل بعض الرجال اليوم، ممن يُشبعون أعينهم بلا ورع، وكأن النظرَ خيانة، وكأن البصرَ باب من أبواب الذلّ إذا ما فُتح بغير حق

عنترة لم يكن يقرأ القرآن، ولم يسمع يوماً قول الله تعالى:
"قُل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"
لكن فطرته قالتها قبله، وعقله فهمها قبل أن تنزل. فأين أبناء المدن من شهامة ذلك البدوي؟ أين من تراه يقف في الشارع متعمّداً مراقبة المارّة؟ أين من يجعل من شاشة هاتفه نافذةً على أعراض الناس؟ أين من يصطاد النظرات ويظن ذلك رجولة؟

الرجولة أن تغضّ البصر حين تُفتن العيون، وأن تعفّ النفس حين يضعف الآخرون؛ لا في التحديق، ولا في اللهاث خلف الرغبات. فالذي لا يملك عينه، لن يملك قلبه، والذي لا يملك قلبه، لا يؤتمن على عرض ولا على وطن

بيت عنترة هو حكم أخلاقيّ، وفراسة سلوكية، وتربية نادرة لم تعد تُرى إلا في السير القديمة. هو صفعة على وجه كل متحرش، ونذيرٌ لمن ظنّ أن الرجولة زينة جسد، لا زكاة خُلق

لقد تهاوت الفوارق بيننا وبين البهائم حين أطلقنا أعيننا لكل مشهد، وأرسلنا جوارحنا بلا بوّاب من عقلٍ أو دين
نعم، نحتاج إلى قوانين تردع، لكن حاجتنا الأعمق إلى عنترة جديد، يُشهر خُلقه قبل سلاحه، ويتقدّم بحيائه قبل قوّته

نحن بحاجة إلى من يعلّمنا أن الكبرياء يكمن في الحياء الذي يحترم الخصوصية ويصون الكرامة. المعركة اليوم لا تُخاض في ميادين القتال، بل في ميدان الأخلاق، حيث يواجه الإنسان نفسه قبل أن يواجه الآخرين. من يظن أن الرجولة تكمن في فرض القوة على من حوله، عليه أن يعيد حساباته، فالرجل الحق هو من يملك نفسه في أصعب اللحظات

فغضّ الطرف يا سادة، هو خلقٌ يعكس جوهر الرجولة، وفراسة الأحرار التي لا تُقهر، وعلامة تميز من وُلدوا ملوكاً في ظل الفوضى، حتى وإن كانت تيجانهم من عرقهم لا من الذهب

الشجاعة الحقيقية في ضبط النفس وكبح شهواتها، التي تدفعنا إلى انتهاك الآخرين أكثر من حمل السيف. عنترة بن شداد قدّم لنا دروساً في الفروسية وفي كرامة الإنسان، الذي لا يُهان بنظرة ولا تنتهك عفته في لحظة ضعف

أما آن للرجولة أن تُعاد تعريفها؟ أما آن للمجتمع أن يعي أن هناك رجولة تُبنى على الخلق، وليس على جسدٍ مفتول العضلات أو سلاحٍ يُرفع في وجه الضعفاء؟ الرجولة التي تتحدث عنها المواقف، لا التي يتفاخر بها السفهاء. فهي تزداد بقدر ما نكبح أنفسنا عن الشرور، وتتعاظم بقدر ما نتحكم في عيوننا وألسنتنا .


 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

طلاق المخرج حسام الحسينى وزوجته رسميا بعد 21 عاما من زواجهما

تعطيل الدراسة غدًا بشمال سيناء لسوء الأحوال الجوية

الأردن يفوز على السعودية ويواجه المغرب فى نهائى كأس العرب 2025

كيف تنضم لمنظومة التأمين الصحى الشامل؟.. هيئة الرعاية الصحية تجيب

دخل علينا غرفة النوم.. تفاصيل اقتحام أتوبيس مدارس شقة سكنية فى بدر.. صور


ابنة شقيقة طارق الأمير: دكتور حسام موافى طلب من الأطباء تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب لخالى

موعد مباراة مصر ونيجيريا الودية استعدادا لكأس أمم أفريقيا

مشاجرة بين 4 ممرضات داخل مستشفى بسبب الحضور والانصراف

حقيقة تصنيف مواليد الثمانينيات ضمن كبار السن في منظمة الصحة العالمية

صور الأقمار الصناعية.. تدفق السحب وتوقعات أمطار بهذه المحافظات تصل للسيول


الأرصاد تحذر: تدفق السحب الممطرة وأمطار على هذه المحافظات الساعات المقبلة

وزارة الرياضة فى بيان رسمى: هدفنا استقرار نادى الزمالك

التحقيق مع نجل روب راينر بعد شهادات من المقربين بأنه قتل والديه

رسالة غضب من ترامب إلى نتنياهو بسبب غزة وسوريا.. ماذا قال البيت الأبيض؟

الطقس غدا.. أجواء شتوية وأمطار واضطراب بالملاحة والصغرى بالقاهرة 13

الإعلانات تنجح في إنهاء ملف بقاء ديانج مع الأهلي

كل ما تريد معرفته عن المغربي يوسف بلعمري أول صفقات الأهلي الشتوية

الأهلي يترقب وصول يوسف بلعمري للقاهرة لإجراء الكشف الطبي

أليو ديانج يرفض طريقة زيزو في الرحيل عن الأهلى

باب الالتماسات يعيد الفرصة لطلاب لم يحالفهم الحظ فى القبول بكلية الشرطة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى