عندما سقط السيف ولم تسقط الكرامة.. أسد لوشة هزمته الخيانة وخلدته البطولة.. إبراهيم العطار قاتل حتى الرمق الأخير عن مجد الأندلس.. انتصر في موته وكان حارسا لحلم ينطفئ

في مدينة إسبانية صغيرة تُدعى لوشة، يقف تمثال برونزي لقائد عربي مسلم، شاهدا على عصر سقط فيه السيف ولم تسقط الكرامة.
إبراهيم العطار، القائد الذي تحدى سقوط غرناطة، وقاتل حتى الرمق الأخير دفاعاً عن مجد الأندلس.
في فترة إبراهيم العطار كانت مملكة غرناطة أخر معاقل المسلمين في الأندلس محاطة بتهديد متزايد من الممالك المسيحية "قشتالة وأرغون" وكان وضع المسلمين دقيقا للغاية بين مقاومة الغزو ومحاولة استقلالهم السياسى والاقتصادي ولكن العطار لم يكن مجرد محارب بل كان جزءا من شبكة سياسية معقدة حاولت إنقاذ ما تبقى من الهوية الأندلسية.
نسلط الضوء على شخصيةٍ لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، لكنها بقيت حيّة في ذاكرة المكان والتاريخ.

تمثال ابراهيم العطار
من التوابل إلى السيوف.. بداية غير متوقعة
وُلد إبراهيم العطار في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي في غرناطة، من أسرة متواضعة اشتغلت بتجارة التوابل، لم يكن يتوقع أحد أن يتحول التاجر الصغير إلى أحد أعظم القادة العسكريين في أواخر عهد الأندلس، امتلك العطار صفات القيادة منذ شبابه: الذكاء، الصبر، والبأس، وترقى في صفوف جيش مملكة غرناطة بسرعة لافتة، حتى ولاه السلطان أبو الحسن علي حكم مدينة لوشة عام 1462م.
في حوار للمؤرخ الإسباني "مانويل فرنانديز"، قال: "كان إبراهيم العطار يمثل الأندلس كلها في شجاعته وصموده، لم يكن مجرد والي مدينة، بل حارس حلمٍ آخذٍ بالانطفاء."
لوشة: القلعة الأخيرة
بفضل عبقريته في الإدارة والقتال، حوّل العطار مدينة لوشة إلى قلعة منيعة، طور تحصيناتها، نظم جيشها، وأنشأ مشاريع ريّ ساعدت على ازدهار الزراعة والتجارة، كانت لوشة آنذاك تمثل الجدار الحامي لما تبقى من غرناطة الإسلامية، ولم تكن علاقته بالسكان مقتصرة على الجانب العسكري فقط.
بحسب روايات تاريخية محلية: "كان العطار رجلاً محبًا للسلام، حافظ على علاقات طيبة مع المسلمين والمسيحيين واليهود داخل المدينة، رغم طبول الحرب التي كانت تقرع حوله."
لوسينا معركة كتبت نهايته
عام 1483م، خرج العطار على رأس قوة صغيرة لدعم السلطان أبي عبد الله الصغير الذي وقع في الأسر قرب بلدة لوسينا، ورغم إدراكه لفارق القوى الهائل، تقدم بشجاعة لإنقاذ السلطان، مما أوقعه في كمين محكم نصبه القشتاليون بقيادة رودريغو بونس دي ليون.
قاتل العطار قتال الأبطال، وتقول الروايات إنه قتل العشرات قبل أن تحاصره القوات القشتالية من جميع الجهات، رفض الاستسلام، وظل يقاتل حتى سقط شهيداً فوق تراب المعركة.
المؤرخ "أنطونيو جارسيا" يصف المشهد قائلًا:"لم يمت إبراهيم العطار مهزوماً، بل انتصر في موته، إذ أجبر أعداءه على أن يحترموه وهو يسقط."
التمثال.. شهادة العدو قبل الصديق
في قلب مدينة لوشة اليوم، ينتصب تمثال إبراهيم العطار، مصنوع من البرونز، التفاصيل الدقيقة في التمثال تعكس مزيجًا من الكبرياء والحزن، كما لو أن صانع التمثال أراد أن يقول: "هذه هي آخر نظرة بطل إلى وطنه الذي كان يضيع أمام عينيه."
التمثال ليس مجرد نصب تذكاري؛ بل هو اعتراف تاريخي من الإسبان بشجاعة قائد كان يمكن ببسالته أن يغير مجرى التاريخ لو لم تطغ الخيانة والانقسامات على غرناطة.
اعتُبر سيف العطار الذي استولي عليه القشتاليين -كما ذكرنا-، رائعُ الجمال مطليُّ بالذهب مرصعُ بالعاج والأحجار الكريمة، بعد مفاوضات تاريخية كثيره اعتُبر كنزًا أندلسيًا، وحاليًا يُعرض في متحف طليطلة العسكري.
إرث لا يموت
رغم مرور أكثر من خمسة قرون على وفاته، ما زال إبراهيم العطار يرمز إلى مرحلة فاصلة في تاريخ الأندلس، كان يمثل شرف القتال، وعزة المقاومة، والنهاية البطولية لحضارة امتدت ثمانية قرون.
تقول المؤرخة العربية "الدكتورة سلمى الإدريسي":"لو شاءت الأقدار أن يكون لإبراهيم العطار جيلٌ كامل من أمثاله، لما سقطت الأندلس بتلك السهولة."
Trending Plus