بعد إغلاق الحدود وتعليق اتفاقية تقاسم المياه.. هل يمكن للهند وباكستان تجنب الانزلاق إلى الحرب.. التاريخ يحسم النتيجة لصالح السلام.. خبراء لـBBC: الرد الباكستانى قادم لا محالة لكن مظاهر ضبط النفس موجودة

خط رفيع بين التصعيد وضبط النفس، يحدث الآن بين الهند وباكستان، وفي ظل تصاعد التوترات بين الهند وباكستان، يتساءل العالم: هل يمكن للجارين النوويين تجنب الانزلاق إلى حرب شاملة؟ تاريخ العلاقات بين البلدين حافل بالصراعات، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الخطر بات أقرب من أي وقت مضى.
فبعد الهجوم الذي وقع في باهالغام، سارعت نيودلهي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الانتقامية، شملت إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي مع باكستان، وتعليق اتفاقية لتقاسم المياه، وطرد دبلوماسيين باكستانيين، ووقف إصدار معظم التأشيرات للمواطنين الباكستانيين.
كما شهدت المناطق الحدودية تبادلاً لإطلاق النار بالأسلحة الخفيفة، وقررت الهند منع تحليق الطائرات الباكستانية في أجوائها، في خطوة عكست إجراءً مماثلاً اتخذته إسلام آباد سابقاً.
وردّت باكستان بتعليق اتفاقية سلام تعود إلى عام 1972، واتخذت بدورها خطوات تصعيدية مقابلة.
هذا النمط من الإجراءات وردود الأفعال يعيد إلى الأذهان ما جرى بعد تفجير بولواما عام 2019، حين ألغت الهند سريعاً صفة "الدولة الأكثر تفضيلاً" عن باكستان، وفرضت رسوماً جمركية مشددة، وعلّقت روابط تجارية ونقل رئيسية.
وقد بلغت الأزمة آنذاك ذروتها عندما شنت الهند ضربات جوية على منطقة بالاكوت، أعقبتها غارات باكستانية مضادة واحتجاز طيار هندي، هو أبهيناندان فارتامان، ما أدى إلى تصعيد خطير في التوتر.
ومع ذلك، نجحت القنوات الدبلوماسية في خفض التوتر تدريجياً، بعدما أطلقت باكستان سراح الطيار في بادرة "حسن نية".
يقول أجيه بيساريا، المفوض الهندي السابق لدى باكستان، في حديثه الأسبوع الماضى لشبكة bbc: "الهند كانت مستعدة لمنح الدبلوماسية التقليدية فرصة جديدة، خصوصاً وأنها شعرت بأنها حققت هدفاً استراتيجياً وعسكرياً، بينما تمكنت باكستان من تقديم الأمر لجمهورها الداخلي كنوع من النصر السياسي".
وبدأت الأزمة في 22 أبريل 2025، حين شهدت منطقة بهلغام في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية هجومًا مسلحًا أسفر عن مقتل 26 سائحًا هنديًا، واتهمت الهند جماعات مسلحة مقرها باكستان بالمسؤولية عن الهجوم، رغم عدم تقديم أدلة علنية، ونفت باكستان أي تورط لها.
وردًا على ذلك، شنت الهند في 6 مايو عملية "سندور"، مستهدفة تسعة مواقع في باكستان ومناطق كشمير الخاضعة لإدارتها، زاعمة أنها معسكرات تدريب للمسلحين.
و أفادت باكستان بأن الضربات استهدفت مناطق مدنية، بما في ذلك مساجد ومدارس، مما أسفر عن مقتل 31 مدنيًا وإصابة 57 آخرين.
وأعلنت باكستان أنها أسقطت عدة طائرات هندية، بينما أكدت الهند سقوط طائراتها دون تحديد السبب، و تبادل الجانبان القصف المدفعي على طول خط السيطرة، مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين.
ورغم التصعيد، أظهرت الدولتان بعض مظاهر ضبط النفس، فالهند وصفت ضرباتها بأنها "مركزة وغير تصعيدية"، بينما أكدت باكستان استعدادها للرد مع رغبتها في تجنب التصعيد.
ويمتلك البلدان حوالي 170 رأسًا نوويًا لكل منهما، و تتبنى الهند سياسة "عدم الاستخدام الأول"، بينما تحتفظ باكستان بحقها في استخدام الأسلحة النووية في حال تعرضها لهجوم تقليدي واسع.
ويحذر الخبراء من أن أي صراع تقليدي قد يتصاعد بسرعة إلى مواجهة نووية، مما قد يؤدي إلى مقتل ما يصل إلى 125 مليون شخص، فضلًا عن آثار بيئية كارثية.
لكن القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، تسعي إلى الوساطة بين البلدين، لكن تراجع النفوذ الأمريكي في باكستان، بسبب تقاربها مع الصين، قد يحد من فعالية هذه الجهود.
وفي 5 مايو، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات مغلقة لمناقشة الأزمة، مما يعكس القلق الدولي المتزايد.
ورغم التصعيد، لا يزال هناك أمل في تجنب الحرب، ويبدو أن كلا البلدين يسعيان إلى تحقيق "ردع متبادل" دون الانزلاق إلى صراع شامل.
لكن استمرار الخطاب القومي المتشدد، والضغوط الداخلية، والتاريخ الطويل من العداء، يجعل الوضع هشًا، حيث يتطلب الأمر جهودًا دبلوماسية مكثفة وإرادة سياسية حقيقية من الجانبين والمجتمع الدولي لتجنب كارثة محتملة.
هل يعد هذا التصعيد مرحلة جديدة؟
في عام 2016، وبعد مقتل 19 جندياً هندياً في هجوم بمدينة أوري، نفّذت الهند ما وصفته بـ"ضربات جراحية" عبر خط السيطرة.
وفي عام 2019، أسفر تفجير في بولواما عن مقتل 40 عنصراً من القوات شبه العسكرية، ما دفع الهند لتنفيذ غارات جوية داخل مدينة بالاكوت الباكستانية - في أول ضربة من هذا النوع منذ عام 1971 - ما أشعل حينها مواجهات جوية متبادلة.
لكن الضربات الأخيرة، بحسب محللين، تميزت باتساع نطاقها، إذ استهدفت في وقت واحد بنية تحتية لثلاث جماعات مسلحة رئيسية تنشط داخل باكستان: "عسكر طيبة"، "جيش محمد" و"حزب المجاهدين".
هل سيتطور الوضع إلى مواجهة أكبر؟
يتفق معظم الخبراء على أن رداً باكستانياً بات أمراً لا مفر منه، وأن الدبلوماسية ستلعب دوراً حاسماً في المرحلة المقبلة.
ويقول أجيه بيساريا، المفوض السامي الهندي السابق لدى باكستان: "الرد الباكستاني قادم لا محالة، والتحدي سيكون في كيفية إدارة مستوى التصعيد التالي، هنا، ستبرز أهمية الدبلوماسية في أوقات الأزمات".
ويضيف: "باكستان ستتلقى نصائح دولية تطالبها بضبط النفس، لكن الأهم هو ما سيحدث بعد الرد الباكستاني، إذ يجب ضمان ألا تنزلق الدولتان سريعاً نحو تصعيد متدرج وخطير".
Trending Plus